هيثم حسين
كثر الحديث، ويكثر، عن الانتخابات البرلمانيّة في سوريا، بين مرشّح ومنتخب، بين مقاطع ومعارض، بين مؤيّدٍ ومدّعي تحايدٍ، إلخ تلك التسميات التي تنتجها القناعات والأقنعة والمواقف السياسيّة، لكنّ ما يهمّني ليس هذا الجانب، وإن كان عظيم الأهمّيّة، لأنّه المُمرئي للرؤى المختلفة، المتخالفة
وإن كان استلاب الرأي الآخر برفع شعارت تحتكر الشبابيّة والكفاءة والوطنيّة في أنفس من يحتكرونها لأنفسهم، مجرّدين بها، سواء عن قصد أو من دون قصد، الآخرين منها، وتغليب الصفات الأنويّة في الطريق إلى الذاتيّة التي لا ترى ندّاً كفوءاً بالمنافسة، بل سأتوقّف عند مظاهر تجتاح الشارع لسلبه رأيه، والشارع بما يتضمّن الكلمة وعكسها، هي من الكلمات الإشكاليّة، فهي من ناحية من يشرّع، وهي من ناحية أخرى من ترفع المشروعيّة عنهم ممّن يوصمون ببنوّتهم له..
وحديثي هنا ليس عن كليهما، بل هو عن المواطنين بشكل عامٍّ، اشتمالاً على المذكورين، من مشرّعين، ومن غير المشروعيّين، حيث الشعارات المرفوعة، بل، الأسماء فقط، وفي حالات أخرى مرفقة بشعارات عامّة، عامِية، ضبابيّة، عريضة، تصلح لكلّ زمان ومكان، موغلة ومغالية في مثاليّتها، لأنّها تحتاج جهود مؤسّسات متكاملة حتّى تفلح في التخطيط لطرح مثل هذا الشعار أو ذاك، ويكون الرخص في طرحها دلالة على الاستهتار بها، وعدم الوعي بمضمونها، لأنّ الوعي المحيط بالمضمون يحذر الاقتراب من كلماتٍ لا تستطيع تمثّل معانيها، عداك عن لقطات الصور المسحوبة (الپوزات)، المبتسمة، المضبّبة، المبالغة في الجدّيّة، العابسة، وقد يغفر هذا أيضاً، لأنّه قد يظهر قائل ويقول: كيف تريدهم أن يتصوّروا إن لم يكونوا مبتسمين أو جدّيّين أو..
أو..؟!!،
ولكن ما لا يغتفر أبداً، برأيي، تلك الكلمات التي توضع بين مزدوجين، وهي الدالّة على البنوّة أو الأبوّة، حيث في الانتخابات يكذَّب ما يدعوه الكثيرون بالأصيل، وذلك في قول الشاعر: إنّ الفتى من يقول هأنذا / ليس الفتى من يقول كان أبي، لأنّ المرشّح هو من يدلّ باسمه على فعله، ومن ثمَّ يحيله فعله، ويرشّحه، لانتخابه..
لكن هنا، وهنا الصفاقة، هذه البنوّة المتستّرة بهيبة الأب المُطوطَم، أو الأبوّة المتعظّمة بإعجازات الابن الخلّبيّة، كما نرى دم المدنيّة يسيل على الشوارع، على مرأى ومسمع من السلطات والمواطنين وبمشاركة منهم، عندما يكتب تحت اسم المرشّح وبين علامتي تنصيص كذلك، الانتماء العشائريّ، عندما يكتب أحدهم متفاخراً (عشيرة فلان أو علان)، وبالتالي جعل هذا الانتماء مقدّماً على الانتماء الوطنيّ، فيفترض الانتماء العشائريّ هذا الولاء قبل الوطنيّ الذي يرد تالياً في سلّم الأولويّات الولائيّة..
