مؤسسات المجتمع المدني في سوريا (ضرورة أم موضة)

سلمان آل خليل

الحديث عن المجتمع المدني في سورية ليس جديداً، و لكن من خلال متابعة الواقع السوري في مختلف المجالات يتبين لنا أهمية و جدية هذا الموضوع، فالأحزاب السياسية الموجودة في سورية التي من المفترض أن تكون هي المعبر الحقيقي عن طموحات الجماهير و آمالها تحولت إلى مجرد إطار تجميلي للسلطة (أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية نموذجاً) مهمتها  التطبيل و التزمير و التصفيق للحزب القائد للدولة و المجتمع

و الأحزاب الأخرى الموجودة خارج الجبهة هي أسماء لغير مسمى، ليس لها رصيد جماهيري ، نتيجة عدم امتلاكها لرؤى و آليات تجعلها فاعلة و فعالة ، بينما الحزب القائد للدولة و المجتمع (الذي بيده مفاتيح الجنة ) أخفق في تحقيق التنمية الاقتصادية و العدالة الاجتماعية و التعددية السياسية، بل على العكس تم تغييب كامل للمجتمع في المشاركة السياسية ، و كأن حزب البعث اكتسب نظرية الحق الإلهي المقدس في الاستئثار بالسلطة ،أما على الصعيد الاقتصادي فقد هيمن حزب البعث على القرار الاقتصادي أيضا ً لتتركز الثروة في أيدي قلة من الناس، هم عناصر السلطة و من لفَّ لفّهم ، بينما يعاني غالبية الشعب السوري الفقر و الحاجة ،مع احتكار السلطة من قبل حزب البعث الذي أصبح الوكيل الحصري للحقيقة أيضاً، و كل ما عداه باطل تحت يافطة من الشعارات البرّاقة (الإصلاح – التطوير و التحديث ….الخ) من أجل الهروب من مستحقات بناء دولة القانون، و تبرير سياسات القمع و الامتيازات البيروقراطية ، كل ذلك أدى إلى اختزال مفهوم الدولة في مفهوم السلطة (السلطة هي إحدى عناصر الدولة و ليست كلها ، العنصران الآخران للدولة هما الأرض و الشعب ) إن الحديث الدائم عن التحول الديمقراطي و عن تفعيل القانون و تحسين الوضع المعاشي – مكافحة الفساد و قانون الأحزاب ما هو إلا ذرُّ الرماد في العيون ، النتيجة الدائمة لهذه الوعود و الأحاديث على أرض الواقع هي زيادة في أسعار المواد – ارتفاع نسبة البطالة – انتشار الفساد و الرشوة و المحسوبيات ، في كافة مفاصل الحياة العامة ، انتهاكات متزايدة  لحقوق الإنسان و قهر للحريات.
على ضوء هذه المعطيات يتبين لنا بجلاء واضح عدم استعداد الحزب القائد للدولة و المجتمع للقيام بأي إصلاح حقيقي، يساهم في تحقيق الديمقراطية ، لأن هذا الحزب يعلم أن النتيجة الحتمية لكل ممارسة ديمقراطية حقيقية ستكون النتيجة افتقاده لمركزه و منزلته كطبقة مسيّره ،و من ناحية أخرى ، مازال المجتمع السوري غير قادر على التفاعل الايجابي مع المفاهيم الديمقراطية، و غير مدرك بالارتباط الوثيق بين تحقيق الديمقراطية و تحسين واقعها المعاشي، و هذا ناتج عن التسلط و القهر الذي يعانيه المجتمع  السوري، الذي أصبح بحاجة إلى إعادة بناء من مختلف الجوانب (الاقتصادية – الاجتماعية – الثقافية – السياسية).
هنا يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني ، التي سوف تكون هي على الأرجح الحامل الاجتماعي للديمقراطية التي أصبحت ضرورة مستعجلة لا تقبل التأجيل في سوريا لمواجهة التحديات الخارجية ، الناجمة عن صعود الاحتكارات الرأسمالية المعولمة التي تسعى إلى نهب اقتصاد و أسواق دول العالم الثالث ، و منها سورية بطبيعة الحال, و التحديات الداخلية من الأزمات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التي يعيشها المجتمع السوري.
