مشروع إصلاح اتحاد الكتاب الكرد – سوريا

إبراهيم خليل
 

لم يكن حلم تأسيس اتحاد للكتاب
الكرد ليخطر على قلب أشد المتفائلين قبل الخامس عشر من آذار 2011 لأن النظام
الاستبدادي الحاكم في سوريا كان قد ألقى, لأكثر من نصف قرن, بظلال انغلاقه وتخلفه
على كيان الدولة بأسره رابطاً جميع عجلات الحياة بأغلال السياسة ومقيداً جميع أنواع
المبادرات والنشاطات إلا تلك التي تمجده وتخلده. وكان تأسيس أي رابطة أو تجمع أو
منتدى يحمل صبغة كردية أو أي صبغة غير عروبية موضع رفض مطلق وملاحقة صارمة, وثمة
عشرات وربما مئات الحالات والوقائع التي تم سجن أبطالها أو تعذيبهم أو قطع أرزاقهم
أو أعناقهم لمجرد الاشتباه أنهم طرف في تجمع “غير مرخص “, وكانت التهم القره قوشية
تتراوح بين توهين نفسية الأمة ومقاومة النظام الاشتراكي والعمل على اقتطاع جزء من
البلاد وسوى ذلك من الترّهات والأباطيل. 
ولذلك جاء اندلاع ثورة الاستقلال الثانية في سوريا مانحاً فرصة تاريخية لشعوب سوريا
جميعها وخاصة الكرد الذين كان النظام قد أثقل عليهم بالواجبات ومنع عنهم الحقوق
بصورة كانت وما تزال تشبه النكتة السمجة.
مع انطلاق الثورة, وارتخاء قبضة
المخابرات عن الأعناق مالت كل فئة, كما رأينا جميعاً, إلى إشباع نوازعها الداخلية
وإطلاق العنان لشهواتها المكبوتة, فظهر من الأفراد والجماعات من لا يميز بين ”
إسقاط النظام ” و ” إسقاط الدولة “, ومن يريد العودة بالبلاد إلى عصور الصحابة
والفتوحات, ومن لا يرى في الثورة سوى عملية استبدال ركاب الكراسي , ومن لا يرى
للمعارض أي حق في الحياة, ومن فكك شعار ” الحرية ” إلى مفردات النهب والسلب
والاختطاف والسرقة ومخالفة القانون والأخلاق دون أي محاسبة, وظهر كذلك من يستكثر
على الكرد أي شكل من أشكال إدارتهم لمناطقهم لأنهم – وفق المنطق العفلقي الكلاسيكي
– مهاجرون أو قليلو العدد أو ورم خبيث في جسد الأمة الخالدة … إلخ.
وسط هذه
المعمعة, ظهر أن النازع الأقوى لدى معظم أبناء الشعب الكردي هو “الحقوق الثقافية”
بما يندرج ضمن هذه الحقوق من تحرير لغة وأدب وزي ومناسبات قومية بقي الكرد محافظين
عليها رغم كل تلك العقود الطويلة والمؤلمة من القمع والمنع والترهيب.
وللمرة
الأولى في تاريخ كرد سوريا, عقد مثقفو وكتاب الكرد اجتماعات علنية بعيداً عن سلطة
نظام البعث ووصاية مثقفيه واتحاد كتابه وطبول إعلامه جرت خلالها مناقشة الواقع
القومي والثقافي الكردي واستقر العزم بعد المشاورات والمداولات على تأسيس تجمع
للكتاب الكرد السوريين.
وبما أن للبدايات أخطاؤها, كان لا بد أن تشوب التجربة
الثقافية الكردية الناشئة بعض الأخطاء والنواقص وكانت المشكلة الأولى – وهي لا
تستحق اسم مشكلة عند أية أمة غيرنا – هي تعريف ” الكاتب الكردي ” فرأى البعض أنه كل
من كان من أبوين كرديين (مدرسة سليم بركات وأتباعه) ويكتب بالعربية عن الجبل والحجل
وخبز التنور وأفخاخ القطا, بينما رأى آخرون أنه كل من كتب بالكردية كردياً كان أم
غير كردي تغليباً لعنصر اللغة, وبعد مداولات شاقة استقر الأمر على أن مستحق العضوية
هو من يكتب بالكردية (ومن يكتب بالعربية مع منحه مهلة ينتج خلالها
بالكردية).
