كُردستانيات4- آه ٍ منّا نحن الحَمير.. !

 ابراهيم محمود
  

ما أن يبصر أي قارئ هذا العنوان حتى يقع في
المحظور. لن أوضّح المقصد، وإلا لتضاعف المحظور. إنما حسنٌ، فلا يغيظن أحد تجاه
المثبَت، فأنا رددته مراراً وقرأته مراراً، ولا بأس من تخفيف الرابطة، حيث خطاب المتكلم
جمعي ” نحن “، وهذا يؤاسي قليلاً، ومن جهة أخرى، وجرّاء اهتمامي بهذا
الكائن المهجّن: الأهلي والبرّي، توصَّلت إلى حقائق جمَّة، ولا أظنني كنت السبّاق،
إنما الذين اهتموا به وكتبوا حوله وباسمه الكثير، هم من كانوا قبلي، وأكثرهم
” عزيز نسين “، ولعله الرائد في هذا المجال، وهو يعمّم الحكم ” نحن
الحمير ” ! ها بدأت القراءة جمعاً مجدداً.. هل نحن.. نحن الكرد أفضل من
” نحن: عزيز نسن ” ليطلق العنان لخياله الأدبي وعلى مطية حمارية وبوديعة
فنية حمارية ويعرّفنا بأصناف حمير تجهل حقيقتها ؟

أن يكون أحدنا واعياً، يعني ضمان بقائه إنساناً. أن يكون قادراً على التفكير وتمييز
نفسه عن سواه، يعني ذلك قابلية استمراره ذا مكانة واعتبار كذلك في وسطه الاجتماعي
وأكثر، أن يكون مبدعاً وباحثاً عن المفيد، يعني دخوله التاريخ من أوسع أبوابه..وعمر
الإنسان بما يقدّم ويوفّر لنفسه ولمن حوله، ليكون له اسم.. تذكروا ما معنى قول
أحدنا عن سواه، وهو في معرض مدحه تقديراً له ” xwedî nave: صاحب اسم “، ومن منا
يعدَم اسماً ؟ هنا حط الجمّال: لا يكفي أن يكون لك اسم لتعرَف به، هنا يكون الكم،
الشكل، يبرز الحضور الفعلي والمعتبَر محكاً، هنا يتأكد النوع، المحتوى .
ولا
أدري لماذا هذا التحامل على الحمار. لا بد أن فيه مزية أكسبته قيمة حيوانية يُحسَد
عليها، ربما من لدن كثيرين حتى لو كانوا من خانة” الحيوان الناطق “، فهناك ” الحمار
” لغونتر ديبرون الألماني، و” حمار الحكيم ” لتوفيق الحكيم، إلا أن المتفوق وكاسب
الرهان الحماري هو عزيز نسن في ” رسائل حمار ميت ” و” آه منا نحن الحمير
“..الخ..ولعله نال صيتاً بفضل الحمار الذي تماهى معه كثيراً ليتمكن من اكتشاف
الإنساني فيه كثيراً، لا بد أن ” شعبه ” التركي كان فرحاً بما خصه به، لأن ثمة
قلباً ينفطر إزاء بؤس يعيشه ولا يحسن الخروج أو إيجاد المخرج، فتكون لغته وباء
عليه، وشكله وباء عليه، وإرثه وباء عليه..وكأن تاريخ تركيا المدوَّن هو صراعها مع
نفسها الحمارية وكيفية استعادة بعدها الإنساني ، ولا بد أن تركيز نسن على هذا
الجامع الوحشي والأهلي هو من الأسرار الكبرى لنبوغه العظيم .
ماذا عنّا نحن
الكرد ؟ أي لغة نتهجاها، ونتوخاها، ونحياها ؟ هل لدينا لغة ” فاضلة ” تحفّزنا على
التلاقي، ومعرفة ما يفيدنا لنكون أهلاً لدخول المدينة، وليس متاهة الصحراء، ارتقاء
جبلنا الذي لطالما نعرَف به، وهو مبتل ٍ بنا، وليس الحضيض الموبوء، الإصغاء المحترم
إلى بعضنا بعضاً، وليس التباهي بصمم جاهدنا كثيراً ليكون مزيدة محمودة لنا،
الاعتراف بتلك الصدوع التي تلتهمنا / تغور بنا، ونحن نشدد على أن البقاء في
المنافقة والمصافقة والزئبقية..الخ، أفضل وسيلة لتحقيق الذات، على حساب الواجب
توافره لنحسن تأكيد اسمنا الفعلي، ونكسب حتى ثقة أعدائنا بأهميتنا ؟ فلا يكون لنا
ذنَب قياسي يلتف حول أرجلنا وأعناقنا، ويعيقنا حتى في المشي العادي، ويتعقف الحافر
داخلنا “يصبح معقوفاً ” حتى لا يعود في مقدورنا التقدم، وتطول كما تعرض كما ترتخي
آذان لنا، فلا نعود قادرين على رؤية الطريق والتقاط الأصوات ..
 أن نمعن النظر
في الكائن الحماري الذي ننفر منه وهو يتثبت صورةً وحضور معنى فينا، هو الذي يعيننا
في مكاشفة حقيقة ما نكون عليه، ومن يكون الأكبر والأكثر إثارة للغبار وتلويحاً
لذنبه لسواه، واختزال كلماته في عدة كلمات .
ثمة ميزتان يتم التركيز عليهما في
الحمار وأنثاه، لا يدَّخر الكثير منا جهداً في الإشارة إليهما، إنهما عضواهما . هل
تبيّن المعنى لمن لفت نظره هذا القول ؟
بقي أن أعترف أنني كثيراً ما أتساءل: ما
الذي جعل أنكر الأصوات صوت الحمار، بمفهومه الديني ؟ هل كان ذلك لحظة نسيان الحمار
ما آل إليه أمره وهو قاب قوسين من الوقوع بين أنياب ومخالب الذئب ” بطل القصة
المألوف بيننا وفي تاريخنا ” ، وقد تبلبل عليه وضعه وكان قبل ذلك يوهم ” نفسه ”
الحمارية أن كل ما يتردد إلى نطاق أذنيه الكبيرتين، لا يعدو أن يكون هواء يصفر، فما
كان من لغته إلا أن اُختزلت بدورها وهو مصعوق إلى : هااه هااه .. وعلى ذمة كاتبنا
المبدع عزيز نسن ..اقرأوا قصته تعرفوا ذلك!
هل يُطلب منّي أن أدخل في التفاصيل ؟
سأتوقف هنا، وأنا على مشارف : هااه..هااه ..
آه منّا نحن الحمير ..إنها.. تلك
قصة للحمار الكبير عزيز نسن ولمن تحدث عنه هنا..حاشاكم من كل حميرية يا بني جلدتي
طبعاً …؟؟!!!!
التفتوا وراءكم قليلاً إذاً، وانظروا من يستعد للانقضاض عليكم
..!
دهوك 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…