ان مؤسسات المجتمع المدني هي إحدى ركائز بناء الديمقراطية، كونها تساهم في نشر ثقافة بناء المؤسسات التي تعمل على تنظيم أفراد المجتمع و إيقاظ الوعي لدى أفراد المجتمع بمفاهيم حقوق الإنسان، و أهمية ممارسة هذه الحقوق في تطويره و تعميق الوعي الثقافي و الاجتماعي و السياسي، لان المجتمع المدني  يقوم بالأساس على قيم التسامح و المشاركة و التنوع و الاختلاف و الروح الجماعية و الشفافية، و تؤمن هذه المؤسسات بالنشاط السلمي في إدارة الصراع و الخلاف ، بذلك تساهم مؤسسات المجتمع المدني في ازدهار ثقافة مدنية ديمقراطية توجه سلوك الأفراد، مما يساعد على توفير الشروط الضرورية لبناء الديمقراطية كون مؤسسات المجتمع المدني قائمة على:
1- المشاركة التطوعية في العمل العام.
2- ممارسة نشاط جماعي هادف في إطار حقوق وواجبات محددة للعضوية.
3- التعبير عن الرأي و الاستماع إلى الرأي الآخر و المشاركة في اتخاذ القرار.
4- المشاركة في الانتخابات لاختيار قياداتها.
5- المشاركة في تحديد أهداف النشاط و الرقابة على الأداء.
عندما ينخرط الفرد في مؤسسات المجتمع المدني وفق هذه المعايير، فانه يتدرب عمليا ًعلى أهم مفاهيم و أسس الديمقراطية ، و يصبح مهيأً للانخراط في النشاط العام للمجتمع ،ليتحول هذا الفرد إلى عضو فاعل و مشارك في الحياة العامة للمجتمع،
إن مؤسسات المجتمع المدني تساهم في بناء الديمقراطية على مستويين:
1- ثقافي و تعبوي ، من خلال نشر مفاهيم الديمقراطية، و إشاعة ثقافة مدنية قائمة على احترام قيم العمل الطوعي، و أهمية العمل الجماعي و قبول الاختلاف بين الأفراد.
2- دور تربوي ، يتحقق من خلال الممارسة الديمقراطية في الحياة الداخلية لمؤسسات المجتمع المدني ،بذلك تساهم هذه المؤسسات في تأسيس  الوعي بالديمقراطية، و تأصيلها في الفكر و الثقافة و كذلك تأسيس الوعي بحقوق الإنسان و حريته و تأصيلها في السلوك الفردي و الجماعي، بالتالي إيجاد الأرضية المناسبة لصنع قوى ديمقراطية في المجتمع قادرة على الضغط على السلطة بالطرق السلمية و إجبارها على إجراء التحولات الديمقراطية ، بذلك تكون مؤسسات المجتمع المدني ضرورة اجتماعية و ليست موضة , يفرضها التطور الاجتماعي التاريخي السليم، إن المجتمع المدني و الدولة ليسا متناقضين بل متكاملين، لكن الدولة القائمة على القانون التي تحافظ على حرية الإنسان و حقوقه .
فالدولة و نقصد هنا (السلطة السياسية ) التي تحترم القانون لا تعرقل عمل مؤسسات المجتمع المدني بل تساعد على تفتحها، و مؤسسات المجتمع المدني تساعد الدولة في القيام بمهامها من خلال مراقبة الأداء و فضح السلبيات.
إن من الواجب إعادة بناء المجتمع السوري وفق الأسس المدنية ،فالمدنية يجب أن تكون الأساس لكل أبنية النسق الاجتماعي ، من حكومة مدنية و ثقافية مدنية و حقوق متساوية ، الكل يخضع للقانون في مساواة تامة بلا تمييز بسبب الدين أو العرق أو الجنس ، هو السبيل الوحيد لبناء دولة قوية متطورة تتماشى مع روح العصر و تواكب الحضارة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…