وكان الخطأ الثاني الذي وقعنا فيه هو بناء الثقافي على السياسي,
بمعنى أننا استرشدنا بالتجربة التنظيمية لأحزاب الحركة السياسية الكردية فبنينا على
أساسها “اتحاد الكتاب الكرد” ودون أن يدرك أحد منا– حتى المستقلون – أننا قد وضعنا
اتحادنا الوليد على “سرير لابروكروست”.
فجأة وجدنا أنفسنا أمام مركز وفروع
وانتخابات وتكتلات ورئيس ونائب رئيس وأمين سر ومسؤول إعلامي ومسؤول مالي ومسؤول
ثقافي وكونفرانس ومؤتمر وهيئات ومجالس وسلم عقوبات واشتراكات وعلاقات… وسوى ذلك
من مفردات قاموس تنظيمي شبه حزبي لا يليق إلا باتحاد الكتاب العرب الذي كان وما
يزال يمثل الانعكاس الإعلامي الباهت لصورة الحزب القائد والرئيس الخالد.
وبعد
ثلاث تجارب متتالية خاضها اتحاد الكتاب الكرد الحسكاويين (اتحاد الكتاب الكرد في
مدينة الحسكة / المؤتمر التأسيسي لاتحاد الكتاب الكرد – سوريا / المؤتمر الأول
لاتحاد الكتاب الكرد – سوريا) تبين لنا بوضوح أننا قد ضللنا الطريق وبدل أن نكون
“اتحاداً فيدرالياً ” يجمع بين الفروع (ما يشبه الدولة الفيدرالية ثقافياً) تحولنا
إلى مجموعة من الكتاب المختزلين في لجنة إدارية مختزلة في شخص هو رئيس الفرع, وإلى
هيئة إدارية مختزلة بدورها في شخص واحد هو رئيس الاتحاد (ما لا يختلف كثيراً عن
سوريا الأسد وعراق صدام وليبيا القذافي ولكن ثقافياً).
بالطبع لم يكن هذا هو شكل
المؤسسة التي حلمنا بها وطمحنا إليها وعملنا لأجلها, وليست هذه هي الهبة التي كنا
ننوي تقديمها لأجيالنا القادمة من المثقفين والكتاب والشعراء والباحثين الكرد الذين
ما زالوا أطفالاً والذين لم يولدوا بعد. ومن هنا جاءت فكرة طرح رؤيتنا الإصلاحية
هذه.
ولنستعرض, قبل ذلك, جانباً من المشاكل والعقبات التي اعترضت سبيل الاتحاد
وحرفته عن طريقه :
1- إن استحداث منصب “رئيس الاتحاد” وتحميله كماً هائلاً من
المسؤوليات (الامتيازات) المادية والمعنوية قد مهد لديكتاتورية بغيضة لا يكون
الرئيس معها ملزماً باستشارة أحد تقريباً اللهم سوى خاصته ومقربيه, وفتح الباب على
مصراعيه أمام خلافات جانبية (شخصية وحزبية) هددت وجود الاتحاد ووحدته.
2- إن ربط
الفروع بالمركز (القامشلي) بصورة تشبه ربط المدن السورية كلها بدمشق العاصمة يشبه
كل شيء سوى نظام الفيدرالية الثقافية المنشود.
3- إن اعتماد الانتخابات كوسيلة
وحيدة لممارسة الديمقراطية وتنصيب المؤتمر كسلطة عليا قد سمح بل شجع على عقد
تحالفات وإنشاء تكتلات (شخصية وحزبية) بهدف الوصول إلى المناصب العليا وسوق الاتحاد
نحو الولاء لشخص أو حزب بعينه.
