بعض مهام المثقف الكوردي السوري اليوم

اكرم حسين

الثقافة حسب تايلور “هي ذلك المركب الكلي الذي يشتمل على المعرفة والمعتقد
والفن والأدب والأخلاق والقانون والعرف والقدرات والعادات الأخرى، التي
يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع” .في حين ظهر مصطلح المثقّف في
فرنسا، للدلالة إلى من يمارس النشاط الذهني، وينخرط في الحياة العامة ،  بعد ظهور قضية الضابط  ألفريد دريفوس” المتهم بالخيانة الوطنية ،و قد
دافع عنه “إميل زولا”و”أوكتاف ميربو”، ليصبح المثقّف ليس مجرد مبدع “أفكار
او”متفرج ” كما يقول”ريمون أرون” بل صوتا للمظلومين والمهمشين،اما جوليان
بندا ، فقد تحدث عن المثقف في كتابه “خيانة المثقفين” بالقول “أقرب ما
يكونون إلى الصدق مع أنفسهم حين تدفعهم المشاعر الجياشة والمبادئ السامية،
أي مبادئ العدل والحق، إلى فضح الفساد والدفاع عن الضعفاء وتحدي السلطة
المعيبة الغاشمة” .
غرامشي يقول”إن جميع النّاس مفكرون” ولكن وظيفة المثقف أو المفكّر في المجتمع لا يقوم بها كل النّاس وينظرالى المثقف العضوي على اساس ممارسته للفعل الاجتماعي القريب من الجماهير والمتماهي معها وتبنيه لقضاياها اليومية والمصيرية ، ادوارد سعيد يؤمن بأن المثقّف الحق ،يمثّل نبض الجماهير و لا يقبل بأنصاف حلول أو أنصاف الحقيقة، هو الشخص الذي يواجه القوة بخطاب الحق ،هو المثقّف “المقاوم” بفكره ونشاطه هيمنة السلطة السائدة 
بعض مهام المثقف الكوردي اليوم 
يتفق بندا ، وغرامشي ، وسعيد ، بان المهمة الأساسية للمثقف تكمن في “النقد”. المثقف الحقيقي هوالمثقف “الناقد” لذاته ولجماعته، دون مجاملات فكرية أو سياسية أو إيديولوجية ، لان أسهل أنواع النقد هو نقد العدو، التخلي عن هذه المهمة تبعا لبندا وسعيد، “خيانة المثقف” ،لذلك يصبح دور المثقّف في الحياة السياسية ذا أهمية بالغة تترجم قيمته كفرد مسؤول بدرجة كبيرة، وتعطي للثّقافة قيمتها الحقيقية باعتبارها:”طوق النجاة للمجتمع حين يتعرض لخطر الغرق” حسب مالك بن نبي،فهل قامت النخب المثقّفة الكوردية بهذا الدور؟ 
في خضم التحولات التي يعيشها المجتمع الكوردي بعد الثورة ،بدأنا نشهد تراجعا ظاهرا للدور النوعي للمثقف الكوردي الغائب اصلا عن المشهد العام ،لابتعاده عن القيام بوظيفته كمنتج “للافكار” وعن دائرة “الفعل” في سياق انتاج “المعرفة “واكتفائه بالفرجة والانعزال والتقوقع حول ذاته، في وقت اشتداد الحاجة اليه والى دوره ، وادى انسحابه من المشهد الى ظهور الفراغ الذي عبر عنه هيروقليطس بالقول “الطبيعة تخشى الفراغ” مما دفع الى بروز بديل ثقافي تجسد في خطاب اجتماعي وحضور ساحق للخطاب الاصولي القومي اليوتوبي، ساهم بدوره في انكماش وانحسار افكار المواطنة والعلمانية والمجتمع المدني وانتشار وسيطرة افكار التقوقع والانعزال والعنصرية والعداوة والقرية والقبيلة والبداوة السياسية وعودة المجتمع الى مرحلة ما قبل الدولة ..وترسيخ الافكار الواحدية والزعيم المخلص..والفرد الاله،وموت الانسان ،وانتشار العنف العشوائي المنفلت من عقاله.؟ 
تتحدد مهمة المثقف الكوردي اليوم في تشجيع وممارسة الفكر النقدي للسلطة، وفي اقتحام كل الزوايا المظلمة وتحطيم اسوارها المغلقة وتوسيع دائرة نقد القضايا المحظورة وتسليط الضوء عليها ،وملامسة مواطن الداء وتشخيصها واعمال العقل النقدي الجذري كمقدمة ضرورية ومدخل حقيقي للنهوض بالمجتمع والحد من الاستبداد وتوسيع نطاق الحريات وخلخلة الثوابت التي دأب المجتمع الكوردي على ترديدها واجترارها طويلا. 
لا وجود لمثقف مستقل كورديا لان المثقف يجب ان يكون صاحب رسالة انسانية واخلاقية وان ينحاز الى قضايا امته وشعبه ، مناصرا للحق والعدالة ، فكل ثقافة تلغي الشعب والوطن والتاريخ هي بالضرورة ثقافة قمعية ،تؤله السلطة وتستند الى التضليل والتزوير وزرع الاوهام وتحريف الحقائق من اجل تثبيت سلطتها وسيطرة فكرها ، لذلك نجد اغلب المثقفين الكورد يكتفون بالشكوى من التهميش ،ومن عدم افساح المجال ، ويبدعون في الحديث النظري في كل الحقول ويمارسون السلبية تجاه ما يجري 
ان ما نطمح اليه اليوم في واقعنا الكوردي المعاش ،هي ثقافة التغيير ،الثقافة التي تحاول ان تربط بين مصالح الشعب والوطن وتبشر في الوقت تفسه بالحرية والعدالة وحقوق الانسان…وهذه الثقافة في جوهرها يجب ان تكون صوتا للتنوير والعقل في تصديها لكل اشكال الثقافة الاستبداية والالغائية المثقف يجب ان يكون صاحب موقف وراي وان يتحلى بالشجاعة والجرأة والاستعداد للتضحية من اجل مبادئه وافكاره ،عليه ان يعري الواقع بطريقته ،وان لا يتخلى عن وظيفته ودوره …والا فقد “صفته” كمثقف. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…

محمد عكو هذه المبادرة فاشلة بالنسبة للوجود الكوردي في سوريا… لا تمثل أحدا من الشارع الكوردي سوى كاتب هذه المبادرة… التهرب من الاستحقاقات التاريخية و المجتمعية و القومية للوجود التاريخي للشعب الكوردي في سوريا لا تخدم سوى أجندات سياسية لجهات قادمة من وراء الحدود…. ينبغي تحديد المطالب المشروعة للقضية الكوردية السورية بشكل شفاف و علني … التناقض في تصريحات قيادات…