المثقف الكوردي السوري غياب «الدور» وضعف «الارادة»

اكرم حسين

يحدد المفكر المغربي عبد الله الجابري المثقفين
بالقول ” بأنهم يشكلون الفئة الواعية التي أكتسبت، بحكم ثقافتها، موضوعية التفكير
ووضوح الرؤية، والقدرة على التحليل والمحاكمة المنطقية، مما يجعلهم في حصن من أن
تنطلي عليهم أساليب البرجوازية ومن أن يخيفهم تحكم المتسلطين، إن المثقفين هؤلاء،
هم وحدهم القادرون على تصحيح تلك الصورة في الوعي الجماهيري، ورسم الطريق الصحيح
لتحقيقها في حيز الواقع الملموس”  
بعد هذا التعريف يمكننا ان نتسائل عن دور،
ووظيفة المثقف الكوردي السوري ان كان له دور اصلا ؟ هذا المفهوم الغامض والضبابي
الذي لا يشير كورديا الى شيء محدد او يحيل الى نموذج معين ولا يرتبط بواقع ملموس،
رغم انتشار مفهوم المثفف الواسع في حالته العمومية ؟ هل يمكن الحديث اليوم عن موت
المثقف الكوردي وانتهاء دوره النقدي او العضوي او الكلاسيكي ….؟ هل انتهى مثقف
السلطة ليترك مكانه لمثقف الاحزاب او للمثقف الارتزاقي اولمثقف الدعاية او
المناسبات ؟ 
اين هو ذلك المثقف الكوردي المنتج ، الذي يبحر و يغوص في قاع المحرم ، ويفتش في
المحظور ويستنطق المسكوت ،القادر على مواجهة الحقيقة ، المثقف الناقد ….؟! لا
وجود اليوم لمثقف كوردي عضوي بلغة غرامشي ( الا فيما ندر) يعري السلطة القائمة
ويتحدى ممارساتها الاستبدادية ، ويبشر بقيم العدل والحرية والتقدم ، وينخرط في
النضال اليومي ، ويمارس دوه كانسان يحس ويرى ويتأثر بما يجري حوله ؟ كثيرمن
المثقفين الكورد يمارسون غواية الكتابة من برجهم العاجي بعيدا عن مشاكل الناس
وهمومهم ؟. اوتدفعهم انتهازيتهم الى تنصيب انفسهم ناطقين بالحكمة ، راغبين بامتثال
السياسي الكوردي بين ايديهم لاخد المشورة والنصيحة ؟ وهوباعتقادي سبب رئيسي فيما
نشاهده من صراعات وانعدام للثقة ؟! هل ما يجري كورديا هو الاختبار الاخير لفاعلية
المثقف الكوردي واخلاقياته ولدوره المعرفي ؟ ام اننا سنشهد ولادة المثقف الكوردي
الذي تحدث عنه ميشال فوكو بالقول”ان المشكلة السياسية الاساسية للمثقف ليست نقد
المضامين الايديولوجية..انما معرفة ما اذا كان بالامكان بناء سياسة جديدة للحقيقة
…ان المسألة لا تتعلق بتغيير وعي الناس او ما يدور بادمغتهم …بل يتعلق بالنظام
السياسي والاقتصادي والمؤسساتي لانتاج الحقيقة ” ويمكن تلخيص حالة المثقف الكوردي
في كلمة واحدة بأنه “مذنب” اي مذنب حين يصمت او يكتب اويزييف او يتنكر لدوره النقدي
اوالمعرفي اوالاخلاقي ؟ ،لان المثقف الكوردي يخون فكره وشعبه عندما يحجم عن نقد
ذاته ومجتمعه ومحيطه، ويقصر نقده على من هو خارج تلك الذات وذلك المحيط. لان المثقف
الناقد يجب ان يكون صاحب مغامرة فكرية وتغييرية، يفكر في الممنوعات ويتحدث في
المحرمات، يتحدى السلطات القائمة سواء كانت سياسية او دينية او ثقافية ، فقد انتشر
في الوسط الثقافي الكوردي السوري مؤخرا نماذج مختلفة من “المثقفين” اولهم “المثقف
الاعتذاري”والذي يقوم بالدفاع عن استقرارالوضع القائم.،وتبريرالاستبداد وعن
“الخصوصية الثقافية”، والصنف الآخر هو “المثقف الإيديولوجي، المشبع بإيديولوجيا
معينة في رؤيته للعالم والمجتمع ، يروج لهذه الايديولوجيا ويرى فيها الحل النهائي،
