كردستانيات 26- « كلُّـه بيزنـــــــــس سيدي »

 ابراهيم محمود

أمّا وقد أصبحتم في منصبكم الجديد، ومن
موقع قِدَمي في هذا المجال، لتعلَموا جيداً سيدي، أن لا شيء يفيدكم ويبقيكم في
منصبكم هذا والتصرف مع الذين من حولكم، أكثر من أن تكونوا بأذنين لا تسمعان، وعينين
لا تريان، فهؤلاء البشر قُدّوا من حجر، وطريقكم إلى النجاح الإداري هو في أن تكون
يداكم حديديتين، ولسانكم نارياً، وكلامكم قذيفة خارقة. ثم إليكم بجملة القوائم من
الناس ذوي الخبرة ممَّن يمكنهم مساعدتكم وحمايتكم والترويح عن نفسكم عند
اللزوم:
قائمة بأسماء الذين وجدوا أنفسهم موهوبين بألسنة موصوفة بأقذع الشتائم،
فالذين يحيطون بكم سيدي، لا يلين قناتهم الكلام المعسول، إن أخوف ما يخيفهم هو أن
تسمِعهم كلمة بذيئة. لأن الكلمة البذيئة من مزايا الرجل الفالح ورابط الجأش، وإعلام
مباشر وفوري على أن وراءها قوة ضاربة، وبالتالي، ما عليه إلا الانصياع إلى ما
ترسمون وتطلبون تحقيقه فعلاً .
قائمة بأسماء الذين خُلِقوا بأجسام فولاذية، واعلموا جيداً سيدي أنه إذا كان
الآخرون تراباً عليكم أن تكونوا زوبعة، وإذا كانوا حجراً أن تكونوا حديداً، وإذا
كانوا حديداً أن تكونوا ناراً أوّارة، فأول الهيبة وجود رجال وضِعت كل قواهم في
أيديهم، حينها سترون ماذا تفعل القوة، وكيف تدوم سلطتكم: تسيرون في الطريق العام،
والكل يهتفون باسمكم، تجلسون في المكان الذي ترغبونه وهم يظلّلون عليكم، تنامون
قريري العينين، وكله بفضل رجال يسمعون ويرون ويفكرون بأيديهم فقط وببراعة.
قائمة
بأسماء الذين يحيطون علماً بكل صغيرة وكبيرة في هذه البلاد: أسماء الأحياء ومن هم،
بنوعهم وجنسهم وصفاتهم ومراتبهم ونقاط ضعفهم وقوتهم، والأموات، بحسبهم ونسبهم، ومن
يهتمون بأمرهم ويتهجون أسماءهم، وكيف تُدار الأمور وتصرَّف شئون العباد. يحيطون
علماً بكل كائن يتنفس، وكل بهيمة صغيرة أم كبيرة، وكل جماد. كل طريق ودرب وزقاق،
ومنعطف، وساحة، كل بيت: قصراً أم منزلاً عادياً أم كوخاً صغيراً أم خُصاً، كل شاردة
وواردة بشأن صادر البلاد وواردها، عبر الحدود بصورة رسمية أو غير شرعية، أو
بالاحتيال. لديهم قوائم طويلة، مرتَّبة، مفهومة، والأساليب التي تتناسب وكل جهة أو
طرف أو شخص، بوسعهم توفير الكثير عليكم من التعب والطاقة، ومن ثم سرعة الوصول إلى
الهدف.
قائمة بأسماء الذين يمتلكون خبرات واسعة في طرق الإمتاع والمؤانسة. أعني
الملذات، فهي تثبت فحولة الرجل وتذيع صيته، والذين من قبلكم كانوا هكذا، وثمة إضافة
وتنويع في كل مرة. إنه عالم المتعة، عالم النساء الأقدر على الحديث عن حيوية الرجل
وإعلام من لا يعلم قوته وجبروته وحتى عنفه حتى في الفراش.. نساء ذوات أسماء خاصة،
وألقاب خاصة للإثارة سيدي، بأجسام يخترقها الهواء لرقتها، وقابلية للتجاوب تنسيكم
متاعب العمل والوجوه الناشفة، بوجوه منداة، مائية، نارية الملامح، تشع بريق غواية،
وتفتح الشهية، وبالطريقة المناسبة وفي الوقت المناسب وكما تشتهون .
قائمة بأسماء
الذين يحسنون التصرف في الرد على الآخرين وإفحامهم، أولئك الذين يصنّفون أنفسهم
مثقفين أو كتّاباً، ولا شيء سيدي  يفسد الناس مثل الثقافة، لا شيء يمارس الوسوسة في
الصدور مثل الكلمات التي تبثها ألسنة هؤلاء وتحت بند ” الثقافة “، وهم يراوغون
ويتنافسون فيما بينهم، وكل كل منهم يحاول الإطاحة بالثاني إذا سنحت له الفرصة،
والذين يمكنهم أن يتولُّوا أمرهم وإلزامهم حدودَهم، بارعون في التصرف، أي في كيفية
الالتفاف عليهم، حفاظاً على الأمن. أليس القول المأثور: إن لم تكن ذئباً أكلتك
الذئاب على أتم علاقة بما نحن عليه سيدي ؟
قائمة بأسماء الذين لديهم قدرات عجيبة
سيدي في جمع الأموال وطرق الحصول عليها، وكيفية استثمارها، والوسائل الخفية التي
تحافظ على مكانتهم داخل البلاد وخارجها، ولتكونوا على بيّنة سيدي، أن هؤلاء لهم سجل
حافل بسبل الثراء وتحقيق المرام كما يريدون. إنهم يفيدونكم كثيراً، ويمكّنونكم من
البقاء طويلاً في موقعكم، والأموال تتدفق عليكم، ولحسابكم السرّي الخاص، ولا مفر من
التعامل معهم، فهم أكثر من رجال أعمال، ولا بد أنكم في غاية العلم بحقيقة ما يجري:
لم تتمكنوا من بلوغ هذا الموقع إلا بطرق متعددة، وكلَّفكم ذلك الكثير الكثير مالاً
وجهداً، ولا بد أن تعوّضوا عن ذلك، لا بد أن تأخذوا في اعتباركم شيئاً وحيداً وهو
أن لا ضمان لأي كان في مثل هذا الموقع الذي حللتم فيه، فاغنمها فرصة لا تتكرر،
لضمان مستقبلكم، ومستقبل أولادكم وأحفادكم، وحتى من ترونه جديراً بالعطف من أجل
الثبات في الموقع وليس لشيء آخر طبعاً .
تلك هي مجموعة القوائم التي أحتفظ بها،
وأعلم بها جيداً سيدي، ومن منطلق الواجب الذي يحتّم علي التصرف بالشكل الأنسب،
وأضعكم في الصورة التي تبقيكم في منعة، وإذا كان لديكم تفكير آخر وتدبير آخر
تريدانه سياسةً في التعامل وإدارة الأمور، فعذراً إذا قلت لكم سيدي أنكم في المكان
الخطأ، وتوقَّعوا إزاحتكم، أو الإطاحة بكم سريعاً، أو…عفواً سيدي، لن أقولها..
فطنتكم كافية هنا..نعم، سيدي، كله بيزنس، العالم بيزنس، الأخلاق بينزس، السياسة
بيزنس، كلٌّ منا بيزنس بالتأكيد، ولا شيء يمكن أن يُسمى أو يوضع جانباً إلا من
زاوية بيزنسية كماً ونوعاً، وحسب المرء معرفة أي بيزنس يكون، وكيف يحسّن بيزنسه،
فالبيزنس مقامات ولغات وخبرات، والحياة والموت نفسهما بيزنس، ولسنا خلاف الآخرين
بيزنسياً، و….!
دهوك
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مصطفى منيغ / تطوان تأجيل المُنتُظر لا يجُوز، ومِن المُنتَظر التأجيل بالواقع ممزوج، بالتمعن في الجملتين نصل لمدخل معرفة دول تائهة كتلك البلهاء لا تفكر إلا أن يحتَلَّها زوج وإن قارب أعمال يأجوج ومأجوج ، و تلك العالمة لما تقدِّمُه من معقول لكل مَخْرَج لها معه نِعْمَ مَخْرُوج ، المكشوفة رغم تستُّرها وراء سَدٍّ يقِي وجودها دون تقدير إن تردَّ…

