كُردستانيات 17- وحدة كردستان أم وحدة الكرد أولاً ؟

 ابراهيم محمود

  

استبشر الكُرد خيراً، في روجآفا، بنشوء أول
حزب كردي لهم سنة 1957، وسرعان ما انقلب الفرح غماً وهماً، حول من يمكنه تزعُّم
الكرد هناك، وتراجعت كردستان إلى الوراء، أو تقدمت، تبعاً لبورصة المزايدات
الزعاماتية، وتعالى الصياح الكردي الحزبيُّ العلامة سنة 1960، لتأكيد التفرق
والتنابذ على حساب وحدة الكرد، وجاء منتصف ستينيات القرن العشرين، شرخاً جلياً في
الوجدان الكردي على خلفية الصياح ذاك، وللتشديد على أن الكرد خلاف كل أمم الأرض
قاطبة ما تنادوا إلى وحدة مصير إلا وكان هناك خازوق يُرفَع بمساهمة جانبية وضمنية،
لتغليب الألم على الأمل .

وكلما تقدمنا صعدا انحدر بنا التاريخ سافلاً،
كما لو أن دروس التاريخ تُكتَب على الماء، إذ على قدر ما يمكن تعظيم مآسي الكردي
في سبعينيات القرن الماضي، يمكن تلمُّس مدى إصرار 
رموز البار السياسي الكردي الخاص على أن يخرجوا في كل مرة دفعاً أو غير
متبصرين طريقهم إلى بيوتهم، وتعاظم أثر المأساة في الثمانينيات، وخصوصاً مع فاجعة
حلبجة ” 1988 “، إلى جانب فجائع خاصة بروجآفا، ليزداد عدد مدمني البار
السياسي المثقَل مناخاً بالدخان.

ولئلا يعتقدن أحدهم أننا نلتزم سرداً
تاريخياً، نشير إلى ما هو مفصلي في قامشلو 12 آذار 2004، حيث تجاوز مجموع زعامات
مرتادي البار الدزينة الواحدة، وتلك مفارقة كبرى، حيث المفترض أن الشعور بـ”
وحدة الحال ” يكون في الملمات أو الخطوب، لكن اللافت هو أن العدد تنامى، وزادت
اللبكة وحبكة التجاذبات وشد الحبل الشعبوي، إلى حد إمكان القول أن مفردة كردستان
كانت بالكاد تتردد، وما كان لها أن تتردد إلا لوجود عسر هضم تحزبياتي. أترانا هنا
إزاء ما يمكن تسميته، وببالغ الأسف، بـ ” الجوكر ” الجغرافي ” الذي
لا يستعان به إلا لأن لعبة تاريخية: زابوقية بين ” العيال ” التي تكبر
بها المصائب ويصغر بها التاريخ، ويتقزم بها شعب كامل، مثلما يجري تشويه جغرافيا
كاملة بدورها.

 وإذا تنطع أحد المتحمسين، أو أكثر، من
سياسيينا الكرد ” هناك ” على خلاف ذلك، فحسبي القول أنه يخدع نفسه،
مثلما أن نفسه تهزأ به، لأن ” ميّة ” الواقع ” تكذّب ” الغطاس
” المسكون بفوبيا الماء أساساً، ولهذا تستمر الحرائق السياسية في الشارع
الكردي الافتراضي، والمكاتب الكردية المرتجلة، وأنّى التفت الكردي وهو يبصر حزبيين
كرديين، والنار والعة في الاثنين، وفي قلوب العامة الكرد ممن ينذهلون مما يرون،
مثلما أن التاريخ يصل ليلهم بنهارهم حرائقياً .

ولا بدمن التأكيد أن الرقم القياسي غير
المسبوق لهذا التشرذم الكردي، وانقسام المنقسم الحزبي الكردي تحقَّق إبان الأحداث
التي اشتعلت ناراً وأشعلت ناراً في طول البلاد وعرضها، حيث تضاعف وتضاعف، وأن من
المهزلة بمكان استمرار هذه الزعامات المخضرمة والحديثة والأحدث منها، على إبراز
بطاقتها الكردوارية وهي تنشطر وتنشطر، بمسوغات تشهد بجلاء على عكس سير تاريخ الكرد
من جهة القيّمين على مصائرهم بالجملة.

