كردستانيات 24- عندما كان البعث يحكم

 ابراهيم محمود

عندما كان البعث يحكم، كان في وسع الساسة
الكرد” ألَا ما أكثر الساسة الكرد ! “، من المعمّر الأول الـ” ما بعد سبعيني “، إلى
الأخير الستيني ” تصوروا حِزَم الأعمار الهائلة ومردودها الزمني ! “، أن يتحدثوا عن
الكرد وكردستان وبصوت خفيض، وغالباً: الشعب الكردي، أما كردستان فبمزيد من السرّية
والتكتم لرفاقهم أو لمقربين منهم، سوى أن حديثهم كان له نكهة خاصة ذات صلة بأحادية
السلطة البعثية الفالقة، ليكون هناك من يتَّهم، ومن يبرّر، ومن يتردد في التقويم،
وفي المحصلة كان تقدير الظروف قائماً بصورة ما أو بأخرى، أما في السنوات المنصرمة،
فكل تهجئة رنانة تخص الكرد وكردستان تلغّمهما معاً.
عندما كان البعث يحكم، كان من السهل رؤية سكرتير هذا الحزب أو ذاك، في أي جهة تكون
أو تتلفت، وهو يتحدث بتواضع ويتوادد، لكسب رفيق إضافي، أو لتجميل صورته، ويجد
آذاناً صاغية رغم ضعف الثقة المتنامي، وخلال السنوات المنصرمة ندرت رؤية لا سكرتير
هذا الحزب أو ذاك فحسب، إنما حتى أيٍّ من أعضاء مكتبه التنفيذي ودونهم مرتبة حزبية
؟ جرّاء الهرولة إلى اجتماعات لا دخل للكردي المهجّر أو المعتَّر أو المفقَّر، إنما
هو هاجس النجومية الزعامية، لأن الحياة فرص بغضّ النظر عن الوسائل بالنسبة إليه
.
عندما كان البعث يحكم، كان في المستطاع التمييز بين حزب كردي وآخر في ” أمّة
الأمم سوريا “، في درجة المجابهة والمصارحة بما هو كردي وكردستاني، في الالتفاف على
الموضوع أو تسميته مباشرة، وفي السنوات المنصرمة من عمر المسمّاة: المدمّاة بـ”
الثورة السورية “، صار في الإمكان التمييز بين حزب كردي روجآفاوي وآخر في اقتصاد
الشعارات والهتافات، أما على مستوى استعمال مفردتي الكرد وكردستان، أو روجآفا
كردستان، أو كردستان سوريا…الخ، فلا فضل لحزب على آخر، إنما الكل سواء أو يكاد،
والفضل إن وجِد إنما في الإكثار مما تقدَّم في عنتريات ” مكردنة ” عارية !
عندما
كان البعث يحكم، لكم الشوق ملوّعاً لروح الكردي وهو ينتظر نوروز”ه “، رغم التهديد
والوعيد أو المخاوف، فما كان من نوروز يمر دون مُرٍّ ما، لكنّه المر الذي يذوّق
روعة اليوم الربيعي الموعود، كما لو برد الانتظار كان يهِبُ ضحكة الربيع، ومنذ
سنوات عدة، صار نوروز ذاته خلاف عادته فيبؤس حال، مهملاً، لأن ثمة ما يهم أولي
الكرد أكثر، وقد أُنسوا معنى انتظار نوروز والاحتفاء بنوروز، وكل ما يرافق نوروز
الكرد.
عندما كان البعث يحكم، ربما كان من السهل التمييز كردياً، بين من يكون
الشهيد ومدّعي الشهادة، البطل بجدارة والبطل المزيَّف، المعتقل باقتدار والمشبوه،
التمييز بين النزيه والعميل والخائن، بين الفرح في الوقت المناسب والبكاء في الوقت
المناسب طبعاً، ومنذ سنوات، فاق عدد الأبطال الحسابَ، وبرزت معايير مغايرة كثيرة
للبطولة على مقام ” كردْهات “، والتبس مفهوم الشهيد نفسه، وكذلك المعتقد، ولم نعد
ندري هل نرقص على طريقة الديك، هل نبكي من وطأة الحزن أم لانفراج الهم، وأي ساعة
نعتمدها لضبط أوقاتنا بما يتناسب والجاري فينا ؟
عندما كان البعث يحكم، كان
الإمكان الوحيد في معرفة الجاري كردياً الاتصال السمعي والبصري المباشر بأي مسئول
كردي، ومن خلال النشرات الحزبية الكردية وأدبياتها، ومنذ سنوات عدة، تولّى المهمةَ
المنبر الضوئي المفتوح، وهو مثقَل بسباق البيانات المتصارعة، وطلات الوجوه التي
تعتلي آلام مئات الألوف من الكرد المهجرين والنازفين عمراً يُؤسَف عليه، وعبر
الشاشة البيضاء التي لا تطاق جرّاء هذه التكرارات وهي تتوعد بعضها بعضاً أو تتباهى
فيما بينها، ومن ألم إلى ألم، ومن فقاعة معنى إلى بؤس المتردد .
عندما كان حزب
البعث يحكم، كان من السهل جداً، ودون تفكير، جرّاء أعرافنا ” الحمراء والمعنّاة “،
التذكير باسم القائد التاريخي الأوحد، والحزب القيادي الرئيس في البلاد ” سوريا
العربية “، والجيش العقائدي البعثي، والمنظّر البعثي المعروف….ومنذ سنوات عدة، لا
يعرف الكردي كم هو عدد قادته التاريخيين الكرد، وأحزابه التاريخية الكردية
المقدامة، وأين هي مرجعيتها، وقد كثر منظّروها، ولا ندري أنصفّق لمن أكثر، وندير
ظهرنا لمن أكثر، ونراهن على جواد من يا تُرى، وثمة الكثير من جياد الرهان، في أكثر
من حلبة كردية هنا وهناك ؟
لم يغب حزب البعث عن الساحة السورية، وواهم متوهم من
يصدّق ذلك، إنما هي خبرته في إرخاء الحبل ” شعرة معاوية “،وقد استمرأت قائمة
الأحزاب الكردية هذه اللعبة، في مسعى للوصل بين الداخل والخارج والتصريحات النارية
غير المسئولة، تُرى ماذا يحصل لو أنه غاب كلياً، في ظل  وحام الزعامات ؟ حيث ستكون
ميليشيات كردية وأتاوات كردية، وحصر أنفاس لكل كردي صباح مساء، وحينها، ستكّرهنا
بالكردية التي ولدت كما كبرت معنا، ولولا ” العيبة ” لأطلقناها بالثلاث من غير
تردد، وثمة نسبة كبيرة من الكرد المهدورة إنسانيتهم ” أعني كرديتهم ” كّرهت فيها
كرديتها منذ طلوعها الأول في الحدث السوري الزلزالي، سوى أننا واخجلاه، واعاراه ،
واكردستاناه، وااااه وااااااه، حرصاً على الكردية المتبقية نأبى الصراخ، كما نأبى
الصمت ونحن بين مطرقة ما تقدم وسندان ما يتقدم، فما الذي ينتظرنا إذاً ؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…