الهادي حميدي دهام الهادي

 ابراهيم محمود
قبل ثلاث سنوات تقريباً، اتصل
بي الأخ ياور حميدي دهام الهادي من ” تل علو ” وأنا في قامشلو، لحضور عرس ابنه: ابن
الشيخ، صحبة بعض الأصدقاء، ولكَم كان الاستقبال المشيخي لافتاً ومهيباً، ومؤثّراً
طبعاً، وقد أصبح ذكرى لها حفاوتها المتجددة في نفسي.
وتعمقت هذه الذكرى وأشرقت
معنىً، عندما تابعت، كغيري، تصريح حميدي دهام الهادي شيخ قبيلة ” شمَّر ” في سوريا،
البارحة بتاريخ 6-3-2015، على قناة ” روداو ” الكردية مساء، وهو ” يكذّب ” حرفياً، 
تصريح ناطق الائتلاف السوري السيد سالم المسلط الجبوري الأصل، بصدد مزاعم عن اعتداء
القوات الكردية في تل حميس وتل براك على العرب وأعراضهم وقتلهم وحرق منازلهم. كان
تصريح الشيخ في منتهى الوضوح والتوازن والدقة بامتياز.
ما صرّح به لا أظنه أساء إلى أحد، حتى بالنسبة للسيد المسلط بالذات، إذ في الوقت
الذي كذّب فيه مزاعمه، ليظهر للعالم، وبداية لأعضاء الائتلاف، أن الكرد لا يقلون
داعشية في الإعتداء على ” شعبه ” والنظام بالمقابل، وأن الخطر الكردي يجب أن يحضَّر
له بكل قوة، وما في ذلك من تهويل يترجم حقيقة وهم المسلط وطريقة تصوره للمختلف معه
اثنياً وثقافياً وحتى إنسانياً، برز الشيخ الهادي واضحاً في كل ما صرَّح به، وهو
يشير إلى أنه المعني الأول بما يجري، كونه في المنطقة، وهو شاهد عيان الأحداث، وأن
أولاده كانوا في ” تل حميس ” لمتابعة ما يجري، لحظة البدء بطرد داعش من المنطقة،
وحماية العرب بالذات، وأن إساءة من هذا النوع، إن كان المسلط صادقاً، تسيء مباشرة
إلى الشيخ الهادي، وأي إساءة .
أنوّه إلى أهمية هذا التصريح، تأكيداً على أن حب
الآخر لا يقوم على توافر تحصيل علمي حصراً، إنما قبل كل شيء، على تفتح وعي وانفتاح
على الآخر وهو مختلف قومية وديناً، وأنه في الإمكان كسب وده بعبارات بسيطة جداً،
إنما قبل كل شيء، عبر التحرّر من وهم الذات ومرجعيتها القومية واعتبارها محور كل
الذوات الأخرى، وما في ذلك من مرونة وروح مضيافة، وقابلية تفهم الآخر
وتمايزه.
إن أهم ما يمكن الاستفادة مما صرَّح به الشيخ الهادي، هو تجلّي الهادي
فيه، أي في الرد على من  يرى أن تشويه سمعة الآخر وهو شريك في تاريخه وجغرافيته
وحتى مصيره، ينعكس عليه سلباً، ويكون خارج جغرافيته المعتبَرة وتاريخه المعتبَر
ومزعم إنسانيته .
هنا، لا أعتقد أن المسلط تحرّر ولو بنسبة واحد من الألف من
المقولة المأثورة والفظيعة: أنا وأخي ضد ابن عمّي، وأنا وابن عمي ضد الغريب ! ويظهر
أن داعش في الاعتبار المقدَّر في مقام ” وِلْد العم ” والكردي عموماً في مقام
الغريب ” الغويّيم “، ويا لهذا الناطق الائتلافي اللامؤتلِف ؟!
لعل في تصريح
الشخ الهادي درساً في الحكمة الجغرافية وحميمية الجيرة، والمصير المشترك، وأن من
مناقب العقل الكبرى أهليته في اتقان لغات شتى، وفي الجمع بين ” شعوب وقبائل ”
ليتعارفوا، وأن فضيلة التقوى هي في تعميق خطوط علاقات الجيرة والصلات الإنسانية
.
تصريح الشيخ الهادي، درس لنقد الآخر، والدرس فسحة مفتوحة، بالنسبة لمسائل قد
تقلّل من التقارب، لكنها تنيره، إذ إن الآخر، وبعيداً عن التنظير الفلسفي، يبقى
المكمّل لذات المتكلّم ناقِده، فالكردي، ليس الآخر، والعربي، ليس الآخر، والآشوري
ليس الآخر، والأرمني ليس الآخر، وحتى العدو عينه ليس الآخر، لحظة النظر في تركيبه
الإنساني، إنما الجميع يمكنهم الجلوس إلى طاولة: جغرافية، تاريخية، مصيرية واحدة،
مثلما يمكنهم مخر عباب بحر الحياة في سفينة واحدة. نعم هي سفينة حياتهم المشتركة،
وأن ما يتوافر في الحياة من نتاج الأرض، ومن مناقب رحابة السماء صفاء ونقاء هواء،
يكفيهم جميعاً.
وربما، يجد المرء نفسه في الوضع غير الآمن بأكثر من معنى، حيث
سوريا تلتهب وتحترب، منذ سنوات أربع تقريباً، لحظة تبيُّن أهوال واقع الحال، وسوء
المردود، ورعب المتحصَّل حتى الآن، سوى أن التحدي الكبير هو في إمكان التحليق بخيال
الروح صوب جهة لا تعدَم، ولا بد من ذلك، للخروج من آفة نفي الآخر وتشويهه، واعتبار
القتل لمن يراهن عليه لا يسيء إلا إلى القائم به ختاماً، وهذا يعيدنا إلى لزوم تنشق
الهواء الطلق، رغم الجرح الفاغر فاه للروح، عبر الإصغاء المعمَّق إلى حقيقة ما ورد
في تصريح الهادي الشيخ حميدي دهام الهادي، وما يرادفه من تصريحات أخرى نحن بأمس
الحاجة .
دهوك

