حديث…. من القلب

جان كورد– 7/8/2015

قضيت الأيام
القليلة الماضية التي غبت فيها عنكم، أيها الإخوة والأخوات، على مقربةٍ من الحدود
السورية – التركية، وكنت أنظر ليلاً إلى نارٍ عظيمة على الطرف السوري، لا أدري
أكانت بسبب حرق مزارع أو أراضي عشبية على الحدود أم بسبب قصف ونتيجة لحرق
مستودعات… والتقيت في هذه الأيام أناساً عبروا الحدود عبر الأسلاك الشائكة وحقل
الألغام من دون خوفٍ من طلقات رصاص الجندرمة التركية التي لاتتوانى حتى عن قتل
النساء والأطفال الذين يتسللون بشكل “غير قانوني!” … وكيف التسلل القانوني؟ فنقطة
الحدود الرسمية كانت بسبب إعلان المنطقة “عسكرية” مغلقة…  
إلتقيت بهؤلاء المتسللين الذين لم تكن لهم بطاقات حزبية ولم تكن لهم إهتمامات
سياسية، سوى أنهم يفتخرون بكورديتهم وسوريتهم، فنقلوا لي صورةً مؤسفة عما يجري
فعلاً على أرض الواقع وحلفوا اليمين بأنهم صادقون فيما ينقلونه لي، ولا يريدون بذلك
إيذاء أحد أو النيل من “سياسة” أحد، بل على العكس من ذلك، كانوا يؤكدون دائماً على
الجوانب الإيجابية للمقاتلين وأحزابهم وجيوشهم، إلاّ أنهم كانوا متذمرين جداً من
ممارسات بعض فصائل وشخصيات “الجيش السوري الحر” والتنظيمات “الإسلامية!!!” هناك ومن
ممارسات “ابناء قومهم” الكورد أيضاً، من حملة السلاح الذي لايدرون أهو لتحرير
الكورد أم لخدمة نظام آيل للسقوط في كل الأحوال…  
وللمرة الأولى لم أسمع من
“سوريين” لوماً للمجتمع الدولي أو لمعارضة “الخارج” أو لممثليات أحزابنا الكوردية
في خارج الوطن، أو طلب “مساعدات” للخروج منه، بل كانوا يحاولون، قدر المستطاع،
الحديث عن مشاكلهم اليومية التي جاءت لهم بها “الثورة السورية!”، ويشيرون لي
باستمرار إلى قرى سورية، يسكن فيها خليط من الكورد والتركمان وقليل من العرب، وكيف
حدثت فيها شروخ مؤسفة بين القوميات والأقارب، بعد أن  كان ثمة تزواج واسع النطاق
بين أبناء وبنات تلك القرى من قبل.
كان همّ إحدى النساء المتسلللات عبر حقلٍ
للألغام وتحت خط نار حراس الحدود الترك،  وأكّدن بأنهن عائدات إلى سوريا بعد يومين
بذات الطريقة التي جئن بها إلىى تركيا، هو أن تكف عناصر “إسلامية” عن الاستيلاء على
مزارع السماق واللوز لفقراء المزارعين في القرى السورية الحدودية والتوقف عن الزعم
بأنها صارت “ملك الأمة الإسلامية” وهي تدّعي أنها ” قد جاءت لإحلال العدل عوضاً عن
الظلم!!!”، وكانت تريني يديها اللتين انغرزت فيهما سائر أنواع الشوك، واسودت من
العمل المضني لتنتزع لزوجها المريض لقمة العيش مما صار “ملك الأمة” وكان من قبل ملك
آباء زوجها وأجداده عبر العصور…  وهناك من ذكر لي ممارسات لاتقل عن هذه لمن
يعتبرون أنفسهم من رجال “الجيش السوري الحر” الذين استولوا على عربات لمواطنين
وجعلوها ملكاً خاصاً لهم، وهم يفرقون بين “الكوردي” و”العربي” تفرقةً منتنة لدى
توزيع المعونات الإنسانية التي لا يصل منها سوى “أذن الناقة” لفقراء المواطنين،
وقال بأن هذه التفرقة الخبيثة تضرب الوحدة الوطنية في الصميم، إنسانياً ووطنياً
وتثير الأحقاد… كما سمعت الغرائب والعجائب من شخصٍ كان يشير بين الحين والحين إلى
مواقع مقاتلي الجيش السوري الحر وقوات الحماية الشعبية بالقرب من بعضها بعضاً،
كانوا أحياناً يطلقون النار علىى بعضهم وفي اليوم التالي يتعاونون معاً ضد “إرهاب
داعش” الزاحف على الطرفين… قصص تستحق الإدانة لمن يعتبرون أنفسهم برجال ونساء
قوات الحماية الشعبية، وهم لايقلون عنهجهية وتسلّطا واستبداداً بالمواطنين من
“شبيحة الأسد”، ثم يزعمون بأنهم حققوا نجاح “الثورة على الطريق الثالث”، فالمواطنون
صاروا يفكرون في ترك الكانتونات من دون مواطنين، والقوات من دون مقاتلين جدد
والمزارع التي تنتج الخبز والزيت والخضار للمقاتلين بدون زراع…  
ألآ فليكن
لهم “الكانتون” وساء مايفعلون…  
وحقيقةً، فإن الذين التقيت بهم كانوا ولا
يزالون متمسكين بالبقاء في أرض الوطن، ولاثقة لهم بأن المجتمع الدولي عاملٌ على
إنقاذهم، بل لا يصدقون أحداً ممن يتحدث باسم السوريين في خارج الوطن، ولا يجرأ على
القدوم إليهم لسماع مشاكلهم التي لاتعد ولاتحصى، وليروا بأعينهم ممارسات الترك،
وخاصة أرباب العمل، مع السوريين الذين يتعرضون في تركيا لتمييز ٍ ولإهاناتٍ يومية
ويعملون ساعاتٍ طويلة من أيامهم فلا يستطيعون دفع أجور مساكنهم الغالية جداً…
وإنهم يساندون قوى الثورة السورية، التي يأملون منها أن تحقق لكل الللاجئين
السوريين عودة شريفة وكريمة إلى وطنهم، وأن تغيّر “ما تبقّى من الثورة” وجه سوريا
لتبدو بحضارتها الفسيفسائية كما كانت عبر التاريخ، وليجمعوا بين مكونات شعبها لا أن
يفرقوا بينها، وأن يسود التسامح الديني من جديد… وينتهي عهد الإرهاب والرعب
والاستبداد…  
وهذه ليست سوى محاولة بسيطة مني لنقل صورةٍ صادقة عما يجري في
قرانا الحدودية…       
وإلى أحاديث أخرى في أيامٍ تالية….

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…