كُردستانيات 29- كل هؤلاء كردٌ أقحـــاح، وماذا بعد ؟

ابراهيم محمود

مع تقديري المعتبَر لكل الذين ينشغلون
بالتاريخ الكُردي، والبحث في أصول الكرد ومن الكرد، إلا أن المنزلق الخطِر فيه هو
نسيان أنهم باحثون عن الحقيقة التي تتجاوزهم، وليس ما ثبَّتوه في أذهانهم، تبعاً
لذلك، لنفترض ” مثلاً ” أن السومريين كرد أمهات ٍوآباءً، وأن أغلب البابليين وكذلك
قسماً من الآشوريين، وثمة الملايين الذي تم صهرهم في الجسم الفارسي فالتركي فالعربي
عدا الذين تشتتوا أو شُتتوا، ليبز العدد في المحصلة إحصاءً أي مجموعة عرقية منطقة
الشرق الأوسط كلها. وماذا بعد ؟ ألنبرهن أن الكرد شعب عريق، وأن جذوره تمتد في
المنطقة ديموغرافياً ومن الجهات كافة، وأن لا بد من الاعتراف بذلك . وماذا بعد ؟
ألكي نلزِم العالم “من يعلم ليعترف، ومن لا يعلم ليعلم كي يعترف بالحقيقة “، أن هذا
الشعب العريق بحسبه ونسبه، مغبون، مظلوم، مهدور حقه، وأن الضرورة الأخلاقية تقتضي
الاستجابة لمطاليبه، ودون ذلك ستستمر إراقة الدماء، كما لو أن مجرَّد الإعلام
بالطريقة هذه يسهِم في اكتشاف الأعداء والخصوم لعنادهم، وإيقاظهم من وهمهم
التاريخي. وماذا بعد ؟
ألكي نعلنها بالصوت العالي، وربما باللغات كافة: الحية
ونصفها، أن الكرد لم ولن يسكتوا على هذا التجاهل الفظيع لحقوقهم الجغرافية
والإنسانية، وهم لا يحتاجون لتقديم اثباتات، إذ التاريخ يشهد على ذلك، في الصهر
القومي والمذهبي القومي الطابع والعنف الدامي و…. وماذا بعد ؟
ألكي نشدّد
بالصوت والصورة، وبدون تردد بالتأكيد، أن التوتر القائم في المنطقة سيبقى وسيبقى
مجدداً وهو في ازدياد، وأن عدم الإصغاء إلى المطاليب المشروعة للشعب الكردي:
المجموعة العرقية الكبرى في العالم، لم تنل حقها، حتى بالشكل المحدود، خلل تاريخي،
ولن يكون هناك حق معتبَر في ضوء هذا الخرق الفاضح للأعراف والدساتير الدولية .
وماذا بعد ؟
ألكي نكرّر للعالم أجمع، أنَّى ارتحلنا وحللنا أن ثمة شعباً يلقى
العنت من الدول المعنية بحقوق الإنسان، وفي منطقة تشهد خروقات فاضحة لحقوق الإنسان
هذا، والشعب الكردي في قائمة هذه الشعوب الساعية إلى نيل حقوقها، كما لو أن العالم
الموسوم متجاهِل لحقوق الشعب الكردي، وتحت مظلة الدول التي استحالت عظمى لأن ثمة
قوّة تفعلت داخلها، كما لو أنه ينتظر اللحظة الحاسمة في الانتقال من عتمة المجهول
إلى نور المعلوم . وماذا بعد ؟
ألكي نلتفت إلى بعضنا بعضاً وحيث إننا يجب أن
نعمل ونتكلم، وفي الاتجاهات كافة، لنسمع العالم صوتنا، إذ ما ضاع حق وراءه مطالِب،
وأن الكرد هم الذين لم يهدؤوا يوماً واحداً في هذا المضمار، وتاريخهم النضالي
والكفاحي شاهد بليغ على ذلك، ولا يجب التقاعس أو نسيان هذا الحق حتى آخر قطرة في
جسد كل كردي مهما كان نوعه وجنسه. وماذا بعد ؟
ألكي نندفع كالثيران التي وضعت
نصب أعينها المسلخ الكبير لأولئك الجزّارين الذين اعتادوا التنفس بعمق وهم يرونها
في الصباح الباكر، وهم يبسملون مع كل سكين حادة تخترق عنق كل ثور والدم ينز، وهي
تندفع لتحطيم البوابة الكبرى، للنيل من الجزارين التاريخيين الذين كادوا أن يقضوا
على نسلها لتجد نفسها وسط جمهرة جزارين دون حساب. وماذا بعد ؟
ألكي نحوّل
أجسامنا في المجمل إلى أيد تتحرك وأقدام تخبط الأرض بميكانيكية عالية، وأعيننا
جاحظة، والدماء تُراق، وأوداجنا تنتفخ، وصدورنا صاعدة هابطة مع كل كلمة لُقُّنا بها
دون السؤال عما يمكن أن يحصل، وكيف خُطّط لكل ذلك، ومن أين ننطلق، وكيف، وإلى أين
تكون نهاية المطاف، ويكون للكرد ما انتظروه بصورة منصفة . وماذا بعد ؟
ألكي نؤكد
للذين لم يدخروا جهداً في تعليب أفكارنا، وكذلك مشاعرنا وأحاسيسنا، ومتى نرفع
رؤوسنا لتلقّي ” ضربات ” الأعداء ، ومتى نحنيها نزولاً عند رغبات من لقّنونا دروساً
مكررة في السماع وكيل المديح لهم صبح مساء، وأننا وراءهم وراءهم، وزمن الأعداء
الذين لم نتعرف عليهم إلا من خلالهم كثيراً قريب قريب. وماذا بعد ؟ 
ألكي ننقّب
في زاوية، ونمعن النظر في كتاب، صحيفة، مجلة، منبر عما ينفع ” سادتنا ” والقيمين
علينا، نصل ليلنا بنهارنا طبعاً، ونقدّم لهم ما يدعمهم في مواجهة أعدائهم
بمواصفاتهم لتبقى وجوههم بيضاء، وهم ينتظرون المزيد منا، نحن الذين نكابد أهوال
البحث  عن حقيقة ما، لنسمع في المحصّلة عبارة واحدة مكرَّرة: أحسنتم ، وإذا لفظنا
أنفاسنا الأخيرة، سوف نعمَّد شهداء الأمة الكردية بامتياز . وماذا بعد ؟
ألكي
نتعامى عن التاريخ الذي يعيشه الآخرون بمعايير لا شأن للكردية بها، وعن وعي المكان
الذي يتنامى في وجدانات الآخرين خلاف ما هو متردد في أوساط الكثرة الكاثرة من الذين
يفصلون بين الخطأ والصواب في طريقة تنفسنا، وعن مفهوم المجتمع، والمدينة، والثقافة،
والقومية…الخ، بأساليب لم يعهدها الآخرون، ممن يصدّرون إلينا حتى المرايا لنبصر
صورتنا . وماذا بعد ؟ ماذا هناك أكثر من هذا السؤال المعنَّى: وماذا بعد ؟
ألكي
ننشغل ما حيينا بهذا الانغواء المضحك بما يصلنا بتاريخ شوهَّه الآخرون، بينما ثمة
ما هو قريب منا ونعيشه، وهو أننا حتى اللحظة لم نتقبل بعضنا بعضاً حتى بصيغة قبائل،
أو بقبائلية ممكيجة. وماذا بعد وبعد ؟!
دهوك

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…