كُردستانيات 27- نحــــــن ونساؤنا العفيفـــــــات

 ابراهيم محمود 

 غربياً، تُدشَّن العلاقة الزوجية بين
العروسين في الكنيسة أمام والديهما والمدعوّين، بقبلة يُصفّق لها، تعبيراً عن أنها
بالنفحة المشتركة تلك توحّد بين جسدين. في أي مناسبة، إزاء أي جديد مفرَح، حيث
يتواجد زوجان، متحابان، تكون القبلة شاهدة عيان على حب قائم، رغم أن الغرب ”
مادي “، ولكم تعوَّدنا ونتعود على أن القبلة، لا بل واللمسة العادية أمام
الآخرين خدش للحياء العام، كما لو أن ثمة إبرة تخترق ورقاً شفافاً، ولا نشهد من
يرتكب جريمة على ما تقدَّم، ليس تأكيداً على مدى الحرص على هذا الحياء الذي يُرسَم
” فيروساً أخلاقياً “، وإنما على عمق مخاوف حرّاس الفضيلة من جناياتهم
اللفظية والسلوكية: الحركية، والرغبة الجارفة في تمثيل ما هو بهائمي، حيث الفحولة
معزّزة. والفحل ذكر الناقة. تخيلوا إذاً !

 ربما هو التباهي الشرقي وزعْم الامتلاء الروحي إلى جانب تجلّي الآصرة العائلية،
يضفي علينا ذلك اللقب الفريد من نوعه، وهو أننا عصاميون إلى درجة، يقظى الشرف ” أهل
ناموس ” إلى درجة، وأننا جرّاء فحولتنا المهيوبة لا نكاد نتفوه بكلمة إلا وتكون
الثانية- حكماً- مختومة بفحولية معينة، لا نشير إلى موضوع معين إلا وندرِجه في
المضمار الأوسع لما يسمّينا فحولياً، وأننا لا نكاد ننتفض قليلاً، أو نُستثار
قليلاً، حتى  فيما بيننا، أو إن أردنا إظهار قدرتنا على الانتفاخ لتُرى عروق
أوداجنا، إلا وتسبقنا كلمة صاروخية، أو عبارة تؤنّث الآخر: حتى لو كان قريباً منا
جداً. إن كل من يعيش استعراضاً لسلطة ما فيه، يعيش هوس الفحولة فيه، ولا قيمة تنافس
قيمة تأنيث الخصم أو العدو، لنعلن انتصارنا قبل أي اشتباك، ولهذا تجد المعنيين
بتسوية الخلافات، وتسلّم دفة القيادة، وإصدار الفتاوى، من الذكور الذين ينتشون
بفحولتهم طبعاً .