 كردستان في خطابات مرتجلة لم يُعَد لها،
جرّاء تسارع الأحداث، ولقاءات يصعب تسجيلها بسبب التكاثر السرطاني، ومزاعم تبشّر
الشعب الكردي أن ساعة الكرد قد آن أوانها، ولا يدري الشعب الكردي المسكين إلى أي
جهة يلتفت وإلى من يسمع، وماذا يمكنه أن يسمع، فهو مزَق تقاسمها جغرافيات أمم
وجماعات ومنظمات وجهات وأطراف حكومية ودولية وفوق دولية.. شعب هو في أكثر حالاته
إثارة للبؤس وللمخاوف، حيث الاقتداء بالزعامات التي التبست عليها معرفة الجهات،
بين داخل فقد دقة التسمية، وخارج ينافس الداخل في استدراج من في الداخل، ليتوزع
الشعب هذا، وهو لم يكن شعباً يوماً، كما يقال من حيث الدقة، يتوزع بين نازفين دماء
جرّاء الداخل والخارج، ومهرولين وراء لقمة لا تخفي نسبة من سمّية المصدر وهم
يتحسسون المهانة مما يجري باسمهم، ونسبة ملحوظة، وهي لافتة متطوعة في أعمال وشايات
متبادلة، وعلى بعضها بعضاً لهذا الشخص أو الطرف أو ذاك، بتكليف أو بمقابل بخس، أو
على طريقة من ” شابه أباه ما ظلم “، والأب هو الزعيم السياسي المفترض،
ولا بد أن يوماً إذا كان له” لهذا الشعب الافتراضي ” أن يأتي قريباً،
يعود فيه الخارجون باسمه كرهاً أو على مضض من بلاد ضاقت بهم، إلى بلاد لا ترحّب بهم
بوضعها البائس، وفي داخل منخسف بشكل مريع، من سيؤهلهم على الأقل ليرجعوا إلى مستوى
ما قبل 15 آذار 2011، وقد تطهّروا مما أرغموا على ممارسته من سلوكات تسمّم في
شرايينهم دماءهم، أما عن حقيقة كردستان فيجب توجيه السؤال عنها إلى الأعداء الذين
حافظوا عليها بأجزائها المسماة جهوياً وسياسياً وتاريخياً ..
 ذلك لا يعيدنا مجدداً إلى خرافة المدينة
الملعونة، أي الآثمة، وهي في الواقع ليست بخرافة وما كانت ملعونة، إلا تعبيراً عن
رفض الاعتراف بالجرم المرتكب، وهو وجود خلل بنيوي: سياسي يسيّر المدينة، فتبقى
مغلوبة على أمرها، حتى تم تحديد الخلل وإقصاء الفاعل بمحاكمته.
 كردياً، ثمة كردستان ملعونة، آثمة، لأن جل
الذين يتحدثون باسمها باعتبارهم أولي أمرها، لا يدّخرون جهداً في تحويلها إلى
جغرافيا على مقاس رغباتهم الخاصة، إذ الانتماء القبلي يتقدم الولاء الجغرافي أو إن
فكرة المدينة غير موجودة أصلاً في أذهانهم، وما كان لهذا الانشطار الفظيع أن يحدث
بمفهومه الحزبي أن يحدث إلا لأن ليس من حزب فعلي يمكن الركون إليه، طالما أن
المتنافسين إلى درجة لافتة ينسون أنهم كرد، ومن نسب كردستاني. تحت جبّة كل منهم
خاتم نسب عشيري، ويعني ذلك مجرد أن واتت الفرصة هؤلاء حتى انبروا، كما لو أنهم
يشددون على ذلك، وهم في حنينهم إلى ” أصولهم ” تلك، ويستغفرون أسلافهم
القبائليين، كونهم انقطعوا عنهم لبعض الوقت.. أم تُرى أن أشخاصاً لايهمهم ”
من نوع سيء الذكر ابراهيم محمود وأمثاله ” إلا أن يبثوا الدعايات المغرضة،
وهي فتن تفسد عامة الكرد، وتجعل من كردستان في عمومها مسحورة.. حسن إذاً فلنسم المتهافتين
على كردستان الكعكة ولنرَ…؟!
 دهوك

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…