مأساة الكرد في دولهم الأربع حين يتقاذفها زعماؤهم ويقدمونها على مذابح «دول حليفة»

هوشنك أوسي 

يحاول بعض مثقفي كرد سورية وكتّابهم الاجتهاد في محاولات
إيجاد تبريرات وتسويغات لما يمكن تسميته «خذلان» قيادات الأحزاب الكردستانيّة
الكبيرة (العمال الكردستاني، الديموقراطي الكردستاني، الاتحاد الوطني الكردستاني،
وحركة كوران) لانتفاضة أكراد إيران التي بدأت شراراتها بحادثة انتحار الفتاة
الكرديّة، فريناز خسرواني في مدينة مهاباد الكرديّة الإيرانيّة قبل أيّام، هرباً من
محاولة اغتصابها. وخلاصة هذه الاجتهادات والتحليلات التبريريّة ترتكز على عدم نضوج
ظروف الانتفاضة، وأن هناك مخاطر تتهدد إقليم كردستان العراق كـ «داعش» من جهة،
والقوى الشيعيّة العراقيّة الموالية لطهران من جهة ثانية، وخلافات أربيل – هولير مع
بغداد بخصوص الحصار الاقتصادي المفروض على الإقليم من قبل الحكومة الاتحاديّة، من
جهة ثالثة، والصمت والتجاهل الدولي لانتفاضة مهاباد، ودخول أميركا وأوروبا في صفقات
مع النظام الإيراني، في ما يتعلّق بالملف النووي، من جهة رابعة. 
مضافاً لما سلف، تجاهل المكوّنات القوميّة الإيرانيّة الأخرى لهذه الانتفاضة
الكرديّة وعدم المشاركة فيها، كعرب الأحواز والبلوش والاذريين!. وبالتالي، نصل إلى
نتيجة، أن انتفاضة كرد إيران، وطبقاً لهذه «المعطيات» والتحليلات المستندة عليها،
لا تخدم كرد إيران، وستودي بهم إلى التهلكة والجحيم السوري، إلى جانب أنها ستفتح
باب هذا الجحيم على كردستان العراق أيضاً.
هذه التبريرات، في ظاهرها تبدو،
للوهلة الأولى مقنعة، لكن، ثمّة ما يفندها جملةً وتفصيلاً. فمن جهة نضوج الظروف، ما
تعيشه إيران في شكل عام، من أزمة داخليّة، لم تنتهِ، قطعاً، بسحق انتفاضة
الإصلاحيين سنة 2009، بل تفاقمت مع الحصار الاقتصادي، وزيادة انغماس طهران في
المستنقعين السوري واليمني، وخسارتها مليارات الدولارات والآلاف من جنود وضبّاط
الحرس الثوري في هذين البلدين، إلى جانب «عاصفة الحزم» التي هي في الأصل، قصفٌ
لطهران، قبل أن تكون قصفاً لأعوانها الحوثيين. ما يعني أن الظروف الداخليّة
والإقليميّة، سياسيّاً وعسكريّاً واقتصاديّاً هي في مصلحة اندلاع أيّة انتفاضة داخل
إيران. وأصلاً لو حدث ذلك، لما تنازلت واشنطن لطهران في ما يتعلّق بالملف النووي.
زد على هذا، الصفقة التي أبرمتها إدارة أوباما مع ملالي طهران، لا يمكن اعتبارها
«زواجاً كاثوليكياً». ذلك أن استمرار هذه الصفقة، مرتبط بمدى استقرار الوضع الداخلي
الإيراني، وعدم نشوب انتفاضات وقلاقل، بإمكانها أن تطيح بحسابات الإدارة
الأميركيّة، وتعيد العداوة إلى المربّع الأول.
من جهة أخرى، تلك الاجتهادات
الكرديّة، التبريريّة والتسويغيّة، إمّا تجهل أو تتجاهل أو تتغافل عن التاريخ
المرير لكرد إيران مع أشقائهم الكرد في الأجزاء الأخرى من كردستان، ومدى استثمار
هؤلاء لقضيّة كرد إيران على طاولة البازارات، مع نظام الشاه ونظام الخميني، على حدّ
سواء.
