العلاقة بين المثقف والسياسي الكرديين غير جيدة.. حوار مع الإعلامي والكاتب محمد سعيد آلوجي

حاوره: إبراهيم اليوسف 
   تربطني علاقة شخصية بأسرة الإعلامي
والسياسي الكردي محمد سعيد آلوجي، في إطار العلاقة التي كانت تربط بين
والدينا، من جهة، وباعتبار أن شقيقه المهندس إبراهيم آلوجي ، من جهة
أخرى، كان معلمي في الصف السادس الابتدائي في قرية” تل أفندي”، مع
الكاتب سليمان طاهر من الدرباسية، ولم تتوقف العلاقة مع
أستاذي آلوجي ضمن هذا الإطار، بل اكتشف لدي موهبة الكتابة، ورغم فارق
السن، فقد كان يجلس إلي، ساعات مطولة، يسمعني بعض خواطره الكتابية، بالإضافة إلى
بعض القصائد التي كان يستظهرها، وهكذا بالنسبة إلى أبيه الذي كان يمتحن ملكة
التعبير لدي، كلما التقاني، ناهيك عن إعجاب والدي ببراعة صديقي الراحل
عبدالرحمن آلوجي في مجال الكتابة والإبداع والفصاحة أثر في إلى حد بعيد،
وكان هؤلاء من عداد أوائل من عرفت من خلالهم العلاقة بالأدب.
مؤكد، أن هذه الانطباعات الحميمة- رغم بدائيتها- إلا أنها ظلت مؤثرة في روحي،  وبت
كلما انخرطت في عالم الكتابة أتذكر تشجيع الأوائل من حولي، من دون أن أنسى تأثيرات
هذه الأسرة، رغم أن دورة الحياة، شاءت أن تباعدنا عن بعضنا بعضاً، لألتقي بعد سنوات
مع الراحل عبدالرحمن، عن قرب، وأظل على تواصل حميم مع الصديق محمد سعيد الذي شدني
حضوره الإعلامي، لاسيما بعد تفعيل الإعلام الإلكتروني الكردي، فقد كان هو وأسرته من
عداد قلة من أهلنا الكرد الذين عملوا في هذا المجال، ولعل ما يميز محمد سعيدنا أنه
لما يزل يتابع عمله في هذا المجال.
خلال الحوار التالي، أحببت أن أستفز ذاكرة
صديقي محمد سعيد، كي يحدثني في عدد من القضايا التي تتعلق بالإعلام والثقافة،
بعيداً عن شجون السياسة التي عمل فيها بوفاء، وإخلاص، وعانى من لفح ألهبتها هنا
وهناك.
 

