مجرد رؤية في محاولة فهم ماهية «المجتمع والمراحل الانتقالية المقدمات والنتائج»

 شيركوه
حسن

 

مرت البشرية خلال تطورها بمراحل عدة, ساهمت بانتقالها التدريجي خلال
مراحل التاريخ عبر عهود وحقب متعددة, هذا الانتقال كان العنف ابرز سماتها, ارتُكب
خلالها أبشع المجازر وصلت بعضها حد الإبادة, دفعت فاتورتها أجيال متلاحقة, سواء
كانت في حروب التحرر أو في الحروب الأهلية وخاصة في المناطق التي تُطلق عليها
حالياً ببلدان التطور ذات النموذج الأفضل لنظم الحكم في العالم ” أوروبا
أمريكا “, وأمثلة التاريخ شاهدة وهي كثيرة بدأً من مراحل البدائية والمشاعية إلى
مراحل الاستعباد والاستعمار ومن ثم الاستبداد والاستغلال بكافة أشكاله الطبقية والعرقية,
الدينية والمذهبية, أُنتج خلالها وفي سعيها الحثيث للوصول بالمجتمع إلى الأفضل
الكثير من النظريات والمذاهب الفلسفية والتشريعات الوضعية, إلى أن وصلوا إلى
الحالة الراهنة من الشكل المدني للدولة,

 حيث يستطيع الأفراد والجماعات التعايش السلمي بين مكوناتها المختلفة في ظل نظم
ديمقراطية حديثة ومتطورة محددة للحقوق والواجبات بشكل متساوي بين الجميع دون وجود
فوارق واستثناءات لفئات أو جماعات على حساب فئات أخرى, وهي من آخر ابتكارات البشرية
كنظام حكم ساهم في تطور المجتمعات المختلفة والتي قال عنها فوكوياما “إنها نهاية
تطور الفكر البشري أو نهاية التاريخ”, ألا أن هذا التطور لم يسري في كافة المجتمعات
في على حد سواء لعدة أسباب, تتعلق بطبيعة المجتمعات وثقافاتها الجمعية المختلفة
وإمكانية تقبلها للتغيير والتأقلم مع المتغيرات في الفكر والثقافة أو قدرتها على
تقبل الأفكار الجديدة ومدى استعدادها كمجتمع للتغيير, كما أن للموقع الجغرافي
وأهميته الجيوسياسية تأثيرها, رغم أن إرادة التغير تأتي من منطلقات وحاجة ذاتية في
إطار نظرية التطور, ألا أن للمؤثرات الخارجية تأثيراتها ومحدداتها, انطلاقاً من
دوافع القوى الفاعلة ومنافعها في تطور المجتمعات من عدمه, لذا بدأت الفروقات تظهر
بين المجتمعات والمناطق الجغرافية المختلفة, وعليها انقسم العالم إلى متطور..
نامي.. ومتخلف, وانقسم العالم إلى أقطاب وقوى متصارعة على النفوذ والاستحكام
بمقدرات الكون في شتى المراحل, ساهمت وبفعالية ونتيجة متطلبات مصالحها في الإبقاء
على البلدان النامية والمتخلفة بعيدة عن النمو والتطور الطبيعيين, فأبقتها متخلفة
بالاعتماد على الأنظمة الحاكمة في هذه البلدان ذات الطبيعة الشمولية والمستبدة
والتي تقاطعت مصالحها مع مصالح هذه القوى, وحتى حركات التحرر والأحزاب المعارضة في
هذه البلدان وقعت في ذات المنزلق بشقيها اليساري واليميني الديني والقومي فحراكها
لم يكن أفضل من نظم الاستبداد ذاته شكلاً وممارسةً لا بل كان النموذج الأسوأ في بعض
حالاته, كونها لم تنطلق من قراءتها العلمية لصيرورة التاريخ وفهم الماهيات الفلسفية
لمتطلبات التطور وضروراته, رغم انطلاقتها كحاجة وكضرورة وجودية وممثلة افتراضية
لفئات واسع من مجتمعاتها, بل اعتمدت بدل عن ذلك على استيراد النظريات الفلسفية
ومناهجها لا بل حتى تقلدت بأنظمتها ذات الطبيعة الشمولية والتي كانت السبب الأساسي
لفشلها وتلاشيها ذاتياً حتى قبل أن تتمكن من إسقاط أنظمة الحكم التي كانت تعارضه أو
حتى أثبات ذاتها كحركة تحرر أو أحزاب معارضة قابلة للتطور, ولا أظنني بحاجة إلى
الإتيان بأمثلة لإثبات ما أقول فهي كثيرة ومتعددة, وان وصلت هذه التيارات والحركات
في بعض حالاتها إلى الذروة في الحراك أو في التأييد الشعبي وكسبت بعض المكتسبات
المرحلية, ثم سرعان ما بدأت بالهبوط نحو الفشل, كونها حاملة لمسببات فشلها معها من
فكر وثقافة.. ممارسة وسلوك إضافة إلى مساهمة الأنظمة في إفشالها.
