كُردستانيات 28- هل الأوجلّانيَّـــــة قدَرُ الكــرد ؟

 
 ابراهيم محمود
إذا الشعب يوماً أراد ” المماة
”    فلا بد أن يستجيب القـــدرْ
ولا بد لليــــــل أن ” يستطيل ”    ولا بد
للقيـد أن  ” يستعِـر”
بالأذن من ” الشابي ” على تغيير مفردات في بيتيه الشعريين
مراعاة لمقتضى الحدث .
لا أكثر من الحديث عن الوضع القدَري للكرد، حيث يُعتبَر
كل ما يتعرضون له قدرياً. إذا كان الوضع كذلك، فالأوجلانية قدَر الكرد إذاً، ويعني
ذلك أن ليس عليهم أن يرضوا بما يقرّره لهم قدرهم الاستثناء، كما همو الشعب
الاستثناء في التاريخ، وبالتالي، يصبح كل ربط لها ” الأوجلانية ” بعوامل خارجية أو
داخلية وبهما معاً تحصيل حاصل، وإذا أُخرِجت الأوجلانية من هذا السياق القدري، فإن
على الذين لا يكفّون عن تكرار ” القدر ” تبريراً لافتاً لعجز لافت، في هزيمة وعي
تاريخ لافتة، لزوم النظر في الخفي عليهم، علَّ ذلك يواجههم بالمشكل الذي يستوطن
رؤوسهم ونفوسهم، إذ يستحيل تناول الأوجلانية خارج ظرفي الزمان والمكان، وكيف تمكنت
من اجتياح جهات كردية، حيث القدر ترجمان ما لا يتمنى هيّابوه أحياناً مكاشفة
مفارقاته !
إن أوخم الحديث في أوخم موضوع، هو هذا المتبيَّن والساري مفعوله بإيقاعات متفاوتة،
في قائمة كبرى من الموضوعات ذات الصلة، والتهويل من شأنها، وإبراز خطرها على مستقبل
الكرد، وهنا يكون الخروج عن ظرفي الزمان والمكان في الحال، كما لو أن وجود ملايين
تتخذ من الأوجلانية مأوى نفسياً ومرآة ضخمة لرؤية صورتها ودوزنة مشاعرها وأفكارها،
لا تعرف من الكردية حرفاً، وأن هذا الاستقطاب الجماهيري منزوع الاعتبار. بالمتابعة
هذه، كيف يكون حساب الموالي والمناوىء أوجلانياً يا تُرى ؟
في العلاقة القائمة
بين القدر والكرد ومكابداتهم التاريخية والاجتماعية والسياسية والنفسية، في وسع
المعني تبين مفارقات لا تحصى تضيء العلاقة هذه، سوى أنها تتلخص في عبارة واحدة،
وهي: سوء التقدير في التفكير والتدبير:
نعم، الأوجلانية تبقى واقعاً اجتماعياً
وسياسياً في تاريخ لا يخفى، وفي هذا الثالوث يمكن رؤية الكرد وكيف ينظرون إلى بعضهم
بعضاً، وإلى الآخرين، كيف يقدّرون الخلاف والاختلاف، كيف يصلون ليلهم بنهارهم
..الخ، أي حين يحال كل شيء بمفهومه الحزبي، التنظيمي إلى شخص معين ” عبدالله أوجلان
“، وما في هذا التحديد الاسمي من إظهار مباشر لمركزية العلاقة، وتميزها بالعنف،
فنكون إزاء ظاهرة تعني شعباً، أمّة….!
وتبعاً لما تقدَّم يكون الذين يعرّفون
بأنفسهم ساسة كرداً، في خانة المساءلة عن الطريقة التي يتداولون التاريخ فيما
بينهم، وليس فيهم، أو من بينهم، من سَلِمتْ ذقنه من غزو البياض الذي يخشى منه
كثيراً، فيسعى إلى طمسها بسواد عاجز عن التكتم في إخفاء المغيَّب، وحباً في بياض لا
يدَّخر جهداً في استعراض حيَله واستثمار خبراته للفت الأنظار، والحنين الظامئ إلى
سواد ليل يستجيب لأهوائه التي امتصت منه الكثير من قواه، وإن لم تسجَّل فعلاً
باسمه، لأن هذا الجانب ذاته يتطلب مهارة وقدرة على المناورة، فيبقى الأقرب إليه
لإبراز قواه الخاصة، سوى أن الجامع المشترك الأكبر بين هؤلاء حتى وهم في غاية
التنابذ ” أوليس تتالي الانشطارات شهادة عيان تاريخية على ذلك ؟ “، هو الرهان على
ما هو قدري، رغم عدم وجود أي منهم، دون استثناء، لديه ذلك الوازع الإيماني بما هو
قدري بوصفه مسمّياً مَن هو مطلق القوة في كل شيء، ليكون هذا التركيز الموحّدُ
الوحيدَ الأوحد فيما بينهم بعقوده الزمنية المديدة كثيراً، فيما يبقيهم طارئي
التاريخ عينه، أي ما يجعله نعمة، ليحسنوا التنفس بانتظام، ودعامة نفسية تحفّزهم على
الانتقال من مكان إلى آخر، كما لو أنهم حديثو العهد بكل شيء، وما يترتب على هذا
الأسلوب الفريد من نوعه من تجلّي الأفق البائس دون العمق الجدير بالحد الأدنى من
التسمية:
وقوع خلاف بين اثنين قدر، تعرض أحدهم لنوبة قلبية مفاجئة قدر، تلفيق
الوقائع في وضع ما قدر، التفنن في تزييف الحقيقة أمام الآخرين قدر، الوقوع في
المزيد من الأخطاء قدر، تحويل القضية الكردية إلى مطية قدر، الاختلاس المالي هنا أو
هناك قدر، عدم الاتفاق في أمر عرض قدر، الصولات والجولات الكلامية الظافرة أمام ”
أم العيال ” العائلة المكتبية الخاصة قدر،الخرف الشيخوخي المبكّر رغم الصحة
الظاهرية قدر…الخ، الحفاظ على كرسي التحزبية حتى الرمق الأخير كمبدأ قويم قدر،
فكيف الحال مع الأوجلانية وهي في انتشارها اللافت جغرافياً ومجتمعياً؟ إن ذلك أبعد
وأكثر خطورة من وقع القدر بالذات؟!
إن استمرار الكرد بهذا الوضع الآفاتي ”
القدري ” ربما يبرّر لكل واقعة كارثية، لكل ما يمكن أن حدث ويحدث وسيحدث ويتهدد
أمّة كاملة، بإمكان توسيع نطاقها وحصْد المزيد من الضحايا، أي حين تبرز الأوجلانية
ذاتها مطرقة هابطة على نافوخ كل قدرياتيٍّ، عقوبة وأي عقوبة ؟!
أقولها، وأنا
أشدد، ومن موقع كوني باحثاً، على أنني لم أكن يوماً لا أوجلانياً بالمفهوم الشخصي،
ولا پككياً ولا پپيَداوياً، ولعلّي لن أكون لاحقاً، ليس لأنني ” أشطب ” عليه، أو ”
أخرِجه ” من التاريخ دون تردد، أو لأنه لا ” يعجبني “، كما هو الحال مع ” صفوة ”
الكرد في السياسة والتفكير والتنظير، لأن مجرد القيام بعملية شطب أو إقصاء أو محو
للاسم يرتد علي ويعرّي داخلي، مبينا مدى هشاشتي، وهي في موقعها المجتمعي والسياسي
والتاريخي، أقولها، لأنني أمارس حياتي كباحث وفق تصور آخر لما يجري كردياً، حيث
الأوجلانية تنتمي إلى تاريخ كردي ومنذ عدة عقود زمنية، وتتطلب المزيد من التحرّي
المتعدد الأبعاد للإحاطة بها.
حينها لا يعود للقدر بالصيغة السالفة من مكان حتى
بمفهومه الهامشي، إنما ما يواجِه الكردي بحقيقته التي تكوّنه: حجماً، وإدارة أفكار،
وتداول مشاعر، وأسلوب تبيّن لمستجدات العالم، وكيف يتحقق الدخول في التاريخ الفعلي
.
في النهاية المفتوحة أستدعي إلى الذاكرة القريبة ما أفصح عنه بليغ الأثر علي
بن أبي طالب وهو يوضّح لمن استفسر عن القدر، خلاف ما اعتقده ( ويحك لعلك
ظننت قضاء لازماً وقدراً حتماً لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد
والأمر والنهي
… ) ..
هل يمكن تعديل لغة المخاطبة بالجمع ”
ويحكم …الخ” ؟ 

