عاصفة داعش ….. هل غيرت من قواعد الصراع في سوريا ؟

عبدالرحمن كلو

 
مع فشل الحلول السياسية للأزمة السورية وتصاعد وتيرة الصراع المسلح، ظهرت الكثير من الجماعات المسلحة بمسميات مختلفة، وكانت ظاهرة داعش، المنظمة الارهابية المتطرفة إحدى نتاجات هذا الصراع بدعم إقليمي مستتر من جانب إيران وبعض الأطراف الاقليمية الأخرى….، منها ما كانت بهدف خلط الأوراق وتخفيف عبء المواجهة المباشرة من على كاهل النظام وبالتالي تغيير مسار الصراع باتجاه عدو آخر، ومنها ما تعاملت مع داعش لحسابات أجنداتها الخاصة المعادية والممانعة للمشروع القومي التحرري الكردي مثل تركيا وبعض الفصائل الجهادية الاسلاموية والقوموية العربية في سوريا والعراق.
وأياً كانت الأسباب فمن الأهمية بمكان الاعتراف بأن لوحة الصراع في سوريا والعراق قد تغيرت على ضوء ظهور “داعش”، وأن كل الأطراف المعنية بهذا الصراع بدأت بتناول المسألة على نحو مغاير عن مرحلة ما قبل عاصفة هذا التنظيم الارهابي، إذ باتت تتعامل مع مستجدات واقع الأزمة السورية  بحسب مصالح أمنها القومي. 
خاصة وأن دائرة إرهاب هذا التنظيم توسعت لتطال العديد من دول المنطقة وأوروبا وأمريكا، وهذا ما وضعت أمريكا والغرب في معادلة صراع جديدة، الأولوية فيها هي لمواجهة هذا التنظيم وإنهائه أولاً، وليست لإسقاط النظام، حيث ما تبقى من قوى النظام يمكن استثماره في هذه المعركة.
وفي سياق هذه المتغيرات الدراماتيكية على الأرض تحركت روسيا وإيران وبالتنسيق مع النظام السوري باتجاه البحث عن صيغ جديدة للحل السياسي للأزمة خارج إطار جينيف 1 وجينيف 2، والتفاهمات الدولية، وجاءت عمليات البحث بالترتيب والاعتماد على ما تسمى بمعارضة الداخل من خلال مشاريع ومبادرات روسية ومصرية تقوم على استثمار المناخ الجديد لإضعاف المعارضة الفعلية المتمثلة بالائتلاف الوطني السوري والمعترف به رســــمياً على الصعيد الدولي.
ولم يكن منتدى موسكو التشاوري ولقاء القاهرة والمشروع الذي قدمته هيئة التنسيق ومشروع ميشيل كيلو ومبادرة سمير سعيفان إلا في هذا السياق، وعلى الرغم من عدم اختلاف واشنطن مع هذا التوجه الجديد من حيث المبدأ لكنها بكل الأحوال لن تسلم أوراق الملف السوري لروسيا ولا لإيران لذا شاهدناها وهي تراقب حوارات موسكو والقاهرة والمبادرات الأخرى عن كثب لتستوضح اصطفافات مواقف أطراف المعارضة المقربة من النظام، وأيضا مواقف المعارضة المنضوية تحت مظلة الائتلاف الوطني السوري، وبعبارات أوضح: أمريكا تتابع باهتمام مجريات هذه المبادرات كي تستخلص مستجدات المواقف على ضوء الموازين الجديدة التي باتت لصالح النظام في مرحلة الحرب على داعش، لتكون على دراية  كافية لحصيلة هذه التجاذبات والتناقضات، وتستوضح على نحو أدق: لأية درجة يمكن للأطراف المقربة من النظام أن تتقبل مبادرةً للحل يكون فيها النظام شريكاً فعلياً ؟ كما إلى أية درجة ستتقبل أطراف المعارضة الأخرى (الائتلاف) مثل تلك المبادرات؟ وهل هناك نقاط مشتركة؟ مع قراءة تحليلية لكل المواقف وردود الأفعال، لكن السؤال الأهم أين هو الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة من هذه المتغيرات ؟ وهل سينجح في تجاوز حالته الهلامية بالتخلص من التيارات الإسلاموية والقوموية المتطرفة المحسوبة عليه؟ أم سيبقى أسيراً لأجندات الدول الداعمة والممولة له بعيداً عن مشروع الدولة الوطنية السورية؟ وفي كل الحالات الائتلاف الوطني يخضع للامتحان الأصعب أمام عاصفة داعش التي غيرت من قواعد الصراع في سوريا والمنطقة عموماً، وآن الأوان له أن يكون جزءاً فعليا من قوى التحالف الدولي ضد الارهاب، وأن تكون فصائله المسلحة طرفاً أساسياً واضحة المعالم في هذا الصراع، كما عليه ان يتبنى مشروعاً وطنياً ديمقراطياً متكاملا يستنهض فيه طاقات كل المكونات السورية سياسياً وعسكرياً، ليكون بمقدوره تحدي العاصفة وتداعياتها السياسية مستقبلاً.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…