فالحزب «الديموقراطي الكردستاني الإيراني» الذي تأسس سنة 1945، (الحزب
الأم لكل الأحزاب الكرديّة العراقيّة)، أعلن جمهوريّة كردستان في مهاباد سنة 1946
برئاسة زعيم الحزب قاضي محمد، بدعم من النظام السوفياتي السابق، هذه الدويلة التي
لم تستمرّ أكثر من 11 شهراً، كان الزعيم الكردي الملا مصطفى بارزاني أحد أبرز
مؤسسيها، ووزير دفاعها. وحين توصّل نظام الشاه لعقد صفقة مع ستالين، نفض الأخير يده
من الجمهوريّة الكرديّة الإيرانيّة، وتركها عرضة لوحشيّة نظام الشاه الذي فتك بها
وأعدم رئيسها ووزراءها، ولم ينجُ من الاعتقال والإعدام إلاّ وزير الدفاع، بارزاني
الأب، الذي هرب مع حشد من مقاتليه (500 شخص)، إلى أحضان النظام السوفياتي الذي خان
الدويلة الكرديّة وتسبب في ما تسبب من إعدام قادة الكرد، الذين كانوا رفاق مصطفى
بارزاني. ولم يعد الأخير إلى العراق إلاّ بدعوة من عبدالكريم قاسم سنة 1958، لتسوية
الملف الكردي. في حين كان من المفترض أن يدافع وزير دفاع الجمهوريّة عنها في مواجهة
الجيش الإيراني. وبعد إعلان بارزاني ثورته على نظام الحكم في بغداد سنة 1961، اتجه
للتحالف مع نظام الشاه الذي سحق جمهورية مهاباد وأعدم قادتها. واستمرّت هذه العلاقة
بين قيادة كردستان العراق ونظام الشاه لغاية 1975، تاريخ توقيع اتفاقيّة الجزائر
بين بغداد وطهران في الجزائر. وأيضاً هرب بارزاني إلى أحضان نظام الشاه الذي خانه
وأوقف دعمه للثورة الكرديّة العراقيّة.
وبالتالي، العلاقة الكرديّة العراقيّة مع
طهران، كانت حكماً، على حساب كرد إيران وقضيّتهم. وكنموذج لثمار هذه العلاقة
والاتفاق بين الشاه وبارزاني، رفض الأخير أي نشاط كردي إيراني معارض لنظام الشاه،
ينطلق من كردستان العراق، في مقابل الحصول على السلاح والتمويل الإيراني ضد بغداد.
وبذلك تم قمع انتفاضة كرد إيران الثانية، بقيادة «الحزب الديموقراطي الكردستاني –
اللجنة الثوريّة»، منتصف الستينات، وتسليم قيادة كردستان العراق لجثة سليمان معيني،
(ابن وزير الداخليّة في حكومة جمهوريّة مهاباد محمد أمين معيني، وزعيم الديموقراطي
الكردستاني – اللجنة الثوريّة) وجثث رفاقه الذين قتلهم النظام الايراني في كردستان
العراق، إلى نظام الشاه!.
سنة 1970، عقد «الديموقراطي الكردستاني الإيراني»
مؤتمره الثالث في بغداد، وحاول إعادة بناء نفسه، وانتخب عبدالرحمن قاسملو زعيماً.
ودخل الحزب في تحالف مع النظام العراقي، في وقت علاقات بغداد مع بارزاني لم تكن
بذلك التوتر الشديد، بدليل إبرام اتفاق 11 آذار (مارس) سنة 1971 بين الطرفين. ولكن،
تحالف قاسملو مع نظام البعث العراقي، زاد من نقمة قيادة كردستان العراق عليه. ومع
مشاركة كرد إيران للخميني في «ثورته» على نظام الشاه، ونكثه بمنح كرد إيران الحكم
الذاتي، قام «الديموقراطي الكردستاني» بقيادة الانتفاضة الثالثة لكرد إيران ضد نظام
الملالي هذه المرّة، سنة 1979، بقيادة عبدالرحمن قاسملو، الذي استطاع تحرير مناطق
واسعة من كردستان إيران. ولم ينجح النظام الإيراني في سحق هذه الانتفاضة، إلا بعد
الاستعانة بقوات «الديموقراطي الكردستاني العراقي»، بزعامة الراحل إدريس بارزاني
(شقيق مسعود بارزاني)، ما أجبر قاسملو على الهرب من إيران إلى أوروبا، ثم اغتالته
المخابرات الإيرانيّة في فيينّا سنة 1989. وما زالت السلطات النمسوية متكتّمة على
التحقيق في هذه الجريمة. كما تحوم شبهات حول أطراف كرديّة عراقيّة بالضلوع في هذه
الجريمة!.
بعد اغتيال المخابرات الإيرانيّة الزعيم الجديد للحزب، صادق شرفكندي
في برلين سنة 1992، انشق الحزب على نفسه. وحاليّاً هو موجود بجناحيه في كردستان
العراق، في عهدة «الاتحاد الوطني الكردستاني» (حليف طهران)، ضمن معسكرات، لا يتم
السماح لهما بممارسة أي نشاط مسلّح، داخل الأراضي الإيرانيّة. واللافت أن المخابرات
الإيرانيّة، لاحقت قيادة الحزب في أوروبا، واغتالت زعيميه قاسملو وشرفكندي في
أوروبا، لكن قيادة المتبقي من الديموقراطي الكردستاني الإيراني، «تنعم» بالطمأنينة
والأمان في كنف «الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي»، وعلى تماس مباشر مع الحدود
الإيرانيّة!؟.