لكن في العقدين
الأخيرين وبعد تعاظم دور الولايات المتحدة الأمريكية وبروزها كقوة وحيدة أو الأقوى
عسكرياً واقتصادياً, غيرت قواعد اللعبة الدولية مستفيدة من نتائج الثورة الصناعية
ومعتمدة على الطفرة التكنولوجية, في التأثير على المزاج العام للمجتمعات المختلفة,
والتأثير على ثقافاتها المختلفة بغية توجيهها بما يتلاءم والنظام العالمي الجديد,
فكانت البداية تفكك جمهوريات الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية, التي غيرت نظم
الحكم لديها وتخلصت من نظم الاستبداد ذات الفكر الشمولي التي حكمتها لعقود لتنخرط
في المنظومة العالمية الجديدة, حيث كان الانتقال سلساً بحكم موقعها الجيوسياسي في
القارة الأوروبية متأثرة بالثقافة الغربية, نتيجة الاحتكاك المباشر مما سهل عملية
الانتقال, إضافة إلى كونها جزء من القارة الأوروبية والتي لا تحتمل اضطرابات كبيرة
وطويلة, مما لها من تداعيات سلبية على المنظومة العالمية وخاصة جهة الاقتصاد
العالمي والتي هي المحرك الأساس لعملية التغيير, تلتها دول البلقان ليأتي الدور
فيما بعد على ما يعرف بمنطقة الشرق الأوسط, هذه المنطقة المركبة بطريقة معقدة حدود
وشعوب, والتي شهدت صراعات طويلة مذهبية… عرقية… سياسية والمثقلة بأعباء
اقتصادية والتي كانت مهيأة للانفجار في أية لحظة نتيجة تلك التراكمات, فكانت الحرب
الأفغانية تحت شعار محاربة الإرهاب ومن ثم حرب الخليج بمسوغات محاربة نظام
الاستبداد, إلا إنها لم تتوقف عند هذا الحد وحيث إن المشروع عالمي ويتجاوز مساحات
الرقع الجغرافية المحددة, أطلقت الإدارة الأمريكية في آذار /2004/ مصطلح الشرق
الأوسط الكبير في إطار مشروع شامل يسعى إلى تشجيع الإصلاح السياسي والاقتصادي
والاجتماعي، حسب تعبيرها في المنطقة, وفي
نيسان /2005/ وفي تصريح لوزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا
رايس لصحيفة الواشنطن
بوست الأمريكية حيث أطلقت مصطلح الفوضى الخلاقة وهو مصطلح سياسي يُقصد به تّكون
حالة سياسية أو إنسانية مريحة بعد مرحلة فوضى متعمدة الإحداث, هذا المصطلح الذي ذكر
أولاً في أدبيات الماسونية
القديمة حيث ورد ذكره في أكثر من مرجع وأشار إليه الباحث والكاتب الأمريكي دان
براون.
