الخطاب التخويني لدى بعض الكرد للكرد

مروان سليمان
  

إن تخوين مجموعة أو حزب أو مجتمع
ما بمجرد إختلاف في الرؤى يعتبر جريمة كبرى، و لا يرتكز لأي أساس وطني أو قومي سوى
أنها إجتهادات خاصة و شخصية و إنتقائية مع تشحين ذاك الخطاب ببهار عاطفي مع مخالفة
أبسط قيم الوطنية و القومية و خاصة في ظل الأجواء و الإضطرابات السياسية المتوترة
داخل الوطن. و طالما نظر البعثيون الجدد لتلك المفاهيم و الرؤى فإنها تتشبع
بكراهية الآخرين و تخوينهم، لا بل و التخطيط من أجل القضاء عليهم، ووجدوا ضالتهم
في ظل هذا الصراع الفوضوي و استغلال السلطة بشكل سئ النظر إلى الآخرين بشكل مروع و
وصل الحد للإستهانة بحياة الآخرين بالإستناد على مفهوم النظرية الأحادية و القائد
الأوحد و الفكر الواحد و على هذا الأساس تم إدانة المجتمع بأكمله حتى وصل الحد إلى
ترسيخ ذلك الفكر بالقوة و من هنا فإن البعثيون الجدد في ممارساتهم لقمع الشعب و
إعتقال المواطنين لا يكترثون بالمسببات و التخوين لم يكتفوا به عند الأحزاب
السياسية على الساحة الكردية بل تعدى ذلك المواطنين الأبرياء أيضاً.

وكإننا اليوم أمام عصر جاهلي أو
لنقل عصر ظالم يظلم فيه الجاهلون كل ما حولهم من عقائد الناس و أفكارهم و ثقافتهم
و حتى يتحكمون في عمليات الشراء و البيع و القوانين التي يسيرون عليها خاضعة لسيطرتهم،
إنهم جماعات مدانة لا تصنف بأنها من المطالبين بالحقوق الوطنية و الشعبية إلا
بالعودة لما يطلبه الشعب الكردي و الإقرار بمصلحة الشعب الكردي و حقوقه المشروعة
في إقامة إدارته أو حتى كيانه القومي و الرجوع إلى مرجعية و حاكمية الشعب بدل
عبادة الفرد كشرط أساسي للإنخراط في المجتمع الكردي مستقبلاً و إلا فإن مصيرهم سوف
يكون الفشل و الإحباط كما في السابق لأنهم من خدام الأنظمة و حماياتهم.
 

إن من يبني الأمة الديمقراطية
ينبغي أن يعرف أصول الديمقراطية و تطبيقاتها و كذلك من يدير منطقة ما يحافظ على
مواطنيه من شرور الأعداء و
يهتم بأمور المواطنين أكثر من الإنشغال بالسلطة و التهديد و الوعيد و التهجير و
التفريغ و تنصيب الجهلة و الأميين و الإعتماد على الغرباء في إدارة المنطقة ، إذاً
عليهم أن يعودوا إلى رشدهم في إتخاذ الكردايتي منهجاً و هدفاً حتى و إن كانوا
يدعون أنفسهم بذلك و تشهد لهم شهادات الميلاد بذلك يجب أن يعلموا بأن الكراديتي
يعني الإقرار به في قرارة النفس و الضمير أولاً و الشعائر و الدفاع من أجلها، فقط
من أجلها بمفهوم حقيقي لا جدال فيه و لا تأويل من أي كان سواء أكان قائداً أم
مقاتلاً سموهم بما شئتم فلن يغير من المعادلة شئ.

 

لا يمكن أن نقيم مجتمعاً
متسامحاً في ظل خطاب تخويني يعتبر كل من ليس معهم خائناً و جاهلاً تجري عليه أحكامهم
الكيفية و المزاجية و التعامل
معهم على أساس أنهم خونة و يجب طردهم إلى خارج الوطن أو رميهم في المعتقلات، إن
هؤلاء لا يرضون بالشراكة و يعتبرون الوطن ملكاً لهم يتصرفون به كما يشاؤون و
يستبدلون قوانينه حسب ما يرضي القائد و الحزب، أما الباقي في نظرهم فهم جهلة و
خونة لا يجوز التعامل معهم و هم عبارة عن أدوات بيد الخارج كما يدعون و أسقطوا
جميع النظريات و لكنهم حافظوا على نظريتهم الجديدة و التي هي عبارة عن الأمة
الديمقرطية،ومن هنا يجب علينا أن نكون بالقدر الكافي من الحذر و كيفية التعامل مع
هذه العقليات الحجرية التي لا تقبل النقاش و الجدال.

 

إن من يسعى لحماية الوطن و أمن
المواطنين و يحارب المتطرفين يجب عليه أن يحارب لغة التخوين و التحريض و أن يخرج
من نطاق الولاءات
الحزبية الضيقة و التقيد بعبادة الأوثان و الأشخاص و أن يتعامل بلغة الحوار و
المنطق لغة جمع الشمل و الوحدة ليكسب الشعب بدلاً من جلادي الشعب و ليكسب الأوطان
بدلاً من السجون، و إلا فلماذا تدعون الحزن و الألم بعدما تفشلون جميع الإتفاقيات؟
و لماذا لا تفرحون الآخرين معكم في الإنتصارات بتبييض سجونكم على الأقل؟ لماذا لا
نتقارب بصدق إذا ما كانت تجمعنا رابطة الدم و اللغة و الوطن و الأرض؟

 10.04.2015

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري في رياح السياسة العاتية التي تعصف بأطلال الدولة السورية، يبدو أن الاتفاق الموقّع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام (هتش) لم يكن سوى وميض برقٍ في سماءٍ ما لبثت أن اكتظت بالغيوم. فها هو مؤتمر قَامشلو الأخير، بلغة ملامحه المضمرة وتصريحاته الصامتة أكثر من الصاخبة، يكشف عن مكامن توتّرٍ خفيٍّ يوشك أن يطفو على سطح…

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…

صالح جانكو حينما يتوهم القائمون على سلطة الأمر الواقع المؤقتة بأنهم قد شكلوا دولة من خلال هذه الهيكلية الكرتونية، بل الكاريكاتورية المضحكة المبكية المتمثلة في تلك الحكومة التي تم تفصيلها وفقاً لرغبة وتوجهات ( رئيس الدولة المؤقت للمرحلة الانتقالية)وعلى مقاسه والذي احتكر كل المناصب والسلطات و الوزارات السيادية لنفسه ولجماعته من هيئة تحرير الشام ، أما باقي الوزارات تم تسليمها…

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…