4- إن غموض وضع عضو الهيئة الإدارية العليا داخل
فرعه قد أنتج مشاكل وتداخلاً في الصلاحيات.
5- إن غموض أوجه الصرف في موارد
الفروع وعلاقة (المركز) بهذه الموارد قد ترك الجانب المالي دون ضبط.
وكان من
نتيجة ذلك, كما لمسنا جميعاً, وقوف على شفا الانشقاق والتشرذم, وبدا أن انشطاره بين
أكبر تيارين حزبيين كرديين في المنطقة أمر لا مفر منه.
وبناءً عليه أصبح من
الواجب والضروري القيام بخطوة انقلابية إصلاحية تتلخص في استبدال الصيغة التنظيمية
بالصيغة الإدارية, وما يستتبع ذلك بالضرورة من إعادة ترميم النظام الداخلي بشكل
يخفف من تغول المركزية ويعطي مساحة أوسع لصيغة الفيدرالية التي تبناها الاتحاد في
نظامه الداخلي الفاعل حالياً بشكل خجول وغير واضح المعالم. وعليه فإننا نطرح النقاط
التالية للمناقشة على بساط البحث :
1- انسجاماً مع الصبغة الثقافية (وليس
العرقية) التي يقوم عليها اتحادنا, واتفاقاً مع التغيرات السياسية الحاصلة مؤخراً
(اتفاقية دهوك وهولير والمرجعية السياسية والإدارة الديمقراطية …) نقترح تغيير
اسم الاتحاد من (اتحاد الكتاب الكرد – سوريا) إلى (اتحاد كتاب الكرد في رو آا
كردستان) (Yekîtiya Nivîskarên Kurdan li Rojavayî Kurdistan) المعرّف بالشكل
التالي :
“مؤسسة مدنية ثقافية مستقلة تقوم على نظام اتحادي لا مركزي, تضم كتاب
اللغة الكردية, وتعمل على حفظ ورعاية وتطوير التراث والثقافة واللغة والأدب
الكردي”
2- لهذا الاتحاد نظام داخلي جامع ومصدق عليه من قبل جميع الفروع.
3-
يؤسس كل فرع مقره الخاص بتمويلٍ من أعضائه و بالهبات والتبرعات الشخصية والحكومية
غير المشروطة المقدمة إليه.
4- يحدد كل فرع قيمة اشتراكات أعضائه الشهرية وله
وحده حق التصرف بها.
5- لكل فرع “لجنة إدارية” مكونة من خمسة أعضاء منتخبين
ديمقراطياً.
6- يحق لكل منطقة فيها خمسة كتاب فما فوق أن يؤسسوا فرعاً ويقدموا
طلباً للالتحاق بالاتحاد العام (بما فيها فروع كردستان وتركيا وأوربا).
7- قوام
الهيئة الإدارية هو رؤساء الفروع السبعة.
8- للهيئة الإدارية (بموافقة الثلثين)
عرض أي مشروع قرار على المؤتمر عند اللزوم, ولها الموافقة على التحاق فرع جديد
بالاتحاد.
9- رئيس الاتحاد منصب فخري يحصل عليه (بالانتخاب أو بالتوافق) أحد
أعضاء الهيئة الإدارية مدة سنة واحدة غير قابلة للتمديد, وهو الناطق الرسمي باسم
الاتحاد.
10- آلية تنسيب الأعضاء الجدد وفصل الأعضاء المخالفين : يتم الترشيح
للعضوية من قبل الفروع وتناقش الهيئة الإدارية وضع المرشح في أول اجتماع لها ويجري
تثبيت الأعضاء أو نزع العضوية عن المخالفين بموافقة الثلثين أي خمسة أعضاء من أصل
سبعة, وعضو الهيئة الإدارية ملزم باستشارة فرعه قبل اتخاذ القرار.