 استمر الوضع في المنطقة بين حالة الغليان الكامن المتأثر برفد
الثقافات الجديدة والمالكة لرغبة الانتفاض على النظم القائمة نتيجة ممارسات
الاستبداد المنتهجة من قبل الأنظمة ذات الطبيعة الشمولية, فكانت حادثة البوعزيزي في
كانون الاول /2010/ الانطلاقة لتبدأ حركة التاريخ من تونس, ولينتقل الحراك بسرعة
قياسية إلى “مصر… ليبيا… سوريا…اليمن… إضافة إلى العراق, لتُمارس الأنظمة
بالمقابل العنف المتدرج والممنهج ضدها وأُدخلت الدول الإقليمية إلى المعادلة مثل
“إيران… تركيا… قطر… السعودية… وغيرها”, لتحرف الحراك عن منطلقه الشعبي
وأهدافه الأساسية ولتعطيه بعداً اقليمياً وطائفياً لتطيل بذلك أمد الصراع, ولتدخل
معها الأحزاب والحركات ذات الطبيعة العنيفة القومية والاسلاموية لتقوم بمهامها
المرحلية “داعش… الميليشيات الشيعية  نموذجاً” وهي القتل التدمير المنهجي الخلاق
لكل مرتكزات الثقافة المجتمعية القائمة الحضارية والتاريخية وتشويه صور الرموز
الوطنية والقومية والعقائدية, في عملية غسل للأدمغة الجمعية للمجتمع ككل, حيث يصبح
المجتمع فاقداً لهويته القومية والوطنية والعقائدية وأن كانت مازالت بعض هذه
الحركات تختبئ خلفها كشعار ليس إلا, من خلال عملية كبيرة يتشارك فيه الكل وكل حسب
سلطته ونفوذه من أنظمة ومعارضات والقوى الإقليمية والدولية الداعمة لهما, من خلال
انتهاج الأسلوب اللاسلطوي في إدارة الصراع, وهو مصطلح مستمد من أناركيسموس اليونانية
يعني “بدون حكام”، أي بدون سيادة أو عالم أو قضاء, تعرّف عمومًا بأنها فلسلفه
سياسية تتهم الدولة باللاأخلاقية، وهي تعارض
السلطة في تسيير العلاقات الإنسانية ويدعو (اللا سلطويون) إلى مجتمعات
من دون دولة مبنية على أساس جمعيات
تطوعية غير
هرمية, والتحررية مرادف لللاسلطوية وكذلك الفوضوية من “فوض وتعني المساواة ومن
دون رئيس”.
تعتبر اللاسلطوية غالبًا فكرًا متطرفًا، مع ذلك فقد شملت الفوضوية
دائمًا فكرًا
فرديًا يدعم اقتصاد
السوق والملكية
الخاصة أو الأنانية المنفلتة أخلاقيًا, مرت اللا سلطوية كحركة اجتماعية بتقلبات
عدة على مر السنين, يعارض بعضهم العدوان ويدعمون الدفاع
عن النفس أو اللا
عنف، في حين أن البعض الآخر يؤيد استخدام التدابير القسرية بما في ذلك الثورات العنيفة والدعاية
للعمل على طريق تحقيق مجتمع يدار ذاتيا, والفرديون منهم يعتقدون أن “الوعي الفردي
وميزة الاهتمام الذاتي يجب أن لا يحدها شيء سواء كان جسم جمعي أو سلطة عامة,
ويركزون على أن إرادة الفرد فوق المحددات الخارجية مثل الجماعات والمجتمع والتقاليد
والنظم العقائدية, يقول بنيامين تاكر اللا سلطوي الفردي الشهير من القرن التاسع عشر
“إذا كان للفرد الحق في حكم نفسه، فإن كل الحكومات الخارجية هي طغيان”, وماكس
ستيرنر tفلسفته تدعم الفرد ليفعل ما يشاء بدون أخذ أي اعتبار لإله أو لحكومة أو
أية قوانين أخلاقية. طبقاً لستيرنر الحقوق تضليل ومغالطة للعقل فالمجتمع ليس له
وجود ولكن وجود الأفراد هي حقيقة المجتمع, أما الجماعيون فيهدفون إلى إسقاط الدولة
والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج لصالح الملكية الجماعية والإدارة الذاتية وذلك عن
طريق الثورة, ويعتبر الروسي ميخائيل باكونين مؤسس اللا سلطوية الجمعية.
