كُردستانيات 7- الصحـ «ـآ» فة الكردية

 ابراهيم محمود

ولِدت الصحافة الكردية في المنفى، ويظهر
أنها ستبقى في المنفى، وستظل بعيداً ليس عن موطن الآباء والأجداد فحسب، وإنما عن
الصفة التي تُعرَف بها وهي في مكاشفة المغيَّب والمتكتَّم عليه هنا وهناك، وربما ما
كانته الصحافة هذه وهي وليدة المنفى، مع تأكيد بيان ولادتها ” المصري- القاهري
أولاً “، من اعتبار، أفضل بكثير مما تكونه وهي الآن تتهجى بالكردية في أرض الآباء
والأجداد، مقارنة بالمستجدات، كما لو أن الكرد وعبر أولي أمرهم يحسنون رؤية وجوههم
القومية أكثر وهم أكثر تعرضاً للعسف والشتات.
ما كانته الصحافة الكردية في طلعاتها الأولى هي في حنينها إلى الكردية وهي من لحم
ودم، إلى الكيان السياسي والثقافي، إلى أصداء تهجئة ألفبائها على ألسنة تلاميذ
المدارس وفي الاحتفالات العامة، رغم أنها لم تكن تخلو من منغّصات فئوية: مشيخية، أو
زعاماتية، ولكن الرهان الكردستاني بقي في مقام حبْل السرَّة الذي يصل بالداخل، ورغم
التحديات الكبرى لها.
نحن الآن نتحدث من أرض الآباء والأجداد، وتنفسنا الصعداء
منذ حين من الدهر، كما لو أننا بشّرنا من تحسّروا على هذه اللحظة المرتقبة وهي
بمثابة الحلم ” المقدَّس “، وأننا نعلِمهم بأن اللحظة هذه تشير إلينا، وما في ذلك
من مبعث فخار وزهو.
إنما ما لا يوضع في الحسبان، هو أننا نسينا أو تنسينا ما يجب
أن تكون عليه هذه اللحظة قيمياً، أن تكون كردستان أكثر تمثيلاً لمفهومها، ومطابقة
لجغرافيتها، أكثر تحرّراً من فتنة الزعامات التي تنامت في الفترة الأخيرة، كما لو
أننا بقدر ما نقترب من كردستان الواقع، نزداد بعداً، ليصبح الحلم مطروحاً في
الواجهة، كما لو أننا الكرد نشدّد على كردستاننا ونحن في المنفى، أو نكون ممثَّلين
بغيرنا، ولا نرى صورتنا ذات الدمغة الكردستانية إلا في مرآة ” الغريب ” !
بصدد
الصحافة الكردية التي أصبحت مناسبة دورية: سنوية، كغيرها من المناسبات الكردية
الطابع، وما أكثرها، تقليداً لمن لا يدّخرون جهداً في النيل منّا كثيراً، وربما لأن
الذين يشكّلون أولي أمر الكرد، وقد تكاثروا وتناثروا حتى خارج الحدود، يلحّون على
قدسية المناسبة وغيرها، ليس حباً بالصحافة ” صاحبة الجلالة “، وهي في مفهومها ”
المعطَّل هنا “، وإنما حباً في إظهار وجوههم لمن ينشدونها وهم يمدّون بظلالهم على
الجهات الأربع، وكأن مجرد التذكير بالمناسبة وإلقاء نتف من الكلمات تُحِق الحق
الكردي، وتزهق الباطل المعادي، رغم أن الحقيقة الوحيدة التي لا بد أن يتنبه إليها
أولو الأمر هؤلاء ومن يسيرون في الركاب، هي أن الشعوب الباحثة عن موطنها الجغرافي،
وولادة الذات القومية، لا تدخِل المناسبة، أي مناسبة في تاريخها اليومي وهي في صراع
متعدد الأبعاد مع الساعين إلى المزيد من التنكيل فيها، لأن ليلها موصول بنهارها،
والمناسبة تعني توافر المكان والزمان المستقرين نسبياً، أي يكون لدى كل منها ذلك
الكيان المعروف بحدود معلومة، وتكامل مؤسساتي، وعمران مدني، وفائض من الوقت الذي
يسمح بالاحتفال المناسباتي بوصفة تذكراً لما كان، وفاصلاً منشطاً وراحة والتقاط
أنفاس ..
كردياً، لا شيء مما ذُكر، ورغم ذلك، فإن الكرد ومن خلال المعنيين بهم،
يصرّون على أننا في الواجهة الجغرافية ومحط الأنظار، وأن لدينا كياناً سياسياً، أو
ما يشبه الكيان السياسي هذا، وكل ذلك صحيح، إنما الأدق هو أننا نشهد ومنذ حين من
الدهر الكردي انقسامات سياسية، وأن التذكير بعدد نوعي من الأسماء الخاصة بالصحف
الكردي، لا يعدو أن يكون خداعاً ذاتياً، حيث لما نزل نحتاج إلى ألفباء المجتمع
المدني، والذي يكون من أولى أولويات ولادة الصحافة الفعلية والتي هي نتاج المدينة،
والتنوع الديمقراطي الفعلي لأنشطة المدينة الموجهة إلى المستقبل .
يمكن أن نتحدث
هنا عن الصحـ”ـآ “فة الكردية، باعتبارها الصورة الشعاعية الدقيقة للجسد السياسي
الكردي ” المتجلّط “، وهو في غرفة ” عناية ” التاريخ المتشددة .
إذ لا يحتاج
قارئ الكردية أو المتابع للوضع الكردي، إلى كثير جهد، ليبصر بعينه مثل هذا الخلل
العضوي الاجتماعي السياسي، حيث كل عضو فيه يحتكر مجمل الجسد إجمالاً، وما يترتب على
إجرائه من عطب بنيوي، وفي الحالة هذه، ليس على الصحافة، وكاسم، إلا أن تكون مخلصة
لما تعرَّف به، لتبقى مكتومة الأنفاس، لأن أشياء كثيرة يُحظَّر عليها ذكرها، وهي من
صُلب مهامها، وإلا فما معنى ” صاحبة الجلالة “: اسماً ومهاماً ومكانة ؟! 
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…