س1. هل من الممكن أن تحدثني عن المشهد الثقافي الكردي أثناء
فترة مطلع شبابك؟

ج1. بداية أتمنى أن يجد قراؤنا في حواركم هذا معي
متعة في قراءته وأن يعثروا فيه على ما يفيدهم.
وجواباً مني على سؤالكم. أستطيع
أن أقول بأنه يؤسفني أن أقول لكم بأننا لم نتلمس نحن أبناء مدينة عامودا لا من
السلطات المحلية في مدينتا، ولا الحاكمة لسوريا. أي دعم حكومي رسمي لأية نشاطات
شبابية ثقافية أم غيرها، فلم نجد فيها لا مكاتب أو مراكز ثقافية ولا ملاعب رياضة،
ولا خدمات اعتيادية، ولا حتى شوارع معبدة أو تمديدات صحية أو غيرها، وذلك لأسباب لا
يمكننا إلا أن نقول بأنها كانت ناجمة عن دوافع عنصرية بحتة، كون معظم سكانها كانوا
من القومية الكوردية، وهي التي كانت قد تعرضت إبان الاستعمار الفرنسي إلى حرق كامل
مساكنها بسبب مقاومة أهلها لسلطات الاستعمار الفرنسي.، وأنا واحد ممن  فتحوا عيونهم
على إحراق السينما الوحيدة لمدينتنا. التي فقدت جيلاً كاملاً من طلاب المرحلة
الابتدائية.
وبحكم وجود علماء دين ومتنورين كثر في مدينتنا ومن مختلف
الاتجاهات الفكرية والسياسية. تخرج منها كثيرون من أصحاب الشهادات العليا
والمختصين. فقد لجأ بعض من الشخصيات الميسورة إلى إقامة ما يشبه مراكز ثقافية
واجتماعية على نفقتهم الخاصة ليستقبلوا فيها كل ليلة مجاميع من الناس لا على
التعين. حيث كانت تدار فيها ندوات لها علاقة بأمورهم الاجتماعية والدينية والأدبية
وحتى السياسة والتاريخ، وكان للفلكلور الكوردي والفكاهة نصيب كبير فيها أيضاً.
إضافة لما كان تدار في بلدتنا من حلقات ثقافية خاصة.
أذكر منها على سبيل
المثال ما كان يدرها والدي المرحوم في مضافته الخاصة تجمعات بشكل شبه يومي لأساتذة
المدارس وممثلي الأحزاب المختلفة (قومية ـ إسلامية ـ ماركسية ) حيث كانت تثار بينهم
نقاشات لا حصر لها في الأدب والدين والسياسة. كما كان والدي يمتلك مكتبة خاصة به
تضم مختلف الكتب، مثلها كمثل مكاتب خاصة أخرى لدى عدد من مثقفي البلدة.
وبعد
انتقالنا إلى مدينة الحسكة وتمتعنا بنوع من حرية الحركة، استطاع أخي المغفور له
“الدكتور عبد الرحمن آلوجي” مع شباب حينا المعروف الآن بحي المفتي من بناء مكتبة
ثقافية خاصة. برخصة رسمية من مديرية تربية الحسكة. لتضم في بدايتها الكثير من الكتب
المختلفة. كما تنشطنا في إقامة ندوات ثقافية خارج المدينة وفي الهواء الطلق طوال
فصلي الربيع والصيف لينضم إلينا مثقفون مختارون من مختلف الاختصاصات. شعراء كأمثال
شاعرنا الكوردي سيدايي تيريز ، وصالح حيدو, وطلبة ممن يتقلدون الآن مراكز قيادية
لدى أحزابنا الكوردية، وأطباء وفنانين. كما كان لنا حضورنا الواضح في نشاطات المركز
الثقافي الرسمي لمدينة الحسكة.

س2. الكتاب الكردي كيف كنتم تحصلون
عليه؟

ج2. كنا ممن لم يحالفهم الحظ في الحصول على كتاب باللغة الكوردية
في بداية شبابنا بسهولة، وحتى وإن حالفنا الحظ وحصلنا على أي كتاب. لم نكن نستطيع
تداوله بسهولة إلا في الخفاء لوجود حظر على اقتنائه وتداوله من قبل السلطات الأمنية
السورية، وكثيراً ما كنا نسارع إلى إخفاء ما نملك في أماكن سرية لمجرد شعورنا
باحتمال تعرض بيوتنا إلى أي تفتيش من قبل رجال الأمن السوري، وهو ما جعلنا نتخلف عن
الكتابة والقراء بلغتنا الكوردية. وكنت أعتبر نفسي من المحظوظين في الاستماع إلى ما
كان يردده سيدي الوالد على مسامعنا من أشعار كوردية منذ الصغر..


س3. من
من الكتاب الكرد كان له حضوره آنذاك؟

ج3. يمكنني أن أقول بأن من كان
لهم حضورهم في المشهد الثقافي ممن أتذكرهم من أهالي عامودا هم:  الشاب المتمرد
“الشيخ توفيق الحسيني” وهو من الجيل الذي يكبرني بعدة سنين، الشيخ سليم وأخوه الشيخ
عفيف الحسيني وسيداي ملا أحمد بالوا وملا حسن كورد وملا عبد اللطيف وسيدي
الوالد.
أما في الحسكة فكان هناك: الشاعر الكوردي سيداي تيرز عبد الرحمن آلوجي.
و الشاعر صالح حيدو الذي كان لايزال في بدايته، وبرز شاعرنا يوسف برازي في سري
كاني، وبالطبع كان يتقدمهم جميعاً شاعرنا الكبير سيداي جكر خوين. وأعتذر للذين سهوت
عن ذكر أسمائهم.