إزاء ذلك، لا يخفي مهاجرونا الكرد طواعية في المجمل، ومن يشكون
حمولة فارطة لعدوى الفحولة في المجمل، ما أن تطأ أقدامهم أرض الغرب ” الوطء يعني
الجماع، لمن يريد أن يعلم، وهو تعبير عنفي “، حتى يصبح جسد كل منهم آلاف الأعين
الراصدة لأجسام نساء الغرب العاريات كثيراً ” قوة الشخصية في الداخل
بالتأكيد
، لمن يهمه الأمر “، وما أكثر ما نسمع شخصياً أو
يتردد على ألسنة هؤلاء” ومن الشباب “، وربما من تقدَّم به العمر، عما يُسمى
بالمغامرات والتباري لإعلان الضارب رقماً قياسياً في الفحولة جهة ” الاتصال ”
بالنساء ، مع المزيد من الضبط للنساء المهاجرات، مع التأكيد على أن العفة هي
العلامة الفارقة للمرأة الكردية تاريخياً حتى وهي في الغرب ” الخليع ” شهادة
تاريخية تلهِم الشغوف بالعفة الأنثوية على ” طلب ” يدها، فهل من شيزوفرينيا أبدع
وأكثر لفتاً للنظر مما تقدم ؟ 
أليس هذا الامتياز الفحولي ملحوظاً حتى على مستوى
القيادات: الحزبية وغيرها؟ ” هل سمعتم بامرأة تقود حزباً كردياً ؟ أي إهانة تلحق
بأمة الكرد مثل هذه الإهانة ؟ “، وفي الوقت ذاته، ينخرط الكتاب الكرد الفحوليون،
والباحثون في التاريخ الكردي خصوصاً، في إبراز مكانة المرأة والتذكير بأسماء يفتخر
بها أي كردي حتى لو كان فحلاً، يا للكذبة الكبرى، لحظة مساءلته عن طريقة تعامله مع
المرأة، واندفاعه إلى رسم الحود الفاصلة بين الجنسين !
غربياً، يتوسد الرجل راحة
المرأة، يلثم يدها وإن علت مرتبته، تأكيداً على مكانتها، سوى أن الذي يتردد ” هنا ”
شرقياً، هو هذا الامتعاض: كيف يمكن للرجل أن يلثم يد المرأة، كيف يقول لها أمام
الملأ: أحبك، كما يجري ” هناك ” ؟ أترى هذا القول ترويجاً لثقافة غربية، لأن لدينا
رجالاً لا تؤثر فيها صرخات النساء أو كلماتهن مهما أفصحت عن بلاغتها؟ فالبكاء
الشرقي أنثوي، والتسيب الغربي رديف هذا الخلط بين الجنسين، والتاريخ ذكر والجغرافيا
أنثى، النظام ذكر والسلطة أنثى.
لا يتردد المأخوذون بالتراثيات كردياً، في تأكيد
روعة قول القائل:
êr êr e çi jine çi mêr e” “
الأسد أسد ذكراً أم أنثى “،
تشديداً على مساواة الاثنين، ولا بد أن القائل بعيد كل البعد عن الأسد الذكر
وأنثاه” اللبؤة “، جهة العلاقات القائمة بينهما، ففي عالم الأسود، تتولى اللبؤة جل
المهام في اصطياد الفريسة، وما أن تكتم أنفاسها، حتى يتقدم الذكر متهادياً
متباهياً، ربما، بلبدته، وهو يلتهم ما يشاء من الفريسة المعَدَّة له، لا بد أن
القائل غير مدرك أن ما تتلقاه أنثى الأسد من ذكرها لهو نظير استبداد الشرقي والكردي
ضمناً، إذ تبصر صغارها ” أشبالها ” وهو يقضي عليها” يخنقها “، ليواقعها لأن ثمة ”
شبقاً ” بهائمياً يسيّره، والأم المفجوعة تنطوي على ألمها ” اللبؤتي “، أقولها،
وأنا أذكّر اجتماعياً بتلك المرأة المسكينة ” الغجرية ” أو المسماة بـ ” Qereçî  “،
إذ تتنقل بين البيوت وحتى الحارات لترجع في آخر النهار، وهي تسلّم زوجها ” التنبل ”
في البيت حصادها اليومي وتستسلم لنزواته…الخ .
لا أستميح العذر من أي كان، ممن
يعرّف بشخصه من خلال درجة فحولته، وهي غير مستقرة، سوى أنها على الصعيد النفسي
تستمر حتى النفَس الأخير، وحتى عالم ما بعد الموت، لحظة التفكير بالحُور العِين
وسياسة الإغواء الغيبية، لا أستميحه العذر إزاء هذا ” التشتيت” في الكلام، طالما أن
وراءه ما يمكّنه من رؤية تصدعاته النفسية، وأي تحرر حققه في مطلع الألفية الثالثة،
وإن استعرض ” فتوحاته ” جهة الإفصاح عن أن الذي بلغته المرأة الكردية اليوم، علامة
مشرقية فارقة، لكنه عاجز تماماً عن تحديد نوعية المرأة التي تتحرك في وجدانه، وأي
شخص ممسوخ يكونه هو بالذات داخلياً بجوارها أو وهو قيّم عليها من المهد حتى اللحد
وأبعد كما تقدَّم.

دهوك

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…