كُردستانيات 8- الزنبرك

 ابراهيم محمود

  

يظهر أن أحزابنا الكردية من خلال ممثّليها
الذين لم تعد الكراسي المخصّصة لهم تكفيهم، لم تعد تقبل بوجاهات محلية روجآفاوية
ولا إقليمية. لم يعد لا الإقليم ولا المحيط به في مستوى حاجاتهم وتخاصماتهم
المتنامية، ليتوجب على أطراف دولية لزوم التدخل، لأن زنبركها الجمعي الذي بُرِم
كثيراً، تضخَّم هو الآخر، واحتيج إلى قوة أيد أكثر معرفة بحقيقة هذا الزنبرك
الكردي “، وهذا ما يتمنونه، ليكون في مقدورهم تجريب النوم في  فنادق من نوع آخر، وليذهب كردهم إلى الجحيم،
وإلا لما شممنا روائح الدخان ولا رأينا تصاعد ألسنة النار التي تشتعل في أجسادهم .

إنه ارتقاء آخر وآخر وآخر إلى مستوى ما بعد
العولمة، ليتمكن ساسة لهم خبرة مخضرمة بالعلاقات الدولية، من التعرف إلى وجوه
غريبة من نوعها، وجوه تكون هي الشعب، والخلاف يكون على تقاسم أرواح بنيه برعاية
الساسة أولئك .

ومن مهام الزنبرك أنه يصل بين يد تتحكم فيه
ومسنَّن في الداخل لضبط الساعة عند اللزوم، ومن المفترض أن تكون الساعة هي الشعب
نفسه، سوى أن تضخم الزنبرك أفقد الساعة هويتها، وغدا تحريك الزنبرك غاية في ذاتها
 
والملحوظ في هاتيك الأحزاب هو أنها اعتادت
التكيف مع أيد لا تتوقف عن تدويره على مدار الساعة، وأن قدرة الزنبرك الذي يخرج عن
صراطه يسهل خروجه وسقوطه، والإمكان الوحيد للحيلولة دون ذلك هو الاستمرار في فعل
التدوير، فلا يعود مهماً أي أيد هذه التي تمتد إليه، وتشد على حركته بإحكام
تأكيداً على أن ثمة حركة، لا يعود مهماً لها أن يبقى الاسم المميّز له ”
الزنبرك “، أو خلافه ” ميلاً ” أو أي شيء آخر، طالما أن الانصياع
الذي لا يُساوَم عليه لأيد تتنوع يصبح أهم ميزة له . 
 
ولو أن غيوراً على اسمه، على محوره، على
موقعه، على ما يبقيه محل اعتبار…الخ، في لائحة هاتيك الأحزاب، تملّكته حساسية كردية من
تطاول الأيدي، ومن دوام التحريك له، لما ” عشنا وشفنا ” هذا الانقسام
المتصاعد فيها، ورغم ذلك ما أكثر الذين ينتشون بملامسة أيد مختلفة الأجناس
والأنواع، الأحجام والمقاييس لهذا الزنبرك الذي يلخصهم، وأصبحت العلامة الفارقة
الكبرى فيهم هو كيفية إيجاد المزيد من التخلخلات، وربما بنوع من الاتفاق الضمني،
ليتسنى لهم الظهور المباشر تلفزيونياً، والتباهي بهذه الميزة ” الزنبركية
” الخاصة حتى أمام دعاتهم وحماتهم و” أنصارهم “، فيكونون مختلفين
في الطرق، ليزيدوا في تمزيق الشعب، كما يقول تاريخهم، ومتفقين فيما بينهم خارجاً،
وهنا يظهرون صادقين فيما هم عليه: أن يجعلوا شعبهم زنبركاً مسلَّمٌ أمر تحريكه لكل
من لديه رغبة حارة بذلك دون السؤال عن لغته ومغازيه، وأن يكونوا على نهجهم القويم
زنبركاً ولا تنازل عن الزنبركية، وليقدِم أي كان إن أراد على التحكم في حركته، إلا
أن يفقد هذه الصفة. تبعاً لهذا التصور، ما أسهل رؤية الكرد ” الغلابة ”
منذ زمن طويل نسبياً، وقد جرّدوا من إرادة الحركة الذاتية: قياماً وقعوداً،
وحوّلوا إلى زنبرك، وهُم محل مديح ِمن أحالوهم هكذا، طبعاً، لأن الزنبرك ينتمي إلى
عالم اليوم، عالم الحداثة: الميديا الذكية، وهذا أقصى ما يتمناه المعنيون بمصير
هؤلاء ” الغلابة: الكرد “، ولأنهم هم أنفسهم قد استشعروا الراحة الكبرى
لمن قبِلوا بهم زنبركاً، ليشار إليهم، بقدر ما يجري التنبيه إلى أهمية تشخيص كهذا،
على أنهم داخل التاريخ، ويمكن إبرازهم في أي لحظة، انطلاقاً من الطواعية المطلقة،
أم تُرى هذا القول لا يتفوه به إلا من جعل نفسه زنبركاً في أيد ” غريبة-
مشبوهة- معادية…الخ ” ؟، وهذا غير مستبعد على الإطلاق، إذ يستحيل وجود من
” يزنبرك “غيره إن لم يكن هو من حيث المبدأ المشدَّد عليه الزنبرك
الأكبر، ولا بديل عنه، أم علينا ذم الذين يريدون زنبركتنا ” جعلنا زنبركاً
” فقط ؟ من ليس زنبركاً ليس منا . يا للكردية المفجوعة !
 دهوك
 27 نيسان 2015

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…