وما يدعو إلى البكاء المرّ، أن وصل الأمر ببعضهم، بالقول لللآخرين (الأغيار): بشرفكم، أما كنتم تتمنّون أن تكونوا من العشيرة الفلانيّة..؟! وذلك انطلاقاً من جنونِ عظمةٍ مشبَّع عن طريق تراكم الجهل، مشكّلاً سدوداً وخطوطاً عصيّة على الاختراق، تنصّ على أنّهم الأُوَل، أسّ الإنسانيّة، عرشهم من عاجٍ، والغير مخلوق وموقوف لخدمتهم فقط..
الأبوّة، البنوّة، العشائريّة، مفاخر ضبابية سرابيّة، ملحوظة بجلاء غير خجول في محافظة الحسكة، وهل ما يشفع لها إنّها تنبني على هرميّة عشائريّة محمودة، لم تُنتبذ في الوعي المدنيّ المُبعَد، ولم يُشتغل قطّ، حسب الواقع، على الإيعاء بمثالبها التي هي حصار للإنسان وإبقاء عليه/ له في وعيه الطفليّ البدائيّ الذي يتحجّر حيث هو، ليحجّر كلّ حركة محتملة، ليكون الاحتماء عند الحاجة متوفّراً، والملاذ آمناً..
وهي بعيداً عن الصفقات التي تعقد بين المرشّحين لتشكيل قوائم أو عقد تحالفات، صَفَاقات لا تحترم رأي المواطن في شيء، وتستغشمه، حين تتكبّر عليه، وتأنف من التساوي معه..
إنّها بالنسبة لقسمٍ من المَرْضى، مصدر الفَخار ومبعثه، وهي بالنسبة لآخرين، وهم المعتبرون مارقين في نظر المَرضى بتلك الأوبئة السرطانيّة التي لا شفاء منها، فخّار..
فليكسّر الفخّار بعضه، والنتيجة تكسُّره كلّه..
كما أنّها توجع الرأس لشدّة ما تترى مقتحمة مجال النظر، العموديّ والأفقيّ، تعمي عيون الأصحّاء الذين يصيبهم ما يصيب مدّعي التديّن المتشدّد عندما يمشي في كورنيش على البحر، إن يرفع نظره يذنب، وإن يخفّضه سيذنب أيضاً، فيحار في نظره، يتعرقل في سيره، يستعيذ بالله، يستغفره، يغامر متعامياً عن كلّ ما يعترضه، ويؤذي مشاعره، هكذا بعيداً عن الاستغفار والاستيعاذ يكون حال الأصحّاء، قريباً من التلعين والدعاء بمداومة المرض في المستنقع الذي هو فيه، دون أن يستشري ليعديهم، أو يصيب منهم مقتلاً..
وما كتبه خوسيه أورتيغا إي غاست في كتابه “تمرّد الجماهير” ما يزال فاعلاً فعله إلى اليوم: “في الواقع نحن نعيش عصراً من الابتزاز بالسخرية.
وهم يطمحون بهذا وبذاك إلى الأمر ذاته: وهو أنّ الإنسان السوقة يستطيع أن يكون معفىً من كلّ تبعة”.
إنّ التلاعب بعقول المواطنين ومحاولة التحايل عليهم بالشعارات، تسطيح لهم وتقزيم لوعيهم الذي لا يُخادَع بهذه البساطة التي تُدبَّج بها تلكم الأقاويل.
غداً، بعد أن ينصفق الجميع، خائبين بعد رجاء، مُبَلْبَلين بعد تهدئةٍ ومهادءةٍ وتعميمِ مهادنةٍ، مصطرعين بعد طول احتراص على ألاّ يعكّر صفو العلاقة أيّ نكشة، مغلّبين الغاية مبرّرين وسائلها، يبدأ الاصطفاق رويداً رويداً، تعود المياه إلى مجاريها، وعودة المياه هنا لا تدلّ عمّا تدلّ عليه في الحالات العاديّة، على اعتبار الحالة استثنائيّة، (وهل تمضي حيواتنا إلاّ في الاستثناءات وبرفقة الاستثنائيّين الذين يجود بهم الدهر..؟!) حيث هنا لا ارتكان إلى المسالمة والهدوء، بل تركُّدٌ واستنقاعٌ، وبالتالي تبدأ الروائح القاتلة تفوح، يبدأ البحر الفوضويّ المتعاكس التيّاراتِ بالتلاطم والاضطراب، كلّ نسمة هابّة تكون مشروع إيداء بالمبحرين، وذلك لأنّ أساس البنيان المشاد مضعضعٌ أصلاً..