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وإسرائيل تغيير وجه الشرق الأوسط، وإعادة تشكيل خارطته الجيوسياسية، وتشذيب بنيته الثقافية دون وجود بيئة داخلية مهيأة لهذا التحول. فهشاشة الأنظمة، وفسادها، واستبدادها، إلى جانب الدجل الديني الذي تروج له، والثقافة المدمرة التي زرعتها بين شعوبها، جعلت المنطقة برمتها ساحة مفتوحة للتحولات الجذرية والتدخلات الخارجية، وبهذا، باتت القوى الكبرى…

بوتان زيباري   في هذه المغامرة السياسية التركية المليئة بالإيحاءات، يمكن قراءة الانتقاد الصارخ الذي أطلقه أردوغان على المسرح كمحاولة لكبح مزاعم التواطؤ في السياسة الداخلية، وكتعريف للقلق العميق والخوف الذي ينتابه. هذا الخطاب، الذي يشبه قناعًا ذا وجهين، يعكس رغبة تركيا في تحديد موقعها في الشرق الأوسط حيث تتغير موازين القوى باستمرار، وفي الوقت نفسه يعبر عن حذرها….

د. إسماعيل مظهر أحمد: الترجمة عن الكردية: إبراهيم محمود   ثورة أرارات” 1927-1931 ” التي تُعرَف في كردستان تركيا كثيراً بثورة أرارات وجبل آكَري، ثورة لها مكانة في التاريخ المعاصر للشعب الكردي، حيث إن جمعية معتبَرة مثل ” خويبون ” ومثقفين شجعاناً مثل الجنرال إحسان نوري باشا ” 1 ” كانت تديرها. هذه النقطة بمفردها شكَّلت تغييراً في نطاق…

ملف «ولاتي مه» حول مستقبل الكورد في سوريا، يُعتبر أحد الملفات الهامة التي تُناقش مستقبل الكورد في سوريا في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة عامة وسوريا بشكل خاص. يركز هذا الملف على تحليل الأوضاع الراهنة والتحديات التي يواجهها الكورد، بالإضافة إلى استعراض السيناريوهات المحتملة لمستقبلهم في ظل الصراعات الإقليمية والدولية. يسلط الملف الضوء على أهمية الوحدة والتعاون بين مختلف…