د. محمود عباس   يعوّل الشعب الكوردي على المؤتمر الوطني الكوردي في غربي كوردستان بوصفه لحظة مفصلية، لا لمجرد جمع الفاعلين الكورد في قاعة واحدة، بل لتأسيس إرادة سياسية حقيقية تمثّل صوت الأمة الكوردية وتعبّر عن تطلعاتها، لا كفصيل بين فصائل، بل كشعبٍ أصيلٍ في جغرافيا ما تزال حتى اللحظة تُدار من فوق، وتُختزل في الولاءات لا في الحقوق. إننا…

ماهين شيخاني في عالم تُرسم فيه الخرائط بدم الشعوب، لا تأتي التحوّلات العسكرية منفصلة عن الثمن الإنساني والسياسي. انسحاب نصف القوات الأمريكية من شرق الفرات ليس مجرد خطوة تكتيكية ضمن سياسة إعادة التموضع، بل مؤشر على مرحلة غامضة، قد تكون أكثر خطراً مما تبدو عليه. القرار الأميركي، الذي لم يُعلن بوضوح بل تسرب بهدوء كأنّه أمر واقع، يفتح الباب أمام…

لم يعد الثاني والعشرون من نيسان مجرّد يومٍ اعتيادي في الروزنامة الكوردستانية، بل غدا محطةً مفصلية في الذاكرة الجماعية لشعبنا الكردي، حيث يستحضر في هذا اليوم ميلاد أول صحيفة كردية، صحيفة «كردستان»، التي أبصرت النور في مثل هذا اليوم من عام 1898 في المنفى، على يد الرائد المقدام مقداد مدحت بدرخان باشا. تمرّ اليوم الذكرى السابعة والعشرون بعد المئة…