انخرط
اللا سلطويين عبر التاريخ في العديد من المجتمعات الواسعة الاختلاف فيما بينها أتت
بعضها عبر ثورات تحررية، إلا إنها بقيت في مناطق جغرافية محددة ولفترات محدودة
وقصيرة نسبياً ضمن سياقات الفترة الانتقالية للمجتمع بين الحقب التاريخية فهي لم
تستطع كنموذج في إدارة المجتمعات الكبيرة ولفترات طويلة لحاجة المجتمع إلى أنظمة
وقوانين تحدد العلاقة بين الأفراد وكذلك علاقة الأفراد بالمجتمع حيث الحقوق
الواجبات وهذا يتطلب سلطات منبثقة من المجتمع تمتلك صلاحيات التشريع والتنفيذ تنظم
حياة المجتمع, من التجمعات اللا سلطوية عبر التاريخ:
اليوتوبيا
وهي مستعمرة لا سلطوية فردانية بدأت في العام 1847 من قبل جوزيا وارن
ورفاقه، انشئت على قطعة أرض في الولايات المتحدة في أوهايو, عن طريق دعوات شخصية من
المستوطنين الأوائل من أجل الدخول في المجتمع، لأن وارن اقتنع بأن الحرية الفردية
الأكثر قيمة هي الحرية في اختيار رفاقنا في كل الأوقات, الأرض امتلكت جماعيا بعقود
فردية, اقتصاد ذلك المجتمع قام على الملكية الفردية واقتصاد السوق والعمل قام على
أساس القيمة التبادلية, في العام 1850، المجتمع ضم حوالي 40 بناء، وتحت تأثير الحرب
الأهلية الأميركية حل المشروع لينتهي تماما في آخر العام
1875.
كومونة التولستيين الزراعية (1921 – 1937( تشكلت
تطوعيا بعد ثورة أكتوبر العديد من كومونات الفلاحين مرتكزين على قيمه للعمل
واللاعنف, متبعين التعاليم اللا سلطوية
لليو تولستوي, قمعت بشدة من قبل السوفييت، وضاع تاريخ العديد من هذه الكومونات,
كان أكبر كومونة هي كومونة الحياة والعمل.
إقليم شينمين
المستقل
أنشأت الفيدرالية الشيوعية اللاسلطوية الكورية في إقليم
شينمين المستقل تحت إدارة جمعية الشعب الكورية في العام 1929, لحوالي 2 مليون من
المهاجرين الكوريين, كانالبناء اللامركزي الفيدرالي الذي تبنته الجمعية متكون من
مجالس القرى، مجالس المقاطعات، مجالس المناطق، عملت جميعها بشكل تعاوني في الزراعة،
التعليم، المالية، والقضايا الحيوية الأخرى. تم إنشاء جيش للدفاع عن شينمين تحت
قيادة اللاسلطوي الكوري كيم جوا جين الذي قاوم الجيش الياباني الامبريالي والجيش
الأحمر البلشفي محققا عدة نجاحات مستخدما طريقة حرب العصابات, سحق جيش الدفاع في
العام 1932 وانتهت التجربة.
الثورة الأسبانية في العام
1936، وفي أثناء المقاومة ضد الفاشية، كانت هناك ثورة اشتراكية تحررية عبر إسبانيا.
العديد من اقتصاد إسبانيا وضع تحت الإدارة المباشرة للعمال، في مناطق لاسلطوية قوية
مثل كتالونيا الذي أعلن إقليماً ذاتيا خلال الحرب
الأهلية الإسبانية, إلا انه لم يُعترف به رسمياً،أديرت المصانع من قبل لجان
العمال، المساحات الزراعية أصبحت جماعية وأديرت على شكل كومونات زراعية, حتى
الفنادق، المتاجر، المطاعم أصبحت جماعية وأديرت من قبل العمال, الكومونات أديرت
وفقا لمبدأ “من كل وفقا لقدرته ولكل وفقا لحاجته”، بدون ربطها بأي عقيدة ماركسية,
في بعض المناطق تم إسقاط المال، القرارات كانت تتخذ من قبل مجالس الناس العاديين
بدون أي ترتيب بيروقراطي, إضافة إلى الثورة الاقتصادية كان هناك ثورة ثقافية، فأصبح
للنساء الحق في الإجهاض، وأصبحت فكرة الحب الحر فكرة شعبية, إلا إنها انهارت مع
نهاية الحرب الأهلية الإسبانية.