س4. وماذا عن الكتب الأولى التي
قرأتها؟ 

ج4. لقد قرأت الكثير من الكتب حتى وصل بي الأمر إلى درجة
الإدمان في مطالعة كتب لا على التعين.
فقد قرأت في بدايات شبابي في ستينات القرن
الماضي على سبيل المثال الكثير من كتب مترجمة للراوية العالمية “الإنكليزية” السيدة
أغاثا كريستي, وقرأت للعملاق السيد مهاتما غاندي كتابه “في الحق أو قصة حياتي”.
والذي ترك على مساري السياسي أثراً كبيراً بكفاحه الطويل. كما قرأت في المادية
الديالكتيكي, والحتمية التاريخية، وعن هكل”، والنظرية المادية في المعرفة. لروجي
غارودي لأنبهر بعمقه الفلسفي، وبالمقابل قرأت في الإسلام كتباً متعددة الأوجه. كما
في فلسفتنا واقتصادنا لمحمد باقر الصدر. وقرأت المبسوط في الفقه الحنفي، وفي ظلال
القرآن للسيد قطب، وفي القضاء والقدر الذي هُززتُ به من الأعماق، وقرأته من خلال ما
كان قد كتب فيه البروفيسور محمد صالح كابوري لأعود فأقرأ ما كتب فيه لاحقاً بعد أن
أهداني نسخة قيمة من كتابه الجديد في الموضوع ذاته. كما سبق لي أن قرأت في جمهورية
أفلاطون “المدينة الفاضلة”، وقرأت للدكتور مصطفى محمود كما في حواره مع صديقي
الملحد. وكنت قد قرأت في الفلسفة الوجودية وغيرها، وتأنيت في قرأت هكذا تكلم زرادشت
للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، وقرأت كفاحي لأدلوف هتلر. وقرأت
لمحمد سعيد البوطي مم وزين، ونقض أوهام المادية الجدلية.ووو وقرأت في الانجيل
والتورات وعن البوذية وعن رياضة اليوغا ووو…


س5. كيف تستذكر الحضور
الثقافي لوالدك  السيدا ملا حسن آلوجي  وهو أحد العلماء الكرد.

ج5.
قبل أن أجيبك على هذا السؤال أود أن أقول بأنه كان مثلي في التدين وحبي لقوميتي إلى
أبعد الحدود. وهو من كان يفتح لنا النقاش فيهما بلا حدود، حتى أصبح بيتنا عبارة عن
مدرسة ثقافية لمراحلنا العمرية المتنامية حتى بلوغنا سن الرجولة. ناهيك عن تجمع
علماء الدين الكورد حوله, والأساتذة, ورجال السياسة. وكان يقتنع بالحق ويقوله دون
خوف أو مواربة فيه, وكان دائم القول (بأن قول الحق والوقوف إلى جانبه لم يترك له
صديق دائم). 
كان يحفظ ( لملايي جزري، وفقي تيران، وأحمد خاني، وجكر خوين،
وعنترة وقصائد دينية كثيرة)، وهو من كان يلقيها علينا لحناً ونحن لم نتجاوز بعد سن
الطفولة. كما كان يكتب الشعر. وهو من كان قد حصل على إجازة في علوم الفقه والشريعة
الإسلامية والنحو والصرف على أيدي خيرة علماء الكورد المحليين كسيداي ملا عبيد
والشيخ أحمد الخزنوي. وهو من كان قد حفظ القرآن الكريم عن ظهر القلب. كما يقال. منذ
أن بلغ العشرين من عمره، وهو من كان يذكرنا على الدوام بالثورات الكوردية، ويبكي
على ضحايا ديرسم، وعلى الشيخ سعيد، وملا مصطفى البارزاني, ويحارب التصوف الأعمى
الذي طغى على مجتمعنا الكوردي . ليقف بشجاعة إلى جانب قضية شعبه المظلوم بطاقات لا
تنضب وشجاعة لا تلين, وكان قد قرأ الابتدائية في الموصل  في العراق بعد أن التجأ
إليها في طفولته مع أهله هرباً من ظلم العثمانيين على أعقاب فشل ثورة
الشيخ سعيد بيران. كما كان يحفظ القصص الشعبية والأمثلة الكوردية بما لا تعد ولا
تحصى، وأذكر أن بث القسم الكوردي في إذاعة صوت القاهرة من مجاميع قصصه وبصوته، وهو
من كان يتفنن في روايتها. وهو من اشترك في تنظيم سجلات دائرة الأحوال المدنية
لمدينة عامودا التي كانت تعرف ” بسجلات النفوس ” في الوقت الذي لم يجدوا من ينظمها
لهم.


