انتخابات الخيارات المفروضة

سلمان آل خليل
selmanxelil@gmail.com

انتهت انتخابات مجلس الشعب ، انتخابات الخيارات المفروضة ، انتهت انتخابات الدور التشريعي التاسع لمجلس الشعب، وسط أجواء خالية من كل مظاهر الديمقراطية ، مع إقبال جماهيري ضعيف جدا ، انتهت هذه الانتخابات قبل أن تبدأ ، فمرشحو الجبهة ناجحون سلفا
هذا الأمر على ما يبدو لم يشفِ غليل السلطة ، حتى المقاعد المخصصة للمستقلين تم منحها للمحسوبين على السلطة من خلال تبني حزب البعث لقائمة الظل، كما حصل في محافظة الحسكة وحلب على سبيل المثال .


إن انتخابات ملس الشعب ، بدل أن تكون تجسيدا لإرادة الشعب في اختيار من يمثله بالفعل أصبح تجسيداً لإملاءات السلطة ، ومصالحها ، وكان من المفروض أن تكون هذه الانتخابات نقطة تحول وانطلاق لثقافة سياسية معيارها المشاركة الشعبية الواسعة في اختيار ممثليه لكن من المؤسف كرست هذه الانتخابات تقاليد حزب البعث العريقة في الهيمنة على الحياة السياسية في البلاد ، هذه التقاليد بجوهرها تعبير عن حالة الفساد الموجودة في كل مفاصل السلطة ، كيف يستطيع برلمان على هذه الشاكلة أن يعبر عن إرادة الشعب وهمومه وآماله والدفاع عنها ؟ كيف يستطيع هذا المجلس مكافحة الفساد الذي تغلغل كالسرطان في جميع أنحاء جسم السلطة ؟ وكيف يستطيع هذا البرلمان أن يشرّع القوانين لصالح السواد الأعظم من أبناء هذا الشعب الذي تنحدر غالبيتهم من الشرائح الفقيرة وذوي الدخل المحدود ؟ كيف يستطيع هذا المجلس العتيد مساءلة ومحاسبة السلطة التنفيذية وحجب الثقة عن الوزراء الفاسدين ، وجميع أعضائه وصلوا إليه عن طريق الاختيار والتعين من قبل السلطة وليس من قبل أصوات المواطنين ؟ بالتأكيد سيكون همُّ هؤلاء الأعضاء إرضاء السلطة التنفيذية والجهات الأمنية التي أوصلتهم إلى المجلس وليس الدفاع عن كرامة المواطن وعيشهم .


كما من الملاحظ أن وسائل الإعلام الرسمية في سوريا ركزت في الفترة التي سبقت الانتخابات على ممارسة المواطن لحقه الانتخابي في التصويت على أنه واجب وطني ، نعم هو كذلك بكل تأكيد ، لكن عندما تقوم العملية الانتخابية على معايير تلتزم بها كل دول العالم مثل : 1 – عدم إعطاء مميزات للمرشحين المدعومين من الحكومة .

2 – عدم التمييز ضد المرأة أو أي أقلية .

3 – ضمان حرية التعبير والرأي والأعلام والتجمع والتنقل وتكوين الأحزاب .

4 – عدم فرض تدابير استثنائية .

5 – حماية العملية الانتخابية من الفساد ( العرقلة ، الرشوة ، التضييق ، التخويف ، تجاوز المسؤولين لحدود صلاحياتهم ) .

6 – فرص عادلة لكل المرشحين .

7 – الجو السائد يحترم الحريات الأساسية وحقوق الإنسان .

8 – الإشراف والمراقبة من قبل الانتخابات مراقبين محليين ومراقبين من منظمات المجتمع المدني ، ومراقبين دوليين .


إن انتخابات مجلس الشعب في سوريا لم تحقق أياً من هذه المعايير بل ساهمت في إلغاء قيم المواطنة الحقيقية عندما حرمت المواطن السوري من حق المشاركة الفعلية لإدارة الشؤون العامة للبلاد .