كريستيانيا البلدة الحرة
أوجدت في العام 1971، عندما قامت مجموعة من الوجوديين باحتلال ثكنات
عسكرية مهجورة في كوبنهاغن في الدانمارك, واحد من أكثر الأشخاص شهرة هو يعقوب
لودفيكسن، الذي أصدر جريدة لاسلطوية التي أعلن فيها عن تأسيس البلدة الحرة, شعب
كريستيانيا طوروا قواعدهم بعيدا عن الحكومة الدانماركية حيث لا يمكن إلغائها بدون
موافقة المجتمع ككل, وهي منطقة شبه منغلقة ذاتياً, في العام 1995 تم فرض الضرائب
على المقيمين، والسلطات تضغط من أجل إنهائها.
الشيوعية
اللاسلطوية
: إن الفرق بين الشيوعيين والجماعيين هي مسألة المال بعد
الثورة. فالشيوعيين اللاسلطويين
يرون بأن إسقاط المال هو أمر ضروري بينما الجماعيين اللا سلطويين تعتبر أن الأساس
هو إسقاط الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. إن كل من الشيوعيين والجماعيين ينظمون
الإنتاج من قبل جمعيات المنتجين، ولكنهما يختلفان حول كيفية توزيع الإنتاج.
الشيوعية تعتمد مبدأ الحاجة بينما الجماعية تعتمد مبدأ العمل. ويعتبر العديد من
الجماعيين اللا سلطويين بأن ارتفاع الإنتاجية وازدياد الحس الجماعي سوف يقود إلى
اختفاء المال, إن الفرق بين الشيوعية اللا سلطوية والجماعية اللاسلطوية هو أنه في
الثانية وسائل الإنتاج سوف تصبح اشتراكية ولكن نظام الأجور سوف يقوم على كمية
العمل، أما الأولى فتدعو أيضا للاشتراكية في الإنتاج بينما التوزيع يكون وفقا
للحاجة, ساهم اللاسلطويون الروس مع البلاشفة في ثورتي
فبراير وأكتوبر، ودعم الكثير منهم تسلم البلاشفة للحكم في البداية, لكن البلاشفة
سرعان ما انقلبوا عليهم مما أدى إلى اضطرابات كرونشتادت 1921, تم سجن اللاسلطويين
في روسيا الوسطى أو اقتيدوا في زنزانات تحت الأرض أو اجبروا على الانضمام للبلاشفة
المنتصرين.
النزعات اللاسلطوية في التاريخ الإسلامي:
اللا سلطوية الإسلامية هي مصطلح يستخدم لتفسير الأفكار اللا سلطوية بين المسلمين
التي تقوم على المفهوم الإسلامي القائم على التسليم لله وترفض أي دور لأي سلطة
بشرية, عبر التاريخ الإسلامي كان
هناك نزعات لا سلطوية لدى أفراد أو مجموعات مسلمة، هذه النزعات لم تكن بالضرورة لا
سلطوية بالمفهوم المعاصر ولكنها حملت أفكارا لا سلطوية تتعلق برفض الرأسمالية، رفض
السلطة المركزية، المساواتيه، والمعاداة لأشكال معينة من الحكم, فالخوارج ليست حركة
لا سلطوية صرفة ولكنها حملت نزعة رفض شكل معين للحكم، فكانت تيارا ثالثا في حرب علي
بن أبي طالب مع معاوية بن أبي سفيان، وقد خرجوا عن قيادة الإمام علي, وقال الخوارج
أنه يمكن لأي مسلم أن يكون إماما للمسلمين, والفرقة النجدية منهم قالت أنه إذا لم
يوجد من يناسبه منصب الإمام يمكن تقاسم سلطاته, كما يقول أبو
بكر الأصم أحد شيوخ المعتزلة: “لو تكافَّ الناسُ عن التظالم لاستغنوا عن
الإمام”، وهو قول يحمل نزعة لا سلطوية, كما أنخان عبد الغفار خان القائد الروحي
والسياسي البشتوني المعروف بمعارضته اللاعنفية للحكم البريطاني للهند. كان مسلم لا
سلطوي لا عنفي وصديق مقرب من المهاتما غاندي, كما اعتقد أن القاعدة و داعش كذلك
الحركات الشيعية الفاعلة في ساحة الصراع الإقليمي تنتهج ذات المنهج اللا سلطوي من
خلال شعارات فضفاضة تتجاوز الثوابت القومية والوطنية وهي منحرفة أساساً عن جوهر
الدين.