سنة 2004، دخل «حزب العمال الكردستاني» على خط استثمار الورقة
الكرديّة الإيرانيّة، عبر تأسيسه فرعه في إيران، «حزب الحياة الكردستاني – PJAK»،
بعد اشتداد خلافه مع النظام الإيراني، علماً أن «العمال الكردستاني» كان حليف
طهران، طيلة فترة وجود أوجلان في دمشق. وهذا التحالف كان على حساب، تجاهل أوجلان
مظالم ومطالب كرد إيران. وحين بدأت طهران تقترب أكثر من أنقرة، بالتزامن مع سنوات
العسل بين النظام السوري وأنقرة، اشتدّت ضغوطات إيران على «العمال الكردستاني»
وفرعه الإيراني، وقامت طهران بإعدام العشرات من عناصر «الكردستاني».
سنة 2009،
قام «العمال الكردستاني»، الذي يحظى بشعبيّة واسعة بين كرد إيران، بتحييد كرد إيران
عن «الانتفاضة الخضراء» التي أعلنها الإصلاحيون ضد نظام محمود أحمدي نجاد. وللعلم،
حاولت الإدارة الأميركيّة، الانفتاح على حزب (PJAK) ووجّهت دعوة رسميّة لزعيم
الحزب، عبدالرحمن حاجي أحمدي لزيارة واشنطن أكثر من مرّة، ووافقت واشنطن على تقديم
كافة أنواع الدعم المالي والعسكري للحزب، ومساندته في صراعه ضد إيران، شريطة أن
يكفّ الحزب عن اعتبار «العمال الكردستاني» مرجعيّته الأم، السياسيّة
والآيديولوجيّة، أقلّه في الإعلام. لأن من شأن ذلك إحراج الإدارة الأميركيّة
داخليّاً، باعتبار أن «العمال الكردستاني» مدرج على لائحة المنظمات الإرهابيّة في
أميركا، فضلاً عن إحراج واشنطن أمام الحليف التركي أيضاً!. لكن، حاجي أحمدي، وبضغط
من «العمال الكردستاني»، رفض ذلك، وفضّل النزوع الحزبي، الآيديولوجي، على المصلحة
الوطنيّة الكرديّة الإيرانيّة. بمعنى، واشنطن منفتحة على تقديم الدعم لكرد إيران في
أي عمل انتفاضي ضد النظام الإيراني، لكنّ الممسكين بخناق المسألة الكرديّة
الإيرانيّة، من غير الكرد الإيرانيين، وأقصد «العمال الكردستاني – التركي»، و
«الاتحاد الوطني الكردستاني – العراقي»، يرفضان ذلك، حفاظاً على علاقتهما مع نظام
الملالي.
بعد اندلاع الثورة السوريّة منتصف آذار 2011، أعاد محور طهران – دمشق
مياه علاقته مع «العمال الكردستاني» إلى سابق مجاريها، وتم استخدام الحزب في عمليّة
تحييد كرد سورية عن الانخراط في الثورة السوريّة، ما ساهم في تعزيز مواقع النظام
السوري، واستمرار بقائه.
الحقّ أنه في حال لم تصبح انتفاضة الشعب الكردي في
مهاباد، عامّة وتشمل كل مناطق كردستان إيران، ويشارك فيها العرب والبلوش والاذريين
وكل قوى المعارضة الوطنيّة الإيرانيّة، وتصبح انتفاضة الشعوب الإيرانيّة بأكملها،
تحظى بالدعم الإقليمي والدولي، غالب الظنّ أن نظام الملالي، سيلجأ إلى أدواته
الكرديّة العراقيّة والتركيّة، القديمة – الجديدة في تطويق الانتفاضة، ووأدها، بكل
السبل والوسائل المتاحة. وبعض من مؤشرات ذلك تلوح في الأفق. ولو أن الأحزاب
الكردستانيّة المذكورة أعلاه، أرسلت خطاباً موحّداً وواضحاً وصارماً، وقدّمت الدعم
السياسي والإعلامي للانتفاضة الكرديّة الإيرانيّة، على حساب مصالحها مع طهران،
وتوقّفت عن الإمساك بخناق الحراك السياسي الكردي الإيراني لمصلحة نظام الملالي، لما
تعامل الأخير بوحشيّة مع المنتفضين، ولكان هنالك كلام آخر في مسار الانتفاضة
الكرديّة الإيرانيّة.
ختام القول: تبدو قضيّة كرد إيران، كقضيّة الفلسطينيين
التي استثمرتها الأنظمة العربيّة، دون استثناء، وبخاصّة محور «الممانعة» للحدود
القصوى، في بازارات المساومة مع إسرائيل. والسؤال هنا: هل بإمكان انتفاضة مهاباد
بلورة خيارها السياسي الجديد والمستقلّ، المتجاوز لبؤس الحركة السياسيّة الكرديّة
الإيرانيّة، المنقادة من خارج كردستان إيران؟.
* كاتب في الشؤون
الكردية
الحياة

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…