المواطنة حقوق وواجبات وحريات أساسية يكفلها ويحميها القانون الذي هو ماهية الدولة وروح الشعب ، فـ((الوطنية لا تنفي عروبة العربي السوري ، ولا تنفي في الوقت نفسه كردية الكردي السوري ، ولا تنفي أيضا إسلام المسلم أو مسيحية المسيحي ، بل تنمي في كل منها وفي جميع أفرادها عنصر العمومية الذي يجعلها تتعرف ذاتها في الكل الوطني الإنساني وتتعرف حريتها في القانون الذي يسري على الجميع بلا استثناء)) كما يراها جادالكريم الجباعي.


إن إلغاء المواطن السوري وتهميشه ومصادرة حقه في التعبير عن رأيه والحجز على حريته يعني قراءة النعي على روح العدالة ودفنها في مثواها الأخير .

لا توجد عدالة بدون حرية تمارس ضمن إطار القيم والأخلاقيات التي تجعل من الإنسان غاية الحياة وليست وسيلة .


هل بالإمكان تمتين الجبهة الداخلية وتقوية اللحمة الوطنية وتعزيز الوحدة الوطنية وكرامة المواطن تكون مهدورة ، ومازال في نظر السلطة كفرد من القطيع ، وتتعامل معه وفق آليات وبنى تقليدية ووفق منظومة سياسية جامدة أوصلت البلاد إلى حالة يرثى لها .


فالقدرة الاقتصادية التنافسية لسوريا تأتي في المرتبة 12 بين 13 دولة عربية والأخيرة موريتانيا ، وتصنيف سوريا الاستثماري وفق هيئات عربية ودولية في المرتبة 130 بين 175دولة ، وتصنف سوريا حسب مؤشرات التنمية الإنسانية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( من حيث مستوى الخدمات الصحية ، ومتوسط عمر الفرد ومستوى التعليم والمعيشة في المرتبة 107 بين 177 دولة .
تأتي سوريا من حيث انتشار الفساد الذي يلتهم إلى جانب الهدر-  وفق تقديرات عديدة نحو 44% من الناتج الإجمالي ما يقارب من عشرة مليارات دولار علماً أن ميزانية سوريا لعام 2007 كانت 10 مليار دولار -في المرتبة 93 من بين 163 دولة وفي المرتبة الرابعة عربياً وفقا لتقرير منظمة الشفافية العالمية .


يوجد في سوريا مليونان ومئتا ألف مواطن تحت خط الفقر عاجزون عن تأمين حاجاتهم الأساسية الغذائية .

ويوجد أيضا خمسة ملايين وثلاثمئة ألف مواطن سوري على خط الفقر لا يتجاوز دخلهم الشهري (2035ليرة سورية ) .

السلطة تدرك هذه الحقائق ، وكان الأجدر بها أن تجعل من هذا الاستحقاق الانتخابي مناسبة لإشاعة ثقافة سياسية مدنية قائمة على بنى دستورية متماشية مع ضرورات التغيير والتطور وممهدة لبناء الديمقراطية التي تعتبر الضمانة الأكيدة لتطوير البلاد وتعزيز الوحدة الوطنية ومواجهة الضغوطات الخارجية ، لكن على ما يبدو أن هذه الأمور مجرد أحلام يقظة بعيدة المنال بالنسبة للمواطن السوري ، فمازالت ذهنية السلطة القائمة على إلغاء الآخر واحتكار السلطة واحتكار مفهوم الوطنية أيضا هي نفسها منذ أكثر من ثلاثة عقود ولم تتغير حتى الآن .


فهنيئا لحزب البعث ، الحزب القائد للدولة والمجتمع هذا المجلس العتيد والفريد من نوعها ، وزغرودة وهلهولة وشاباش لهم .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…