اللا سلطوية والقومية:
مبدئيا يعارض الاشتراكيون اللا سلطويون القومية، حيث يساوون بين الأمة والدولة،
المعاصرون منهم يعتبرون أن اللا سلطوية القومية هي تناقض، وأن الاندماج بين القومية
واللاسلطوية هو من خارج الحركة اللا سلطوية, فالقومية تهدف لتحرير الشعب عبر الهوية
القومية المرتكزة على الثقافة، اللغة، القيم، التاريخ، والرموز؛ كما إنهم يتهمون
الحكومات القومية ما بعد الاستعمار بالسلطوية والاستبدادية, وهم يعارضون القومية
ونضال التحرر الوطني ويدعمون الصراع الطبقي, اللا سلطوي الايرلندي اندرو فلود أكثر
من أوضح نظرة اللا سلطويين للقومية حين كتب: “اللا سلطويون ليسوا قوميون، في
الحقيقة إننا كليا ضد القومية. لسنا مهتمين بمكان ولادة أجدادك، سواء كنت تتحدث
الايرلندية أو تشرب الحليب المخفوق في يوم القديس باتريك, الاضطهاد القومي خاطئ,
يقسم الطبقة العاملة، يسبب معاناة هائلة ويقوي سلطة الطبقة الحاكمة,معارضتنا لها
يجعلنا معادون للإمبريالية, إذا محاربة الاضطهاد الوطني هو أبعد من القومية, يمكننا
فعل ما هو أفضل, تغيير العالم للأفضل سيكون نضالا شاقا لذا يجب أن نتأكد أننا ننظر
لأفضل مجتمع ممكن العيش فيه, إننا ننظر نحو عالم دون حدود، عندما الغالبية العظمى
من الناس لها كل الحق في التحرك بحرية كما يفعل الأثرياء اليوم, اتحاد عالمي من
الأحرار، دون طبقية ودون دولة، حيث ننتج لإشباع احتياجات الجميع وكلنا نسيطر على
مصيرنا، وهو هدف يستحق النضال لأجله”.
وبأجراء مقاربة بسيطة بين ما تقدم وما
يطبق على الأرض في المنطقة, نستنتج وببساطة أن منطقة الشرق الأوسط ككل قد أُدخل
فعلياً مرحلة الفوضى الخلاقة, حيث أن غلب دول المنطقة غدت من دون رؤساء أو حكومات
وان وجدت فهي لا تمتلك الحد الأدنى من صلاحيات سلطة الدولة على الأرض, ” اليمن..
