فرض السلام على السوريين إنقاذٌ للنظام

 جان كورد   

 إن المجتمع الدولي الذي يصرّ الآن
على ضرورة فرض السلام على السوريين اليوم، قد ساهم بسبب لامبالاته بالتصرفات
المشينة للنظام طوال حكم البعث وخروقاته المستمرة في مجال حقوق الإنسان، حتى ظنّ
أنه مقبولٌ دولياً رغم جرائمه ومذابحه وإيغاله في العدوان على شعبه، قد ساهم في
ارغام الشعب السوري على اختيار القتال دفاعاً عن وجوده ومن أجل تحقيق طموحاته في
الحرية والدخول في الحرب التي أعلنها نظام الأسد عليه، وباستمرار المجتمع الدولي
في عدم اكتراثه بما يجري في سوريا منذ اندلاع الثورة الشعبية السلمية في عام
2011  وصَمِّ أذنيه عن سماع نداءات
الوطنيين والديموقراطيين السوريين المطالبين بوقف عدوان النظام على المتظاهرين
السلميين في شوارع المدن السورية، فإن هذا المجتمع الدولي يتحمل قسطاً كبيراً من
المسؤولية التاريخية بصدد المذابح التي تحدث في سوريا، ولا يعمل شيئاً عملياً لردع
مرتكبها الأساسي، الذي هو النظام الحاكم، العضو في هذا المجتمع وهيئاته ومنظماته
الدولية. 
إن وضع الدول الكبرى لمصالحها في
المنطقة فوق مصلحة الشعب السوري الذي ينزف دماً ويتشرّد بالملايين في شتى أنحاء
العالم وعدم اتفاق هذه الدول لأسبابٍ تتعلّق بألعابها الدولية ومساحات سيطرة كلٍ
منها في المنطقة لا يخالف أسس التعاون العالمي والتعارف بين الشعوب وميثاق الأمم
المتحدة الذي وُضِعَ لحماية الشعوب وليس لتحقيق مصالح هذه الدولة أو تلك فحسب،
وإنما يهدد الأمن العالمي ويتسبب في حدوث مشاكل متفاقمة في عالمنا، ولا يساهم في
تحقيق السلام مطلقاً، إنها أنانية الكبار وإفراطهم في حب المصلحة القومية الضيقة
على حساب التضامن الحقيقي بين الأقوام والأمم والشعوب، إذ ما كانت سوريا لتنزلق
إلى هذا المنزلق الخطير لو تصرفت بعض الدول الكبرى والإقليمية تصرفاً سليماً
وأخلاقياً حيال جرائم نظام الأسد وتدخلات إيران والمنظمات الإرهابية في الصراع
السوري.
 

واليوم، بعد الفشل الذريع للمجتمع
الدولي في الحد من إجرام نظام الأسد ضد شعبه، وكان قادراً على فرض إرادته الدولية
لولا تلك الأنانية وصون المصالح الاستراتيجية للاعبين
الدوليين والاقليميين، فإنه يدعو للمصالحة بين الشعب وقتلة أبنائه وبناته، والجلوس
مع المجرمين الكبار على طاولةٍ للنقاش وتبادل عبارات الاتهام الحماسية، ومن خلفهم
صور المآسي الفظيعة وخريطة سوريا في بحرٍ من الدماء وشعبها يعاني أوضاعاً كارثية.

 

أليست هذه دعوة لإنقاذ النظام
الذي يخسر الأرض في العديد من المواقع في شمال وجنوب سوريا؟ أليست هذه محاولة
للإبقاء على جمرة النار متقدة باستمرار في بلادٍ
دمرتها الحرب؟ أليس هذا هروباً إلى الأمام عوضاً عن القيام بعملٍ دولي أو إقليمي
حاسم لإنهاء طغيان هذه العائلة الأسدية التي تاريخها تاريخ مجازر وتعذيب ومعتقلات؟ 

 
لقد قتل الأسد الأب 50.000
مواطناً سورياً في مأساة حماه وقتل الأسد الابن أكثر من 500.000 مواطنٍ سوري في
حربه العدوانية هذه، بقصف مدنهم بالبراميل المتفجرة
وباستخدام الغازات الكيميائية وغاز الكلور السام وبإطلاق الصواريخ على الأحياء
السكنية والتعذيب الجماعي لأكثر من 10.0000 سوري، ثم يأتي مبعوثٌ للأمم المتحدة
ويطرح فكرة الحوار بين الشعب السوري وهؤلاء الذين حولوا سوريا إلى أنقاض ونسفوا
فيها كل أسباب الحياة الإنسانية والاقتصادية وتركوها قاعاً صفصفا. فهل هذا هو حق
الشعب السوري في الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان؟ 
 
إن فرض السلام بهذا الشكل المذّل
للكرامة الإنسانية ودون وضع السلاسل في أيادي المجرمين الكبار هو محاولةٌ يائسة
لإنقاذ نظام الأسد وليس الشعب السوري، الذي عليه
متابعة كفاحه مهما بلغت التضحيات. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…