ويكون التصويت للجاهز جاهزاً دون مناقشة أو إيضاح..
يتمّ التصافق بين العارض والطالب، والإنجاز المتباهَى به يحوَّل معظّماً إلى إعجاز كافٍ لإخراس كلّ مشكّك لم يؤمن بحتميّة الإعجازات تلك بعد،..
إنّها، كما يتوضّح، خطط الصفقة، وصفاقتها..
وحديثي هنا ليس عن كليهما، بل هو عن المواطنين بشكل عامٍّ، اشتمالاً على المذكورين، من مشرّعين، ومن غير المشروعيّين، حيث الشعارات المرفوعة، بل، الأسماء فقط، وفي حالات أخرى مرفقة بشعارات عامّة، عامِية، ضبابيّة، عريضة، تصلح لكلّ زمان ومكان، موغلة ومغالية في مثاليّتها، لأنّها تحتاج جهود مؤسّسات متكاملة حتّى تفلح في التخطيط لطرح مثل هذا الشعار أو ذاك، ويكون الرخص في طرحها دلالة على الاستهتار بها، وعدم الوعي بمضمونها، لأنّ الوعي المحيط بالمضمون يحذر الاقتراب من كلماتٍ لا تستطيع تمثّل معانيها، عداك عن لقطات الصور المسحوبة (الپوزات)، المبتسمة، المضبّبة، المبالغة في الجدّيّة، العابسة، وقد يغفر هذا أيضاً، لأنّه قد يظهر قائل ويقول: كيف تريدهم أن يتصوّروا إن لم يكونوا مبتسمين أو جدّيّين أو..
أو..؟!!،
ولكن ما لا يغتفر أبداً، برأيي، تلك الكلمات التي توضع بين مزدوجين، وهي الدالّة على البنوّة أو الأبوّة، حيث في الانتخابات يكذَّب ما يدعوه الكثيرون بالأصيل، وذلك في قول الشاعر: إنّ الفتى من يقول هأنذا / ليس الفتى من يقول كان أبي، لأنّ المرشّح هو من يدلّ باسمه على فعله، ومن ثمَّ يحيله فعله، ويرشّحه، لانتخابه..
لكن هنا، وهنا الصفاقة، هذه البنوّة المتستّرة بهيبة الأب المُطوطَم، أو الأبوّة المتعظّمة بإعجازات الابن الخلّبيّة، كما نرى دم المدنيّة يسيل على الشوارع، على مرأى ومسمع من السلطات والمواطنين وبمشاركة منهم، عندما يكتب تحت اسم المرشّح وبين علامتي تنصيص كذلك، الانتماء العشائريّ، عندما يكتب أحدهم متفاخراً (عشيرة فلان أو علان)، وبالتالي جعل هذا الانتماء مقدّماً على الانتماء الوطنيّ، فيفترض الانتماء العشائريّ هذا الولاء قبل الوطنيّ الذي يرد تالياً في سلّم الأولويّات الولائيّة..
وما يدعو إلى البكاء المرّ، أن وصل الأمر ببعضهم، بالقول لللآخرين (الأغيار): بشرفكم، أما كنتم تتمنّون أن تكونوا من العشيرة الفلانيّة..؟! وذلك انطلاقاً من جنونِ عظمةٍ مشبَّع عن طريق تراكم الجهل، مشكّلاً سدوداً وخطوطاً عصيّة على الاختراق، تنصّ على أنّهم الأُوَل، أسّ الإنسانيّة، عرشهم من عاجٍ، والغير مخلوق وموقوف لخدمتهم فقط..
