لماذا التخوف من إقامة دولة كردية ؟

بشار أمين

لاشك أن كل متتبع منصف
يمتلك وعياً حقيقياً مع أبسط القيم الإنسانية ، يعلم جيدا أن أي جزء من كردستان هو
امتداد طبيعي للأجزاء الأخرى ، لأن كردستان وحدة جغرافية مترامية الأطراف متكاملة ،
والشعب الكردي هو الآخر له امتداداته بين جزء وآخر ، ويمتلك من المقومات والخصائص
ما تجعله قومية متميزة عن القوميات والشعوب الأخرى ، وأن تعداده السكاني لا يقل عن
سكان العديد من الدول القائمة في المنطقة والعالم ، حيث حوالي أربعين مليون بشر بقي
حتى الآن دون دولة أو كيان خاص به.
وكما يعلم الجميع وبحسب تاريخ الشعوب
المتعايشة في هذه المنطقة أنها تعرضت للعديد من الانقسامات وفق اتفاقيات وعهود بين
الدول الكبرى ومن بينها الشعب الكردي وأرضه كردستان التي توزعت بموجبها بين
الصفويين والعثمانيين مرة ، وأخرى انقسمت تركة العثمانيين لتصبح كردستان مقسمة بين
أربعة دول (تركيا إيران العراق سوريا) مما يعني أن كردستان أرضا وشعبا كانت واحدة
وانقسمت.
وبقي الشعب الكردي ومازال يعاني الجور والحرمان على يد الأنظمة الدكتاتورية
والاستبدادية رغم كفاحه المرير ضدها طوال تاريخه الدامي ، حيث تعرض خلاله لصنوف
المكر والخداع إلى جانب الألاعيب والأحابيل التي حيكت ضده من لدن تلك الأنظمة
والحكومات التي اقتسمت وطنه كردستان ، وهو يعمل اليوم بكل إمكانياته وطاقاته من أجل
الخلاص من القهر والظلم لينعم أسوة بالشعوب الأخرى بحريته وعزته .
شعبنا الكردي
يعلم جيداً أن التطور والتقدم يكمن في الكيانات الكبرى وليس في الدويلات الصغيرة ،
فهناك الاتحادات والوحدات في العديد من بقاع العالم ، وهناك دول الاتحاد الأوربي
تتجه نحو وحدة القارة الأوربية رغم أن كل دولة منها مكتفية ذاتيا وبعضها تعد من
الدول الاقتصادية المتطورة أي العظمى مثال فرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها ، لكن
رغم كل ذلك فهي ترى في اتحادها ووحدتها مع هذه الشعوب كل معاني التطور والتقدم ،
بمعنى بقاء شعبنا الكردي إلى جانب الشعوب المتعايشة الأخرى هو الأفضل له في تقدمه
وازدهاره خاصة وأن مناطقه في عموم الأجزاء أي في كافة الدول المقتسمة لها هي مناطق
أهملتها الحكومات والأنظمة وبقيت متخلفة من كافة النواحي وهي تقتضي نهوضا عاما مما
يتطلب أموالاً وإمكانيات اقتصادية واسعة وكبيرة هي أكبر بكثير من إمكانياته الذاتية
، لهذا ولتسهيل التطور فقد رضي الشعب الكردي التعايش مع الشعوب الأخرى من عرب وترك
وفرس وغيرها ، وعلى أمل تحقيق نوع من العدل والمساواة في توزيع الثروة والسلطة ،
لكن دون جدوى بل ظلت هذه الأنظمة والحكومات لا تفكر في شعبنا إلا بما يسيء إليه ،
وظل وضعه هكذا يتبدل من سيء إلى أسوأ وباستمرار، وإذا ما تحرك عبر أحزابه السياسية
باتجاه المطالبة بحقوقه القومية وحقه في المساواة مع غيره توجّه له تهمة جاهزة هي
الانفصال إما بتشكيل دولة أو إلحاق مناطقه بدول أخرى ، وهذه التهمة قائمة حتى الآن
، الأمر الذي يثير التساؤل على أكثر من صعيد أهمها أن هذه الأنظمة والحكومات لا
تريد أن تعترف بأن هذه المناطق التي يقطنها هي مناطقه بل هي أرضه كردستان ، وإنما
على العكس ترى بأن هذا الشعب يسعى إلى تفتيت دولها واستلاب أراضيها ، ولو كان الأمر
خلاف ذلك لما تخوفت هذه الأنظمة من الانفصال أو تشكيل دولته الخاصة أسوة بالشعوب
الأخرى وعلى مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها ، ويذكر في هذا السياق أن
القاعدة الأساسية في هذا المبدأ أن القومية السائدة تحرض القومية المسودة إلى
الانفصال في ذات الوقت تؤثر القومية المسودة الاتحاد على الانفصال شريطة التمتع
بكامل الحقوق القومية وحقوق المواطنة الكاملة .
ولأن شعبنا الكردي ظل محروما
طوال تاريخه النضالي بل دون حتى أدنى اعتراف بوجوده وحقوقه ، فهو مضطر إلى التفكير
والعمل عبر الوسائل والسبل المتاحة لضمان حقه في تقرير مصيره بما فيها إقامة دولته
القومية المستقلة، وإن كان في ذلك أدنى خطأ فإن مسئولية ذلك تقع على عاتق هذه
الأنظمة والحكومات المضطهِدة لشعبنا، وعلى هذه الشعوب أن تحاسب هذه الأنظمة
والحكومات ، لأن نزعة الانفصال أو الاستقلال تنمو مع ازدياد الحرمان واستمرار
التمييز بين المكونات .
ولئن سعى شعبنا الكردي – رغم العراقيل والعقبات التي
تعترض سبيل – إلى بناء كيانه السياسي والاقتصادي والاجتماعي فذلك ليس إلا اضطراراً
للتخلص من جور هذه الأنظمة وسياساتهم الشوفينية التمييزية ، ولم يكن يفعل ذلك عبر
الأزمنة الماضية رغم أنه من حقه المشروع بحسب شرعة الأمم المتحدة والقوانين
والمواثيق والعهود الدولية في هذا الشأن .
إن شعبنا الكردي على مر الزمن عشق
الحرية وطلبها لغيره ، وأن حركته السياسية ربط مصير هذا الشعب بالديمقراطية
والحريات العامة لذلك فإنه دوماً يسعى أن يعم الخير على الجميع دون تمييز بسبب
الدين أو العرق أو الانتماء السياسي ، كما أنه يمتاز بعلاقات حسن الجوار وسيظل يعزز
العلاقات التي تربطه مع غيره من الشعوب والقوميات المتعايشة من عرب وترك وفرس
وسريان ..الخ ، ذلك وفاء للتاريخ المشترك وتطلعا نحو مستقبل زاهر للجميع .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…