محاربو الله وولاته في إيران

أحمد اسماعيل اسماعيل

يخطئ من يظن أن الأساطير التي
كانت ديانة الناس وفلسفتهم في زمن موغل في القدم قد ولت واندثرت مع انقضاء زمنها،
وخاصة في مجتمعاتنا الشرقية، التي مازالت أساطير الأولين، تتجلى في هذا المجال
الحياتي أو ذاك، وإذا كان وجودها طبيعياً وسط شرائح المجتمع الفقيرة والمتخلفة،
التي يمتزج لديها الدين بالأسطورة بالعرف بالخرافات، فإن ما هو غير طبيعي، بل أكثر
مما هو غير طبيعي وأبعد، أن نجد لدى الطبقات العليا، وخاصة الحاكمة منها،حضور
الأساطير في أكثر من مجال وحالة.
وقبل أن نُتهم بالتجني على الأسطورة وما كانت تمثله في زمنها، من دين في أزمان
قديمة، وما يشبه العلم في الأزمنة الحديثة، لابدَّ من التأكيد على أن استخدامها
بمعزل عن زمن نشأتها، ومكانها، ساهم ويساهم، في عملية إفراغها من محتواها
ودلالاتها، فإعادة عملية تتويج الفراعنة الجدد حديثاً، تمثل اختزالاً لأسطورة كانت
تعتبر حينها بمثابة عهد جديد للمجتمع والطبيعة، بل للكون، ومسخها إلى مجرد مجموعة
من الطقوس.
وإذا كانت الأساطير تستمر عادة، بهذا الشكل أو ذاك، بالتمويه مثلاً،
فإن ما يحدث في إيران بعد ثورة الخميني سنة 1979 من ممارسات للحكام، أو الولاة،
ليمثل خير تجسيد لطقوس أساطير أصبحت معاصرة،  
إذ أن الله الذي أوكل أمر محاربة
أعدائه في إيران المعاصرة، وذلك بعد انتصار ثورة الخميني، لولاة “تقاة ثقاة”،
إصلاحيين ومحافظين، والذين قد يختلفون في كل شيء إلا في طرائق محاربة “أعداء الله”.
لا يختلف في شيء، وكما هو واقع، عن أسطورة الإله الهادئ، الذي تحدث مرسيا ايلياد عن
وجوده لدى بعض الشعوب القديمة: إلهاً خلق الكون واستراح، تاركاً أمر حراسة خلفه
والدفاع عنه لكائنات بشرية وغير بشرية، منها من هو شرير ومحافظ ومنها من هو إصلاحي
و”خيّر”.
أعداء الله في إيران:
تقتضي الموضوعية منا، والأمانة، التأكيد على
عدم انفراد ولاة إيران بمحاربة أعدائهم “أعداء الله”، فكم من سلطة أنزلت أقسى
العقوبات بحق معارضيها بتهمة: محاربة الشعب، أو الشرعية، أو الحق، وهي في كل هذه
التوصيفات لا تعارض ما ذهب إليه ولاة إيران في ماهية أو طبيعة تهمة “محاربة الله”. 
 فمن هم هؤلاء المحاربون لله؟ والذين يستحقون أن ينالوا أشد العقوبات، كالإعدام
حتى الموت، والتي نالت إيران بسبب استخدامها الزائد لها، وبأساليب اعتبرت أكثر
فظاعة، وقسوة، المرتبة الثانية عالمياً، بعد الصين.
بالعودة للأسطورة مرة أخرى،
ولكن هذه المرة للأسطورة الإغريقية، والتي خلقت آلهتها على شاكلتها، تغضب وتنتقم،
وتغتصب وتأكل وتعقد التحالفات مع هذا البطل أو تعارض ذاك، حتى لو كان نبيلاً، مثل
هيبوليتس، أو مضحياً ومحباً للبشر مثل برومثيوس، الأمر الذي جعل الكاتب المسرحي
أسخيلوس”المتدين” يصرخ متحدياً زوس رب الأرباب، وذلك بسبب ما أنزله من عقوبة قاسية
بحق برومثيوس بتهمة سرقته للنار من مجمع الأولمب، مسكن الآلهة، وتقديمها للبشر إذ
قال:(إن سيادتك الحديثة قاسية عاتية) صورة لا تختلف في شيء عما يحدث واقعياً في
إيران، والتي تعاقب باسم الله، كل من يقدم شعلة الحرية للناس، أو يطالب بها، مثقفاً
كان أم سياسياً.
فكل التقارير الدولية والمحلية الإيرانية تؤكد على أن غالبية