الأبوّة، البنوّة، العشائريّة، مفاخر ضبابية سرابيّة، ملحوظة بجلاء غير خجول في محافظة الحسكة، وهل ما يشفع لها إنّها تنبني على هرميّة عشائريّة محمودة، لم تُنتبذ في الوعي المدنيّ المُبعَد، ولم يُشتغل قطّ، حسب الواقع، على الإيعاء بمثالبها التي هي حصار للإنسان وإبقاء عليه/ له في وعيه الطفليّ البدائيّ الذي يتحجّر حيث هو، ليحجّر كلّ حركة محتملة، ليكون الاحتماء عند الحاجة متوفّراً، والملاذ آمناً..
وهي بعيداً عن الصفقات التي تعقد بين المرشّحين لتشكيل قوائم أو عقد تحالفات، صَفَاقات لا تحترم رأي المواطن في شيء، وتستغشمه، حين تتكبّر عليه، وتأنف من التساوي معه..
إنّها بالنسبة لقسمٍ من المَرْضى، مصدر الفَخار ومبعثه، وهي بالنسبة لآخرين، وهم المعتبرون مارقين في نظر المَرضى بتلك الأوبئة السرطانيّة التي لا شفاء منها، فخّار..
فليكسّر الفخّار بعضه، والنتيجة تكسُّره كلّه..
كما أنّها توجع الرأس لشدّة ما تترى مقتحمة مجال النظر، العموديّ والأفقيّ، تعمي عيون الأصحّاء الذين يصيبهم ما يصيب مدّعي التديّن المتشدّد عندما يمشي في كورنيش على البحر، إن يرفع نظره يذنب، وإن يخفّضه سيذنب أيضاً، فيحار في نظره، يتعرقل في سيره، يستعيذ بالله، يستغفره، يغامر متعامياً عن كلّ ما يعترضه، ويؤذي مشاعره، هكذا بعيداً عن الاستغفار والاستيعاذ يكون حال الأصحّاء، قريباً من التلعين والدعاء بمداومة المرض في المستنقع الذي هو فيه، دون أن يستشري ليعديهم، أو يصيب منهم مقتلاً..
وما كتبه خوسيه أورتيغا إي غاست في كتابه “تمرّد الجماهير” ما يزال فاعلاً فعله إلى اليوم: “في الواقع نحن نعيش عصراً من الابتزاز بالسخرية.
وهم يطمحون بهذا وبذاك إلى الأمر ذاته: وهو أنّ الإنسان السوقة يستطيع أن يكون معفىً من كلّ تبعة”.
إنّ التلاعب بعقول المواطنين ومحاولة التحايل عليهم بالشعارات، تسطيح لهم وتقزيم لوعيهم الذي لا يُخادَع بهذه البساطة التي تُدبَّج بها تلكم الأقاويل.
غداً، بعد أن ينصفق الجميع، خائبين بعد رجاء، مُبَلْبَلين بعد تهدئةٍ ومهادءةٍ وتعميمِ مهادنةٍ، مصطرعين بعد طول احتراص على ألاّ يعكّر صفو العلاقة أيّ نكشة، مغلّبين الغاية مبرّرين وسائلها، يبدأ الاصطفاق رويداً رويداً، تعود المياه إلى مجاريها، وعودة المياه هنا لا تدلّ عمّا تدلّ عليه في الحالات العاديّة، على اعتبار الحالة استثنائيّة، (وهل تمضي حيواتنا إلاّ في الاستثناءات وبرفقة الاستثنائيّين الذين يجود بهم الدهر..؟!) حيث هنا لا ارتكان إلى المسالمة والهدوء، بل تركُّدٌ واستنقاعٌ، وبالتالي تبدأ الروائح القاتلة تفوح، يبدأ البحر الفوضويّ المتعاكس التيّاراتِ بالتلاطم والاضطراب، كلّ نسمة هابّة تكون مشروع إيداء بالمبحرين، وذلك لأنّ أساس البنيان المشاد مضعضعٌ أصلاً..
ويكون التصويت للجاهز جاهزاً دون مناقشة أو إيضاح..
يتمّ التصافق بين العارض والطالب، والإنجاز المتباهَى به يحوَّل معظّماً إلى إعجاز كافٍ لإخراس كلّ مشكّك لم يؤمن بحتميّة الإعجازات تلك بعد،..
إنّها، كما يتوضّح، خطط الصفقة، وصفاقتها..