قطار تركيا إلى الوراء ونحو المجهول

هوشنك أوسي

تشكيل منطقة عازلة على الحدود التركيّة،
مطلب و”حلم” تركي، يعود جذره لمنتصف التسعينات، إذ كثيراً ما طالبت الحكومات
التركيّة العلمانيّة السابقة بتشكيلها، داخل الأرضي الكرديّة العراقيّة، بحجّة
مواجهة تسلل مقاتلي حزب “العمال الكردستاني” من كردستان العراق إلى داخل
تركيا.
 وبعد اندلاع الثورة السوريّة، ونقل أنقرة ساحة صراعها مع
“الكردستاني” إلى سورية، عبر استخدام المجاميع الإسلاميّة المتطرّفة، بشكل عام،
وتنظيم “داعش” الإرهابي، بشكل خاص، كذراع تركيّة، خفيّة ضاربة، كثيراً ما أثارت
وطرحت حكومة حزب “العدالة والتنمية” الإسلامية مجدداً، تشكيل هكذا منطقة عازلة أو
آمنة، شمال سورية، بحجّة حماية اللاجئين السوريين، أو تأمين منطقة ملاذ آمن
لـ”الجيش الحر”، دون أن يلقى هذا المطلب أيّة استجابة أمريكيّة – أوروبيّة، رغم
حظيه على دعم وتأييد قطاعات واسعة في المعارضة السوريّة، إسلاميّة وعلمانيّة
وقوميّة!.
وبخلاف ما تعلن عنه أنقرة بخصوص هذه المنطقة الآمنة، في حال تشكّلت وكانت تحت سيطرة
تركيا، فإنّ الهدف الأساسي والاستراتيجي منها هو مواجهة “الكردستاني” بشكل خاص،
وأكراد سوريا بشكل عام، وإيجاد موطيء قدم للجيش التركي، ضمن الأراضي السوريّة،
بتغطية وشرعنة دوليّة.
غالب الظنّ، أن هذه المنطقة، بأهدافها المعلنة وغير
المعلنة، لن تنجح، لا في تأمين الحدود التركيّة من “التهديدات” المزعومة الآتية من
“داعش”، أو من التهديدات الحقيقيّة لـ”الكردستاني” الموجود في عمق الأراضي
التركيّة، عسكريّاً وسياسيّاً وجماهيريّاً، كما لن تنجح هذه المنطقة في تأمين ملاذ
آمن للسوريين، ذلك أن تركيا، ستطلق يد جماعاتها السياسيّة والعسكريّة الموالية لها
في هذه المنطقة، فضلاً عن وجود الجنود الأتراك فيها، وسرعان ما سينفض الغرب يديه من
دعم هذه المنطقة، حين تتبيّن وتنكشف النوايا التركيّة الحقيقيّة، فيصبح الوجود
العسكري التركي في سوريا أمر واقع مفروض، يتسبب في إيجاد مشكلة جديدة، تضاف إلى
المشاكل التي تتسبب فيها تركيا لأوروبا وأمريكا.
 وربما تحوّل تركيا هذه
المنطقة، إلى كانتون أو دويلة تابعة لها، بحجّة حماية التركمان أو السنّة مثلاً، من
ثمّ يتم توسيع هذه الدولة لاحقاً، عبر إلحاق محافظات “حلب، إدلب، الرقة” بها،
وبذلك، تكرّس أنقرة “مشروع” تقسيم سوريا، في معاضدة “خفيّة” لنظام الأسد، من جهة،
ومصادقة على أي مشروع تقسيمي غربي مفترض بخصوص سوريا.
 وفي حال تحقق مطلب
“المنطقة العازلة” وفق الخصائص والأهداف التي خططت لها أنقرة، ستصبح تركيا، دولة
محتلّة لدولتين، قبرص وسوريا، ذلك أن تركيا، ومنذ 1974 وحتى الآن، لم تخرج من شمال
قبرص، رغم كل الضغوط الدوليّة، فكيف ستخرج من شمال سوريا، في حال تمت شرعنة الوجود
العسكري التركي في هذا البلد؟!.
تركيا تنظر إلى سورية، على أنها “عراقها”
الذي لا ولن تتخلّى أو تتنازل عنه لإيران، بعد أن تركت طهران تنفرد بالعراق، وما
نجم عن ذلك من تغييرات، اضطرت أنقرة للتعامل معها والاعتراف بها، ومنها إقليم
كردستان العراق، وبالتالي، في حال بقيت سوريّا موحّدة أو تم تقسيمها، فلن ترضى
أنقرة بأن تكون حصّتها متواضعة.
بعد إسقاط نظامي “طالبان” في أفغانستان،
وصدام حسين في العراق، وصمود إيران في مواجهة انتفاضة الإصلاحيين سنة 2009، وفي
مواجهة ضغوطات الغرب حصاره الاقتصادي، والمشاكل والقلاقل الداخليّة، ونجاح طهران في
إدارة الحرب الطائفيّة عن بعد، في بلدان عربيّة عديدة “لبنان، سورية، اليمن…”، هل
يمكن أن تنجح تركيا في تقليد إيران؟، وأصلاً، هل يمكن لتركيا أن تحافظ على وحدة
أراضيها، ونحن على مقربة من مئويّة اتفاقيّة “سايكس – بيكو” التي قسّمت تركيا
العثمانيّة؟، إذا أخذنا في الحسبان، حجم المشاكل الداخليّة العالقة الملتهبة،
والمتوثّبة في تركيا؟.