“أعداء الله” في إيران، والذين يتم إعدامهم بأمر من ولي الفقيه، بطريقة السحب
للأعلى وكسر الرقبة التي تعتبر إحدى أبشع أربع طرق للإعدامات في العالم، هم من
المثقفين المتنورين واليساريين المنضوين في أحزاب فارسية، أو السياسيين في أحزاب
ومنظمات قومية غير فارسية: كردية و عربية، بلوشية و تركمانية. ممن يطالبون بحقوق
قومية معينة لأبناء جلدتهم، أو من أبناء المذهب السني. المطالبين بالتعامل معهم على
أسس المواطنة لا المذهب، والسماح لهم بحرية أوسع في ممارسة شعائرهم أسوة بأبناء
المذهب الشيعي الرسمي، إضافة إلى متهمين آخرين، نساء وفتيان صغار وأيضاً جناة
حقيقيون، تجار مخدرات ومتعاطيه وسراق وقتلة.. وإن كان الكثير من هؤلاء لا ترقى
عقوبة ما أقدموا عليه من جرم إلى درجة الإعدام.
في تقاريرها السنوية تؤكد منظمة
العفو الدولية، وكذلك منظمات إنسانية أحرى، على عدم الاختلاف البين في حكم إيران
بين محافظ وإصلاحي، لا من ناحية عدد الضحايا، وهويتهم، ولا من ناحية طبيعة
الاتهامات الموجهة لهم، فلقد ورد في تقرير الدكتور احمد شهيد الخاص للأمم المتحدة:
خلال سنة واحدة من عمر حكم الإصلاحي حسن روحاني إن عدد ضحايا عقوبة الإعدام بلغ
 700 شخص. بينهم عدد كبير من الأطفال تقل أعمارهم عن 18 سنة. ليتزايد العدد في
السنة التالية، دون أي اختلاف أو تمايز مع فترة حكم المتشدد أحمد نجادي، ناهيك عن
الأعداد الحقيقية غير المعلنة رسمياً، وكذلك أعداد الضحايا ممن ماتوا في أقبية
السجون تحت التعذيب لأسباب ليست كلها جنائية،بل، وحسب منظمات دولية وحقوقية، ثقافية
وسياسية وفكرية. 
هي سياسة لم ترتق إلى أن تسوس الناس بينهما، بين المحافظين
والإصلاحيين، ولو في لعبة تبادل الأقنعة، كما في زمن تاريخي سابق، ولدى حكومات دول
كثيرة ، ليكن الأمر: واحد منهما للشدة والآخر للين، ولكن..عبث. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يبدو التدوين، في زمن باتت الضوضاء تتكاثر فيه، وتتراكم الأقنعة فوق الوجوه- لا كحرفة أو هواية- بل كحالة أخلاقية، كصرخة كائن حرّ قرّر أن يكون شاهداً لا شريكاً في المذبحة. التدوين هنا ليس مجرد حبرٍ يسيل، بل ضمير يوجّه نفسه ضد القبح، حتى وإن كان القبح قريباً، حميماً، أو نابعاً من ذات يُفترض أنها شقيقة. لقد كنتُ- وما…

عبد الجابر حبيب ـ ذاكرة التهميش ومسار التغيير بعد عقدين من اندلاع الأزمة السورية، وتحوّلها من انتفاضة مطلبية إلى صراع إقليمي ودولي، ما زال السوريون يتأرجحون بين الحلم بوطن حر تعددي عادل، وبين واقع تمزقه الانقسامات، وتثقله التدخلات الأجنبية والمصالح المتضاربة. سوريا اليوم لم تعد كما كانت، لكن السؤال يبقى: إلى أين تسير؟ وهل ثمة أمل في التحول نحو…

حوران حم في زوايا الحديث السوري اليومي، في المنشورات السريعة على مواقع التواصل، في تصريحات بعض “القيادات” ومواقف فصائل تدّعي تمثيل الثورة أو الدولة، يتسلل الخطاب الطائفي كسمّ بطيء، يتغلغل في الروح قبل أن يظهر في العلن. لم تعد العبارات الجارحة التي تطال الطوائف والأقليات، والمناطق، والمذاهب، تُقال همساً أو تُلقى في لحظة غضب، بل باتت تُصرّح جهاراً، وتُرفع على…

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…