الإعلام الكُردي: مكمن العلة

حسين جلبي

  

لا يحتاج المرء للبحث كثيراً عن السبب في عدم وجود إعلام
كُردي حقيقي يتمتع بالمهنية و الحيادية، ذلك أن الواقع الإجتماعي الكُردي و ما
يتفرع عنه من استطالات سياسية و اقتصادية تجعل من الإعلام، شأنهُ شأن الكثير من
الحقول الأُخرى عملاً عادياً يتم قبول الأصحاب و الأهل فيه على حساب الكفاءة و
الحرفية، ليقوم هؤلاء الموظفون بتقديم ما يرضي حاضنتهم الإجتماعية و السياسية و
حتى العشائرية، مع الخضوع لشروط الممول الذي يكون حزبياً غالباً، هذا مع وجود
استثناءات قليلة لا تستطيع أن ترفع رأسها لتطال أشعة الشمس بسبب كثافة أوراق
الغابة التي تحجبها عنها.

و الحقيقة هي أن هناك مواهب كثيرة و هنالك كفاءات، لكن الواقع
المر هو أنهُ يجري طردها أو تطويعها لتلائم سوق العمل الخاص بكل جهة، و إذا ما
سمعنا اسماء قنوات فضائية أو مواقع الكترونية أو صحف كُردية فسنعرف فوراً اتجاهها
و طبيعة أخبارها و حتى هوية ضيوفها و آرائهم التبريرية قبل الإستماع إليهم حتى في
حال وجود وقائع جديدة، و رغم وجود بعض الاسماء القديرة في بعض تلك المؤسسات إلا أن
هناك سقفاً محدداً و خطوطاً حمر تضيع بسببها الموهبة و تجعل من الإعلامي، و مهما
حاول أن يبذل من محاولات جزءاً من الماكنة الإعلامية و في خدمة هدفها. 
 
رغم وجود تمويل جيد في بعض الحالات و خاصةً في السنوات
الأخيرة، إلا أن الانتاج لا يختلف كثيراً بين وسائل الإعلام التي قد يعمل لديها جيش من الإعلاميين و تلك التي
تعمل بأدواتها الذاتية البسيطة و بشكل غير محترف مع اعتمادها على كادر صغير، ذلك
أن معظم وسائل الإعلام الكُردية تلاحق وسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ خاص، و
تعتبرها مصدراً أساسياً لها، و تبني على ما يرد فيها.
 

تجري في المناطق الكُردية السورية في السنوات الأخيرة تحولات
كُبرى مثل المنطقة كلها، فهناك التهجير القسري الممنهج بوسائل شتى و ما يترتب عليه من تغيير ديمغرافي
عميق، حيث يقوم النظام من خلال تواجده الواضح و الصريح في قلب المنطقة بإدارته، و
ثمة عشرات الشابات و الشبان الكُرد يفقدون حياتهم بشكل شبه يومي دون أن تساهم
تضحياتهم في تغيير أقدار المنطقة، و هنالك سرقات لأملاك عامة و خاصة واضحة للعيان
و تقدر بالملايين جعلت من بعض المهمشين و عديمي الكفاءة من أصحاب الملايين في ليلة
و ضحاها، لكن الإعلام الكُردي و خاصةً المحلي منه، و هو شاهد عيان على ما يجري لا
يقترب من مثل تلك الملفات الخطيرة بل ينشغل غالباً في تسليط الضوء على نتائجها،
كتناول أخبار المصاعب التي يواجهها المدنيون خلال رحلة لجوئهم دون فتح ملف فرار
الناس من بيوتهم، و كالإنشغال غالباً في الخلافات المزمنة لعشرات الأحزاب الكُردية
و انشقاقاتها و الأقاويل التي تثيرها حول نفسها. 

 
إن أخطر ما يواجه الإنسان، و الإعلامي بشكل خاص هو قيامه
و نتيجة ظروف القمع و الخوف بوضع رقابة ذاتية على نفسه و وضع خطوط حمراء لا يعود باستطاعه و مع مرور
الوقت تجاوزها، حيث تكتسب تلك الخطوط، و مع مرور الأيام القداسة و تصبح حيطاناً و سقفاً
لا يعود من سجن نفسه داخلها من تنفس الهواء النقي و رؤية ما هو خارجها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…