س6. ودور شقيقك الراحل د. عبدالرحمن آلوجي: كيف كان في حياة جيله
والأجيال التالية؟

ج6. لقد كان لأخي المغفور له د. عبد
الرحمن آلوجي حضور كبير في المشهد الثقافي ودور كبير في تفعيله بين أجياله أينما حل
ورحل، ولا بد أن يستمر تأثيره على الأجيال اللاحقة من الذين يلتقون معه
فكرياً.
كما كان متميزاً في مسلكه التدريسي في مراحله المختلفة وفي الأدب
والشعر, وهو من كان له دور مميز في الإشراف على كتابات ومنشورات البارتي بلغتنا
الكوردية والعربية.
كان سريع الفهم والحفظ . كما كان يكتب شعر القافية بأسلوب
معجز. أتذكره عندما حفظ سورة ياسين في ساعات قليلة. 
عرفت مؤخراً بأنه ترك لنا
ديواناً شعرياً بعنوان (مدمن النار), وكتاباً بعنوان (الإيقاع في الشعر العربي)،
وجمع له ابنه شيار بعد وفاته مقالات في كتاب أسماه ب (شذرات من فكر المناضل عبد
الرحمن آلوجي). كما ترك لنا رواية بخط يده لم تنشر بعد.
لا أود أن أسرد مناقبه
الكثيرة رحمه الله دون الاستشهاد بآثاره، كل ما أستطيع أن أقول عنه بأنه كان مميزاً
جداً بين أقرانه.


س7. ماذا تحدثني عن  كتاباتك الأولى؟

ج7.
لقد بدأت بكتابة خواطر لي في أواسط السبعينات دون نشر. كما قمت بتدوين نظرتي إلى
الحياة بطابع فلسفي. أذكر أنني قمت باقتطاع جملة من رؤيتي لي عن ما يحيطني وماهيتي
فيه قبل حوالي 35 عاماً من الآن. لأكتبها بخط عريض وأعقلها على حائط غرفتي. كانت
تلك العبارات الآتي :
(أنا . أنا , وأنا الناس كلهم. أحس بذاتي عندما لا أراني,
وأراني. أراني. عندما لا أجد ما أرى به ذاتي). 
كما كتب في نشرات مجلة البارتي
تحت أسماء مستعارة وفي رؤية البارتي لحوادث بعينها. كذلك كتبت بيانات منظمة ألمانيا
السياسية على مدى العشرين عاماً خلت أثناء تولي المسؤولية فيها، وباسم هيئة تحرير
موقع كردستانا بنختي، ومقالاتي باسم الشخصي مازال الكثير منها منشورة في موقعي
المذكور (كوردستانا بنخي) الذي أشرف عليه حتى الآن، وفي الأنظمة الداخلية لمنظمات
سياسية.


