أجل.. لابدّ من رجل يعلق الجرس بعنق القطة ..!!

علي شمدين

خلال لقاء مشترك أواخر الثمانينات من القرن
المنصرم بدمشق، مع كلا من السادة عبدالحميد درويش(سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي
الكردي في سوريا)، وكمال درويش (سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا/
البارتي)، وعصمت سيدا (سكرتير الحزب اليساري الكردي في سوريا)، وفي إطار مساعيهما
من أجل تحقيق المصالحة وتوحيد صفوف الحركة الكردية في سوريا، دعا الزعيمين الكرديين
الكبيرين (جلال الطالباني، ومسعود البارزاني)، إلى تجاوز الخلافات حول الشعارات،
والنضال الجدي من أجل تحقيق ما يمكن تحقيقه للشعب الكردي في سوريا.. 
وأكد الزعيمان للحضور في نفس اللقاء، بأنه وبالرغم من النضال المرير الذي خاضه
الشعب الكردي في كردستان العراق، والتضحيات العظيمة التي قدمها في سبيل شعار
(الديقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان العراق)، إلاّ أن الكارثة المرعبة التي
حلت به آنذاك إثر عمليات الأنفال والمجازر وتدمير آلاف القرى والقصبات على يد
الطاغية صدام حسين وزبانيته، لم تترك أمامهم إلاّ خياراً واحداً من أجل إنقاذ ما
يمكن إنقاذه من الفناء والضياع، فقد أعلنا في ذاك الإجتماع صراحة بأنه لم يعد
أمامهم إلاّالمطالبة فقط بالسماح لشعبهم بالعودة إلى قراه من جديد، والسماح لحركته
بالعمل السياسي ليس إلاّ.. 
وبالفعل أجروا في هذا الاتجاه حوارات فيما بعد مع
ذاك السفاح، وأداروا معه اللعبة السياسية بنجاح حتى تمكن الشعب الكردي في كردستان
العراق من إسقاطه شر سقطة ليستقر في مزبلة التاريخ، ونجح في تحقيق آماله في الحرية
والانعتاق، وإنجز هذه التجربة الفيدراليةالتي لم تعد تبعد اليوم عن حلم الاستقلال
إلاّ رمية حجر.
لم نذكر هذه التجربة إلاّ ليتعظ بها المضللون الذين قاموا مؤخراً
بحملة شرسة من التشويش على الموقف الذي طرحه الأستاذ عبد الحميد درويش خلال الندوة
السياسية التي عقدها بهولير بتاريخ (24/4/2015)، بحضور حشد واسع من السياسيين
والمثقفين الكرد وممثلي الأحزاب الكردية والكردستانية، عندما قال بأنه كان من الخطأ
رفض اللقاء مع رئيس الجمهورية بشار الأسد بداية الثورة السورية، وقال بأنه لابدّ من
العمل الجماعي الجدي من أجل إيجاد طريق إلى الحل السلمي..
وما قاله الأستاذ حميد
درويش في ندوته هو طرح قديم في مضمونه يجمع عليه الجميع من دون استثناء، ولكنه أعاد
تقديمه في ظروف جديدة، حيث بات الشعب الكردي في سوريا أمام كارثة حقيقية من التشرد
والجوع والحرمان، ومناطقه باتت أمام تغيير ديمغرافي خطير، وقضيته القومية تتعرض
للتقزيم بشكل لم يسبق له مثيل، كل ذلك بسبب نجاح النظام في دفع الثورة السورية نحو
العسكرة والحرب الأهلية، حتى بات الجميع يقر بفشل الحسم العسكري، وبأنه لا مناص من
القبول بالحل السلمي لهذا الوضع المأساوي في البلاد.
وبالرغم من هذه البديهية،
فأنه هناك من يحاول إجهاض مثل هذه الدعوات المخلصة من أجل الوصول إلى حوار حقيقي
بين طرفي الصراع، وإفشالها كما حصل في مؤتمر جنيف2، عندما حول المتحاورن في هذا
المحفل التاريخي إلى ساحة للمعارك الكلامية والشتائم والاتهامات، الأمر الذي دفع
برئيس الوفد الكردي الأستاذ عبد الحميد درويش للقول موجهاً كلامه للدكتور الأخضر
الإبراهيمي: من الواضح إننا لم نحضر إلى هنا للحوار من أجل إيجاد حل للأزمة التي
تمر بها بلادنا سوريا وإنما لتعميقها مع الأسف، وهذا ما يتمناه بكل تأكيد تجار
الحرب بين صفوف المعارضة وأمراء الحرب بين صفوف النظام، الذين يريدون لهذه الحرب أن
تطول على حساب دماء  الشعب السوري ومعاناته.
إنه من الشجاعة أن نظل متمسكين
بالحل السلمي، طالما ان الحسم العسكري وصل إلى طريق مسدود، بسبب التطورات الدولية
والإقليمية والميدانية، ولأن المجتمع الدولي أدار ظهرة لمعاناة الشعب السوري وتراجع
عن وعوده بالوقوف إلى جانبه ومساعدته في الخلاص من نظام البعث الإستبدادي، وانصرافه
نحو مصيدة مكافحة الإرهاب التي أوقعه النظام فيها.
 فإذا كانت هذه هي الحقيقة،
فإنه لابد لأحد أن يقف أمام مسؤولياته التاريخية تجاه شعبه وبلده، ويبادر بشجاعة
ليضع الجرس في عنق القطة كما يقول المثل الكردي، ويذكر الجميع بأنه لم يعد هناك
بديل سوى الدعوة إلى الحل السلمي الذي يعني في حقيقته الحوار مع الطرف الآخر دون
غيره، وكان هذا الرجل هو عبد الحميد درويش، كما فعله من قبل الزعيمان الكرديان مام
جلال وكاك مسعود..
30/4/2015 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…