الذئاب المُنفردة أيضاً كانوا أطفال

غسان جانكير

ثمّة قول منسوب للشاعر الكردي جكرخوين مفاده: ((عبثاً نحاول تعليم الفلاحين البسطاء، لسنوات عديدة، أموراً دنيوية، ونكاد أنّ نصل بهم الى مرحلةٍ يثور بها على نمط عيشهم المزري، حينها يأتي أحد الزعماء التقليديين، ويضع يده على رأس أحد هؤلاء البسطاء، وينبس ببضع كلمات، وخلال دقائق معدودة، ليرجع الفلاح البسيط بعدها الى سابق عهده من الجهل و التبعية)) .
كطيفٍ مُبهم الملامح تداعى الى ذاكرتي فيلم من الحقبة السوفيتية، كنت قد رأيته في سنوات يفاعتي، وكانت السنوات الطوال كافية لأن تمحو من الذاكرة أسم الفيلم و أحداثه، بل وحتى ألوانه، التي أحالها الزمن الى البياض و السواد .
المقطع الوحيد الذي كان يُكافح طوال هذه المدة ويأبى التلاشي في النسيان، كان لأبٍ وطفله وجدا وكراً فيه العديد من جراء الذئاب، بعد قتله لأمهم، بدأ الأب بقتل الجراء، الواحد تلو الاخر، دون أن تستوقفه (مواءات الإسترحام )، و حتى دون مناشدات أبنه المُتعاطف مع تلك الجراء، التي من الطبيعي أن تستقطب التعاطف الانساني معها، غير أنّ تماديّ الأب في قتلها جميعاً كان بدافع، تحوّل هذا المواء مع الشهور التالية الى عواءٍ ينشر الرعب والأذية في الجوار .
التوحّش في القتل الذي بات مشهداً يوميّ يصفعنا على مدار الساعة، آخذ في تجريدنا من بقايا انسانية كنّا نتعلق بها مُبَدّين التحضر على التوحش، ماذا يعني أن نتناقل بسرور خبر قتل أميرٍ داعشي ؟. وبما تُفيد المُقارنة الحسابية لأرقام قتلى الدواعش مع أرواح ضحاياهم الذين يُآثرون مرارة الأيام و حلوها على الفناء؟. وهل مِن سبيلٍ يوقف التوالد المُخيف ل (الذئاب المُنفردة) التي يُغذيها الفكر الاقصائي الذي يستمد نسغه من نصوصٍ إسلامية، ما تزال تُقرأ وتُسمع بقداسة تستوجب استرخاص الانسان كي لا تُمسّ، أو حتى التفكير في التعامل معها كمنظومة قيمية قابلة لمواكبة التطور في المجتمعات. 
ينبغي ألّا ننسى أن هؤلاء (الذئاب المُنفردة) التي تُفجّر نفسها في جموع الأبرياء، كانت في يومٍ ما أطفالاً تُسيّرهم البراءة، و تُضحكهم المواقف المَضحكة، يسيرون، كما أترابهم، في موكب الحياة الطبيعية، فتمّ، بغفلة، اصطيادهم مِن قِبل أسرى النصوص الجامدة، الذين كانوا بدورهم أطفالاً يضحكون للحياة . 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…