س8. ومتى نشرت أولى هذه الكتابات؟

لقد بدأت بنشر
كتاباتي ومقالاتي اعتباراً من نهاية الثمانينات والتي كانت في أغلبها مقالات
سياسية. كما قمت بنشر رؤيتين لي في توحيد أجنحة البارتي، ونظمت ونشرت جداول بأسماء
المدن والقرى الكوردية التي طالها التعريب بلغت نحو 27 صفحة من الصفحات الكبيرة
.


س9. من من الكتاب العالميين والعرب
والكرد كانوا الأكثر تأثيرا عليك؟

ج9. لقد تأثرت كثيراً بفكر
المهاتما غاندي وفعالياته في تحريري شعبه من نير الاستعمار البريطاني.
هذا
وأستطيع أن أقول بأنني لم أتأثر بمجمل فكر أي مفكر بحد ذاته حتى أتخذه قدوة لي. بل
تعمدت ومنذ أن وعيت على الحياة على تناول ما يوافق قناعاتي الشخصية وما يتوافق مع
رؤيتي للحياة, ولسوف أستمر في الاستفادة من تجاربي الخاصة وتجارب الآخرين ورؤيتهم
في الحياة وما قد تظهر من نظريات ومفاهيم جديدة. فقد أصبحت الآن خلافا لما كنت عليه
قبل عقد من الزمن، وهكذا سأصبح عليه خلافاً لما أنا عليه الآن بعد فترات أخرى إن
كتب لي أن أعيش أكثر، حتى نعود إليه ( منها خلقناكم وإليها نعيدكم ثم نخرجكم منها
تارة أخرى). 
لقد استطعت أن أكون  لي شخصية مما استطعت أخذه من مجاميع أفكار كان
لها ما لها في مختلف الاتجاهات الفكرية والثقافية , وحتى المتخالفة, ومازلت بحاجة
إلى الكثير الكثير من الصقل.


س10. وماذا عن القراءة والكتابة بلغتك
الأم؟

بدأت التعليم بلغتي الأم وفق الحروف اللاتينية في أواسط
السبعينيات من القرن الماضي. وأشرفت على إصدار مجلة  فصلية باسم منظمة أوربا
للبارتي وكانت تسمى أيضاً (البارتي) كنا نصدرها باللغتين العربية والكوردية، وأنا
من كان يشرف عليها كتابة وتدقيقاً وطباعة، وأنا من كنت أقوم بانتقاء وطباعة وتدقيق
مواضيع القسم الكوردي فيها. والتي بلغ عدد صفحات القسم الكوردي في أحد أعداده حوالي
أربعين صفحة من الحجم الكبير. كما كنت أشرف على إصدار البيانات التي تصدرها منظمة
أوربا باللغة الكوردية.
ـ أقرأ وأكتب بلغتي الأم بالحروف اللاتينية ولم أنشر بها
إلا في حدود إبداء الآراء والردود وردود الأفعال فقط.


س11. أما آن لك أن
تكتب مذكراتك الشخصية؟

ج11. أنت محق في ذلك لا سيما بعد أن بلغت من
العمر عُتياً.


س12. لم انصرفت عن كتابة الشعر
والأدب؟

ج12. في الحقيقة لم أشعر في بداية شبابي بأية
ميول للتوجه نحو الأدب والشعر. كان كل اهتماماتي منصباً على الرياضيات والعلوم
الفيزيائية. ولعل هذا ما أبعدني عنهما. علماً بأنني ترعرعت في كنف والد كانت كل
مجالسه غنية بهما، وكنت مِن مَن لا يفارق تلك المجالس، ومن ناحية أخرى لعلي لم أحسن
تقدير وظيفتيهما كما يجب في بداية شبابي.