خلاصة القول: بفعل سياسات حزب “العدالة والتنمية”
الإسلامي الداعمة للتنظيمات الإرهابيّة التكفيريّة الإسلاميّة، وتعنّت وغطرسة
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورفض تركيا إبرام تسويّة سلميّة نهائيّة مع
أكرادها، كل ذلك، من شأنه وضع قطار تركيا على سكّة الانزلاق للوراء وباتجاه
المجهول، من الصعب التكهّن بمآلاته وتبعاته على تركيا والمنطقة.
تشكيل منطقة
عازلة على الحدود التركية، مطلب و “حلم” تركي، يعود جذره لمنتصف التسعينات، إذ
كثيرا ما طالبت الحكومات التركية العلمانية السابقة بتشكيلها، داخل الأرضي الكردية
العراقية، بحجة مواجهة تسلل مقاتلي حزب “العمال الكردستاني” من كردستان العراق إلى
داخل تركيا.
 وبعد اندلاع الثورة السورية، ونقل أنقرة ساحة صراعها مع
“الكردستاني” إلى سورية، عبر استخدام المجاميع الإسلامية المتطرفة، بشكل عام،
وتنظيم “داعش” الإرهابي، بشكل خاص، كذراع تركية، خفية ضاربة، كثيرا ما أثارت وطرحت
حكومة حزب “العدالة والتنمية” الإسلامية مجددا، تشكيل هكذا منطقة عازلة أو آمنة،
شمال سورية، بحجة حماية اللاجئين السوريين، أو تأمين منطقة ملاذ آمن ل “الجيش الحر”
دون أن يلقى هذا المطلب أية استجابة أمريكية – أوروبية، رغم حظيه على دعم وتأييد
قطاعات واسعة في المعارضة السورية ، إسلامية وعلمانية وقومية!.
وبخلاف ما تعلن
عنه أنقرة بخصوص هذه المنطقة الآمنة، في حال تشكلت وكانت تحت سيطرة تركيا، فإن
الهدف الأساسي والاستراتيجي منها هو مواجهة “الكردستاني” بشكل خاص، وأكراد سوريا
بشكل عام، وإيجاد موطيء قدم للجيش التركي، ضمن الأراضي السورية، بتغطية وشرعنة
دولية.
غالب الظن، أن هذه المنطقة، بأهدافها المعلنة وغير المعلنة، لن تنجح، لا
في تأمين الحدود التركية من “التهديدات” المزعومة الآتية من “داعش” أو من التهديدات
الحقيقية ل “الكردستاني” الموجود في عمق الأراضي التركية، عسكريا وسياسيا
وجماهيريا، كما لن تنجح هذه المنطقة في تأمين ملاذ آمن للسوريين، ذلك أن تركيا،
ستطلق يد جماعاتها السياسية والعسكرية الموالية لها في هذه المنطقة، فضلا عن وجود
الجنود الأتراك فيها، وسرعان ما سينفض الغرب يديه من دعم هذه المنطقة، حين تتبين
وتنكشف النوايا التركية الحقيقية، فيصبح الوجود العسكري التركي في سوريا أمر واقع
مفروض، يتسبب في إيجاد مشكلة جديدة، تضاف إلى المشاكل التي تتسبب فيها تركيا
لأوروبا وأمريكا.
 وربما تحول تركيا هذه المنطقة، إلى كانتون أو دويلة تابعة
لها، بحجة حماية التركمان أو السنة مثلا، من ثم يتم توسيع هذه الدولة لاحقا، عبر
إلحاق محافظات “حلب، إدلب، الرقة” بها، وبذلك، تكرس أنقرة “مشروع” تقسيم سوريا، في
معاضدة “خفية” لنظام الأسد، من جهة، ومصادقة على أي مشروع تقسيمي غربي مفترض بخصوص
سوريا.
 وفي حال تحقق مطلب “المنطقة العازلة” وفق الخصائص والأهداف التي خططت
لها أنقرة، ستصبح تركيا، دولة محتلة لدولتين، قبرص وسوريا، ذلك أن تركيا، ومنذ 1974
وحتى الآن، لم تخرج من شمال قبرص، رغم كل الضغوط الدولية، فكيف ستخرج من شمال
سوريا، في حال تمت شرعنة الوجود العسكري التركي في هذا البلد!
تركيا تنظر إلى
سورية، على أنها “عراقها” الذي لا ولن تتخلى أو تتنازل عنه لإيران، بعد أن تركت
طهران تنفرد بالعراق، وما نجم عن ذلك من تغييرات، اضطرت أنقرة للتعامل معها
والاعتراف بها، ومنها إقليم كردستان العراق، وبالتالي، في حال بقيت سوريا موحدة أو
تم تقسيمها، فلن ترضى أنقرة بأن تكون حصتها متواضعة.
بعد إسقاط نظامي “طالبان”
في أفغانستان، وصدام حسين في العراق، وصمود إيران في مواجهة انتفاضة الإصلاحيين سنة
2009 وفي مواجهة ضغوطات الغرب حصاره الاقتصادي، والمشاكل والقلاقل الداخلية، ونجاح
طهران في إدارة الحرب الطائفية عن بعد، في بلدان عربية عديدة “لبنان، سورية، اليمن
… “هل يمكن أن تنجح تركيا في تقليد إيران، وأصلا، هل يمكن لتركيا أن تحافظ على
وحدة أراضيها، ونحن على مقربة من مئوية اتفاقية؟” سايكس – بيكو “التي قسمت تركيا
العثمانية، إذا أخذنا في الحسبان ، حجم المشاكل الداخلية العالقة الملتهبة،
والمتوثبة في تركيا؟.
عن موقع «أنا»…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…