ليبيا.. تونس.. سوريا.. لبنان.. العراق بشقيه العربي والكردي.. أفغانستان..”, وحتى
تركيا التي هي الآن على ذات الطريق, بعد أن عجزت عن تشكيل الحكومة بعد نتائج
الانتخابات الأخيرة ولا اعتقد أن القادم أفضل تركياً, إن تركيا الدولة الشرق أوسطية
والمتداخلة في صلب الصراع القائم اقليمياً والمستقرة نسبياً تمثل المرآة العاكسة
لمدى نجاح المشروع العالمي في المنطقة من فشله أسلاموياً, وعلى ضوء نتائج
الانتخابات البرلمانية القادمة ستتوقف طول أو قصر الفترة القادمة من المرحلة
المعاشة شرق أوسطياً ((المرحلة الانتقالية)), واعتقد أن تحقيق حزب العدالة والتنمية
لنقاط إضافية سينتج عنها إطالة أمد الصراع, والعكس بالعكس كونها تعكس مدى ارتباط
المجتمع بالدين والالتزام بالأحزاب ذات التوجه الديني من عدمه, وهذا من أهم ركائز
المشروع ومن منطلقات المرحلة القادمة, وهذا الدور منوط بالحركات الدينية السنية
والشيعية, فمهمتها إضعاف الترابط الديني في المجتمع بممارساتها العنيفة, كما أن
شعور الانتماء الوطني قد تلاشى تدريجياً نتيجة اختراق مفهوم السيادة الوطنية من قبل
الأنظمة المستنجدة بالحركات والتيارات العابرة للحدود, وكذلك المعارضات التي لم
تدخر جهداً في سبيل ذلك, كما أن دور الحركات ذات التوجه القومي قد تراجع بشكل
ملحوظ  نتيجة فشل الدولة القومية, فهي اتسمت بطبيعة استبدادية اقصائية لفئات واسعة
من المجتمع بمسوغات قوموية وتحت ذريعة خطر على الأمن القومي, لذا نرى أن مهمة إدارة
المرحلة الانتقالية هذه مناط إلى الحركات اللا سلطوية بمختلف مسمياتها وانتماءاتها
الايديولوجية والعقائدية وهي تدير الصراع لما تمتلك من قوة ونفوذ على الأرض كون
المجتمع أو غالبيته على الأقل قد بدأ فعلياً بفقدان هويته الثقافية الموروثة كما
انه لم يتمكن بعد من اكتساب الثقافة الجديدة أو يتأقلم معها على الأقل.
 ويبقى
أن نقول أن العلاقة بين القوى الفاعلة على الأرض هي علاقة تكاملية في تنفيذ جزئيات
المشروع رغم تعارضها الظاهري, بدأً من الدور الأمريكي في التوجيه والإدارة إلى
الأصغر فالأصغر أنظمة ومعارضات فاعلة من حيث الوجود والنفوذ, فهي في حلقات مترابطة
تسلسلاً وتفريعا على شاكلة الرسن الموجه للمجتمع, بدأً من القائد الأمريكي وليس
انتهاء باللاجم الداعشي ومروراً بالبرقعين السني والشيعي والتي مهمتها الأساسية
تحديد زاوية الرؤية والحركة للمجتمع كذلك الحركات القومية واللا قومية أو اللا
سلطوية, إضافة إلى أن ظاهرة الهجرة والتسهيلات الأوروبية ليس إلا محاولة لإعادة
تأهيل المجتمعات الفاقدة للهوية بكل مرتكزاتها القومية والوطنية والدينية ضمن
المجتمع الأوروبي المدني وإعادة أدلجته بما يتوافق والمعايير الجديدة للنظام
الجديد, إضافة إلى أسباب أخرى, وهي تأتي في سياقات إعادة بناء المنطقة مستقبلاً,
وفي ذات الاتجاه قد يأتي عمليات التهجير والتغيير الديمغرافي الممنهج للمنطقة ككل,
بعد أن تحولت شعوب المنطقة إلى مجتمعات فاشلة متحاربة فيما بيننا بعد فشل النموذج
الشرق أوسطي القديم في إدارة الدولة والمجتمع, أو سيتلاشى وينصهر المجتمع الشرق
أوسطي في تلك المجتمعات المستقبلة بفعل الثقافة, وتنتهي هنا البقية الباقية بفعل
الاحتراب.
يبقى أن انوه إلى أن ما تقدم لا تتعدى عن كونها مجرد رؤية في محاولة
لفهم ماهية ” المجتمع في ظل المرحلة الانتقالية المقدمات والنتائج”, بغض النظر عن
اتفاقي معها كرؤية من عدمه, كما إنني لا أود أن أضع ما تقدم وما يجري في خانة
المؤامرة أو غيرها, لا بل قد تكون في سياقات الصيرورة الطبيعية لإعادة تدوير
التاريخ, خارج عن الإدارة الذاتية للأحداث.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…