س13. كيف تقوم العلاقة بين
المثقف والسياسي الكرديين؟

ج13. للأسف الشديد لا
أستطيع أن أقول عنها إلا بأنها علاقة غير جيدة، وغير متوازنة، ولا تصب في مصلحة
شعبنا المضطهد إلا قليلاً. فغالبية من يمتهنون السياسة الكوردي في أحزابها. يحاولوا
التحكم بها بكل الوسائل وهم من يعملون على إبعاد كل من لهم آراء لا تصب في  بقائهم
في الصدارة. أما الهواة منهم. فحدث عنهم بلا حرج. وأقل ما يمكننا أن نقول عنهم
بأنهم متخمون بأمراض اجتماعية. ووصوليون. 
أما مثقفونا الكورد فعلى الأغلب
يكتفون بنقد سلبيات سياسيينا في مقالات عابرة تجنباً لصدامات بينهم. وقد نجد بينهم
قلة مِن مَن يؤدون وظائفهم عن وعي وإدراك بالمسؤولية، وهم من دفعوا ويدفعون ضريبة
مواقفهم من المتحكمين بالسياسة الكوردية والنظام على حد سواء.


س14. ماذا
عن تجربتك الأولى مع موقع “كردستانا بن ختي”؟

ج14.
لقد كانت تجربة غير سهلة على الإطلاق. كان ذلك قبل حوالي 15 عاماً من الآن. حيث لم
أكن أعلم عن الإنترنيت إلا الشيء القليل. أما عن البرمجة فكنت جاهلاً فيها تماماً.
وأستطيع أن أقول بأن ما دفعني إلى إطلاق هذا الموقع هو شعوري بمسؤولية إيصال معاناة
شعبي الكوردي المضطهد بكل المعايير إلى من يمكنني الوصول إليهم، والدفاع عن
الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلى علمي لم يكن في ذلك الوقت سوى موقعين إلكترونيين
لكورد غرب كوردستان، وهما موقع “عامودا وقامشلو إنفو” على ما أتذكر. حاولت دون جدوى
أن استفيد من تجربة الأستاذ سروان بركو بحكم علاقتي مع هذه العائلة. حيث اضطررت إلى
أخذ دروس خاصة على نفقتي من مختصين ألمان في كيفية التعامل مع الصور وتعلم البرمجة
ورفع المواد إلى المواقع لإلكترونية.
فتجربتي في ذلك لم تكن تجربتي سهلة على
الإطلاق. وقد تمكنت من أطلاق مواد الموقع بثلاثة لغات. عربية . كوردية . ألمانية.
على مدى حوالي عشرة أعوام. لأبقيه أخيراً على العربية فقط. ودون أن يتحمل أي كان أي
شيء عني لا بالمال ولا بغيره.


س15. كيف تنظر الآن إلى دور تلك المواقع
الكردية التي لم تجد التشجيع من قبل المعنيين
كرديا؟

ج15. مواقعنا الكوردية في معظمها لم تستطع أن
تقوم بوظائفها المرجوة. إلا في الحدود الدنيا المطلوبة منها. لأسباب كثيرة أهمها
افتقارها إلى السيولة المالية، وإلى كوادر فنية، وإلى المهنية أيضاً”. فكيف بك وقد
أُطلقت الآن مواقع التواصل الاجتماعية مثل “الفيسبوك، وتويتر وغيرها. حيث اختلط
الحابل بالنابل فيها. لذا أرى بأن دورها سيضمحل إن لم تلقى الدعم المطلوب من جهات
مقتدرة, وهو ما أشك بحدوثه.


س16. هل تعتقد أن زمن هذه المواقع قد
ولى؟

ج16. أقول نعم إن لم تتلق دعماً مالياً ومهنياً
وثقافياً وفق المعايير المطلوبة، وهو ما أحبط من عزيمتي فلم أقوم بتجديد مواد موقعي
منذ حوالي أكثر من شهرين بالرغم من تسديدي لتكاليفه لسنة قادمة.


