من الذي قسّم العراق* ؟

جــودت
هوشيار   

 

الجواب
واضح لكل عراقي لم يتلوّث بجرثومة الطائفية ، ولكل انسان شريف لا يداهن ولا ينافق
ولا يكذب على نفسه وعلى الآخرين ، ولا يضحك على الذقون .!

الذي
قسّم العراق ، هو (الأخ الأكبر) مختار العصر ، الذي، اتبع سياسة الأقصاء والتهميش
وضيّق الخناق على السنة ، ولاحق زعمائهم ، سجناً وتعذيباً وخطفاً وقتلاً .

الذي
قسم العراق هو الذي بني الأسوار الكونكريتية العالية لـ(غيتوات) مذهبية في بغداد ،
لا نظير لها في العالم ، حتى في اشد البلدان تخلفاً .

الذي قسم العراق هو  من أطلق العنان للميلشيات السائبة لتخطف وتقتل وتنهب وتحرق .
وساسة الصدفة ، الذين تفاخروا نهاراً جهاراً بنظرياتهم الأجرامية . (هل تذكرون
نظرية سبعة بسبعة وصاحبتها ، ذات الرائحة الطائفية الكريهة ، التي لا تطاق ؟). لو
كانت صاحبة هذه النظرية في بلد متمدن ، لكان مصيرها وراء القضبان وليس في مجلس
النواب.
الذي قسّم العراق، هو من مارس سياسة التغيير الديموغرافي في المحافظات
ذات الأغلبية السنية وشرّد مئات العائلات ومنعها من العودة الى ديارها حتى بعد
تحرير أجزاء من تلك المحافظات .    الذي قسم العراق ، هو من قطع حصة اقليم كردستان
من الميزانية السنوية للدولة وقطع أرزاق موظفي الأقليم واستولى على الأسلحة التي
ترسلها الدول الغربية الى البيشمركة لمحاربة (داعش) .
الذي قسّم العراق هو من
سلّم ثلث العراق الى داعش مع أربع فرق عسكرية بكامل اسلحتها الأميركية المتطورة من
دبابات ودروع وصواريخ ومدافع بعيدة المدى ،وذخائر عسكرية هائلة تكفي للحرب لسنوات
عديدة ، وودائع البنوك وآبار النفط والمصافي والمعامل .
الذي قسّم العراق هو من
أجبر اكثر من مليون ونصف المليون من السنة ، على النزوح الى كردستان ، وتحميل حكومة
الأقليم عبء أيوائهم وتقديم الخدمات العامة لهم .
الذي قسّم العراق هم ساسيو
الصدفة ، الذين اتخذوا من الشعارات الطائفية والديماغوجيا السياسية جسراً للقفز الى
السلطة واحتكار الثروة والنفوذ .
الذي قسّم العراق هم الذين اختلسوا مئآت
المليارات من الدولارات من خزينة الدولة بذريعة الصرف على مشاريع ، لا وجود لها على
الأرض ، وتركوا ملايين  العراقيين – وخاصة الجماهير الشيعية المسحوقة  التي ادعوا
تمثيلها – نهباً للبؤس ، والشقاء ، والحرمان من ابسط مقومات الحياة الكريمة .
من
قسّم العراق ، هم الذين يذرفون اليوم  دموع التماسيح على نهاية دولة مصطنعة ولدت من
رحم مؤتمر القاهرة في عام 1920 برئاسة وزير المستعمرات حينذاك ونستون تشرتشل
،  ورسمت حدودها الخاتونة بيل . التي كتبت في رسالة الى والدها في السنة
ذاتها  تقول فيها ” اليوم كان عملي مثمراً ، فقد رسمت الحدود الغربية والجنوبية ،
للدولة الوليدة ، التي اطلقنا عليها اسم العراق .”
اذا كانت الحكومات العراقية
المتعاقبة ، قد استطاعت الحفاظ على هذه الحدود بالقوة الغاشمة ، فأننا نعيش اليوم
في عصر لا مكان فيه للدكتاتوريات ، ولا لحكام على شاكلة مختار العصر.
بعد حوالي
تسعة أشهر على تشكيل حكومة حيدر العبادي ، لا يبدو في الأفق أي بادرة مشجعة ،
للتخلى عن هيمنة مكون واحد على مقدرات البلاد والعباد ، وفرض سياسة الأمر الواقع
على المكونات الأخرى .
السنة قادرون – لو تركوا احراراً في تلقي المساعدة من
المجتمع الدولي – على الحاق الهزيمة بداعش ، على نحو أفضل وأكثر فعالية من
الميليشيات السائبة ، التي عملت بأفعالها الشنيعة
، على تعميق التقسيم الفعلي
للعراق ، وأصبح من المستحيل نسيان كل المعاناة الرهيبة لملايين العراقيين المظلومين
والمشردين .
كردستان وحدها صمدت أمام العاصفة الهوجاء ولمع اسمها في المنطقة
والعالم ، كوطن للتسامح القومي والديني والفكري والسياسي ، وقد أثبت الكرد منذ سقوط
النظام السابق وحتى اليوم ، أنهم أقدر على حكم أنفسهم وتحديث المجتمع الكردستاني
والعمل على تقدمه وازدهاره ، رغم العراقيل التي وضعتها حكومات حزب الدعوة المتعاقبة
أمام الأقليم ، كما أن العالم بأسره يشيد اليوم ببطولات قوات البيشمركة الباسلة
وتضحياتها السخية في الحرب ضد تنظيم ( داعش) 
كردستان أضحت قبلة أنظار العالم ،
ليس فقط ببطولات أبنائها فحسب ، بل بمظاهر التمدن والتقدم  السائدة فيها . وهي
اليوم واحة للأمن والأمان والأستقرار ، وملجأ لكل الأحرار المناضلين من أجل حقوقهم
المشروعة .
ان الحل الوحيد لأخراج العراق من محنته ، هو تمتع مكوناته بحقوقها
المشروعة ،على قدم المساواة  والتخلي عن فرض الأمر الواقع بقوة السلاح في المناطق
السنية وقطع الأرزاق  في الأقليم .
ولكن لا أحد يتوقع اليوم ، من حكومة حزب
الدعوة الرابعة ، نبذ سياسة الأقصاء والتهميش ، ولجم الميليشيات السائبة واعطاء كل
ذي حق حقه . وفي مثل هذه الظروف ، يبدو أنه لا مفر من أن يتولى كل مكون من مكونات
العراق الرئيسية الثلاث حكم نفسه بنفسه . وتحريرالسنة والكرد والمكونات الأخرى من
ظلم من لا يقيم وزناً لقيمة الأنسان وكرامته ، ولا للحقوق المشروعة للآخرين
..
—————————–
* ملاحظة : العراق مقسّم فعلاً منذ ولاية
المالكي الثانية وسياسته الرعناء .  ويزداد هذا التقسيم عمقاً  في ظل حكومة العبادي
الضعيفة ، الخاضعة لأبتزاز الحشد الشعبي ، والحائرة بين الدولتين الأكثر نفوذاً في
العراق.
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…