ويمارس نقده لكل من يقع خارج فضائه الإيديولوجي والمعرفي.  
بالاستناد الى كل
ذلك ، المثقف الكوردي السوري مطالب في ظل الاوضاع القائمة والتجاذبات الحزبية
والسياسية ، بتحليل الواقع السياسي والثقافي الكوردي ونقد السياسات الكوردية
والممارسات الاستبدادية والايديولوجية  التسلطية لبعض القوى والدفاع عن حرية الرأي
والتعبير والاختلاف ، وتقديم الاقتراحات والحلول والبدائل ، لانه على حد قول ماركس
كان الفلاسفة سابقا يقومون بتفسير العالم بينما المطلوب هو تغييره !!. 
عليه ان
يؤدي دوره ، ويقوم بوظيفته ، بعد ان اتاحت الثورة السورية المجال لحرية الرأي
والتعبير في اقليم كوردستان سوريا ، في ظل غياب رقابة السلطة وادوات قمعها وتوفر
عدد من منابر الاعلام الكوردية التقليدية والحديثة ، من صحف ومجلات ومواقع
الكترونية وصفحات تواصل اجتماعي وفضائيات ،باتت في متناول اليد ، لكل من يرغب في
استخدمها ، لنشر ارائه ومعتقداته الفكرية والدينية والسياسية، بعد ان وفرت
تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات فرصا كثيرة للانتشار والتاثير في اوساط واسعة
وقطاعات اجتماعية وثقافية متعددة ، لم يكن الوصول اليها ممكنا ،بعيدا عن هيمنة
الاحزاب وتسلط السياسي الكوردي وسيطرة فكره الايديولوجي الشمولي .
على المثقف
الكوردي النقدي ان يعري الفساد السياسي والاجتماعي ، وان يمارس دوره التنويري ،
ويحارب الاصولية والانتهازية وقوى الثورة المضادة الداخلية والخارجية ،وان يلقي
الضوء عليها، ويرصد حركة الاشخاص والحالات التي لا تخدم الكورد ولا تساعد في تقدمهم
، وان يكون المجهر الذي يظهر تفاصيل المجتمع بعيوبه ونواقصه ، ويحدد الجراثيم
الضارة للجسم الكوردي ، التي ستكون سببا لعطالته الثقافية والسياسية، هذا العمل
سيكون بمثابة الرافعة التي ستؤدي الى نهضة المجتمع الكوردي وتقدمه وتحديثه وتجعله
في مصاف الامم المتقدمة .
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يبدو التدوين، في زمن باتت الضوضاء تتكاثر فيه، وتتراكم الأقنعة فوق الوجوه- لا كحرفة أو هواية- بل كحالة أخلاقية، كصرخة كائن حرّ قرّر أن يكون شاهداً لا شريكاً في المذبحة. التدوين هنا ليس مجرد حبرٍ يسيل، بل ضمير يوجّه نفسه ضد القبح، حتى وإن كان القبح قريباً، حميماً، أو نابعاً من ذات يُفترض أنها شقيقة. لقد كنتُ- وما…

عبد الجابر حبيب ـ ذاكرة التهميش ومسار التغيير بعد عقدين من اندلاع الأزمة السورية، وتحوّلها من انتفاضة مطلبية إلى صراع إقليمي ودولي، ما زال السوريون يتأرجحون بين الحلم بوطن حر تعددي عادل، وبين واقع تمزقه الانقسامات، وتثقله التدخلات الأجنبية والمصالح المتضاربة. سوريا اليوم لم تعد كما كانت، لكن السؤال يبقى: إلى أين تسير؟ وهل ثمة أمل في التحول نحو…

حوران حم في زوايا الحديث السوري اليومي، في المنشورات السريعة على مواقع التواصل، في تصريحات بعض “القيادات” ومواقف فصائل تدّعي تمثيل الثورة أو الدولة، يتسلل الخطاب الطائفي كسمّ بطيء، يتغلغل في الروح قبل أن يظهر في العلن. لم تعد العبارات الجارحة التي تطال الطوائف والأقليات، والمناطق، والمذاهب، تُقال همساً أو تُلقى في لحظة غضب، بل باتت تُصرّح جهاراً، وتُرفع على…

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…