س17.
كيف تنظر إلى واقع الإعلام الكردي؟

ج17. واقع الإعلام
الكوردي يتأثر طرداً بواقع حال المسؤولين عن إطلاقها. سواء أكانت رقمية. أم ورقية.
أو كانت مرئية أو مسموعة وغيرها. فواقع إعلامنا هزيل في مجمله من النواحي الفنية
والمهنية، والدعم المالي الذي له أهمية كبيرة للغاية، وهو ما يخدم في مجمله أجندات
حزبية وإقليمية. إلا ما ندر، وقد بدأت قناة تلفزة روداو تتخطى الكثير من تلك
السلبيات والنواقص على أمل أن تصبح قناة مهنية . أتمنى أن يتم دعم غيرها من وسائلنا
الإعلامية الأخرى لتتخطى السلبيات الكثيرة نحو المهنية المطلوبة، وهنا أريد أن أوجه
إليه نظر المسؤولية الكورد لا سيما مسؤولي إقليم كوردستان. بأن عليهم أن لا يقتصروا
في توجيه إعلامهم نحو الكورد لوحدهم وباللغة الكوردية فقط. بل أن يخاطبوا بها
العالم وباللغات الحية. فعلى الأقل بتلك التي يتداول بها الدول الدائمة العضوية في
مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة.


س18. كلمة أخيرة تريد
قولها؟

ج18. أود أن أتقدم إليكم كاتبنا وشاعرنا
الكوردي. والمدافع عن حقوق الإنسان الأستاذ إبراهيم اليوسف على وقوع اختياركم علي
لإجراء هذه المقابلة. وبهذه المناسبة أتمنى على كُتابنا ومثقفينا أن يقفوا إلى جانب
قضايا شعبهم بعيدين عن التأثر ببعض السياسات الفاشلة لبعض من أحزابنا الكوردية التي
لا تتوافق مع مصالح شعبنا وأساسياته القومية والوطنية. وألا يكتفوا بنقد سلبياتها
بمقالات هزيلة فحسب. بل يقوموا بطرح بدائل مناسبة عن طريق فعاليات وندوات ملتزمة
وغيرها.
-ماذا عن دور”الملالي” رجال الدين في الثقافة
الكردية؟:
-بلا شك كان لرجال الدين الكورد (ملالي الكورد ) أدوار كبيرة ليس
في نشر الثقافة لدى أبناء شعبنا كالأدب والشعر والقصص والأمثال الشعبية فحسب . بل
كان لهم الدور الكبير في نشر التوعية الاجتماعية والسياسية والعقائدية بأساليبهم
الخاصة. كما كان لهم دور كبير في قيادة ثوراتنا الشعبية التحررية ومحاولاتهم
المستدامة لرفع الظلم عن أبناء شعبنا.
وإذا ما حاولنا أن نتلمس دورهم في
مجتمعاتنا عندما لم تكن للحكومات الحاكمة أية أدوار إيجابية في ذلك. فلسوف نقف
باحترام عند نشاطاتهم الثقافة بأنواعها ضمن مجتمعاتنا الكوردية سواءً في العبادات
أم في فتح المدارس “التي كانت تسمى بحجرات التفقيه في ذلك الوقت” وهم من استطاعوا
أن يمحوا بها أمية الكثيرين من أبناء شعبنا. ووو
ولكي يمكننا أن نوفيهم حقهم في
ذلك. يكفينا أن ندخل بيوت غالبية مثقفينا الحاليين ونسأل عن دور رجال الدين في
ثقافاتهم . أو أن ندخل بيوت سياسينا الكورد ونبحث عن تأصلها فيهم. فقد نجد بأن أغلب
آبائهم إما أن يكونوا من رجال الدين أو أن يكونوا من تلامذتهم، نذكر هنا على سبيل
المثال لا الحصرشاعرنا الكوردي جكرخوين والذي كان اسمه الحقيقي ملا شخموس. كاتبنا
الكبير سليم بركات. ملا حسن كورد. البروفيسور محمد صالح كابوري. البروفيسور فرهاد
سيدا. وحضرتك كاتبنا وشاعرنا إبراهيم اليوسف، والدكتور عبد الرحمن آلوجي.
وووو
ومن سياسينا وقواد ثوراتنا. شيخ سعيد بيران . بديع زمانه
الشيخ سعيد النورسي. قاضي محمد . ملا مصطفى البارزاني. وهم الذين لا يعدون ولا
يحصون.
عن بينوسانو

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…