دهوك


شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

حوران حم في زوايا الحديث السوري اليومي، في المنشورات السريعة على مواقع التواصل، في تصريحات بعض “القيادات” ومواقف فصائل تدّعي تمثيل الثورة أو الدولة، يتسلل الخطاب الطائفي كسمّ بطيء، يتغلغل في الروح قبل أن يظهر في العلن. لم تعد العبارات الجارحة التي تطال الطوائف والأقليات، والمناطق، والمذاهب، تُقال همساً أو تُلقى في لحظة غضب، بل باتت تُصرّح جهاراً، وتُرفع على…

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…

د. محمود عباس صرخة في وجه التكفير والخراب والإرهاب. من يهاجم المكون الدرزي في السويداء؟ من يحاصر مدنها، ويهدد شيوخها، ويحرّض على أبنائها بذريعة كلمة قيلت أو لم تُقَل؟ من نصب نفسه حاميًا للرسول الكريم وكأن الإسلام ملكيته الخاصة، وكأن نبي الرحمة جاء لقوم دون قوم، ولدين دون آخر، متناسين أن محمدًا عليه السلام نبي الإنسانية كلها، لا نبي التنظيمات…

بوتان زيباري في رياح السياسة العاتية التي تعصف بأطلال الدولة السورية، يبدو أن الاتفاق الموقّع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام (هتش) لم يكن سوى وميض برقٍ في سماءٍ ما لبثت أن اكتظت بالغيوم. فها هو مؤتمر قَامشلو الأخير، بلغة ملامحه المضمرة وتصريحاته الصامتة أكثر من الصاخبة، يكشف عن مكامن توتّرٍ خفيٍّ يوشك أن يطفو على سطح…