11- تعريف عضو
الاتحاد : هو الكاتب الذي تقدم بنتاج واحد على الأقل باللغة الكردية (الكاتبون
بالعربية أعضاء مرشحون يحق لهم فقط حضور المؤتمر)
12- كل ثلاثة أشهر ( اجتماع
الهيئة الإدارية ) : يجتمع رؤساء الفروع السبعة ويناقشون المستجدات وخطط العمل
الإداري وتعزيز التنسيق بين الفروع.
كل ستة أشهر (الكونفرانس) : تديره الهيئة
الإدارية وتعرض فيه على المجتمعين نشاطاتها وملخصاً عن أعمالها. يجتمع أعضاء اللجان
الإدارية أي 35 عضو فيلقي ممثل كل فرع كلمته ويجري النقاش حول شؤون الاتحاد, ويتفق
المجتمعون على الخطة العامة لعمل الاتحاد.
كل سنة (المؤتمر) : يجتمع أعضاء
الاتحاد كلهم ضمن احتفال معد مسبقاً وبحضور الضيوف ووسائل الإعلام ويكون برنامج عمل
هذا الاجتماع متضمناً : حفل تعارف الأعضاء الجدد – تعريف بأعمال ونتاجات الزميلات
والزملاء – قراءات أدبية متنوعة – عرض موسيقي أو مسرحي– تكريم أحد المبدعين من
الأعضاء أو من سواهم …
أرفع هذه الورقة إلى مقام السادة القراء وأعضاء الاتحاد
(داخل الوطن وخارجه) لنقدها ومناقشتها والتعديل عليها حذفاً وإضافة على أمل الوصول
إلى الشكل الأمثل.
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سعيد عابد* في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني ألقى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي خطاباً أمام مجلس الخبراء، مؤكداً على الدور الحاسم الذي تلعبه هذه الهيئة في اختيار “المرشد المقبل”. وأعرب عن شكره لاستعدادهم، وحثهم على اليقظة في أداء هذا الواجب الذي وصفه بأنه ضروري لضمان استمرارية النظام ومنع انحرافه. ويعتبر المجلس، الذي أنشأه مؤسس النظام روح الله الخميني،…

صدرت للكاتب والباحث د. محمود عباس مؤخراً ثلاثة كتب جديدة، وبطباعة فاخرة، ضمن سلسلة مخطوطاته التي تتجاوز الأربعين كتابًا، متناولةً القضايا الكوردية من مختلف جوانبها: النضال السياسي، والمواجهة مع الإرهاب، والتمسك بالهوية الثقافية. تُعدّ هذه الإصدارات شهادة حيّة على مسيرة د. عباس، الذي يكتب منذ أكثر من ربع قرن بشكل شبه يومي، بثلاث لغات: العربية، الكردية، والإنجليزية. إصدارات الدكتور محمود…

اكرم حسين تستند الشعبوية في خطابها على المشاعر والعواطف الجماهيرية، بدلًا من العقلانية والتخطيط، حيث أصبحت ظاهرة منتشرة في الحالة الكردية السورية، وتتجلى في الخطاب السياسي الذي يفضل دغدغة المشاعر الجماهيرية واستخدام شعارات براقة، ووعود كاذبة بتحقيق طموحات غير واقعية، بدلاً من تقديم برامج عملية لحل المشكلات المستعصية التي تعاني منها المناطق الكردية. إن تفاقم الاوضاع الاقتصادية وانتشار الفقروالبطالة، يدفع…

خالد حسو عفرين وريفها، تلك البقعة التي كانت دائمًا قلب كوردستان النابض، هي اليوم جرحٌ عميق ينزف، لكنها ستبقى شاهدة على تاريخٍ لا يُنسى. لا نقول “عفرين أولاً” عبثًا اليوم، بل لأن ما حدث لها، وما يزال يحدث، يضعها في مقدمة الذاكرة الكوردية. لماذا عفرين الآن؟ لأن عفرين ليست مجرد مدينة؛ هي الرئة التي تتنفس بها كوردستان، والعروس التي تتوج…