نحن بحاجة الى مجلس إعلامي كردستاني

محمود برو

من اهم العوامل التي تلعب دورا سلبيا كبيرا في خلق التوترات السياسية والنزاعات بين ابناء شعبنا والنزول الى معركة المهاترات والصراعات الجانبية بين اصحاب المصير المشترك ، هو الاعلام الكردي الحالي وتحديدا القنوات التلفزيونية المتحاربة التي تتقن أساليب البروباغاندا الخطيرة والتي في النهاية تدخل في خدمة أعداء شعبنا الذين ينكرون حقوقنا الديمقراطية ووجودنا التاريخي على ارض آبائنا وأجدادنا.
 الاعلام الذي نحن بصدد الوصول اليه هو الاعلام الذي يعمل على أساس المسؤولية ونقل تفاصيل الحدث بدقة الى الجماهير.
وهو الاعلام الذي يسرع الى مكان الحدث على ارض الواقع ونقله بالسرعة الممكنة  الى الجماهير، وليس العكس من ذلك ان تقوم قناة ما بخلق حدث او صنع موضوع من اجل بروباغاندا شخصية او ايديولوجية او من اجل كسب امتيازات  من خلال جمع المزيد من الناس ليثبت بان هؤلاء الناس جميعهم معهم ومع فكرتهم او ايديولوجيتهم او قائدهم.
ان ما نراه على ارض الواقع هو انه في اكثر الأحيان يستخدمون أسلوب البروباغاندا ويبتعدون  عن الاسس القانونية والدستورية للاعلام، ويهملون الهدف الرئيسي منه ويضعونه في خدمة المآرب الأيديولوجية والشخصية.
هذا لا يعني انني أنكر نهائيا الدور الإيجابي للاعلام الكردي، وذلك لان الهدف الوحيد الذي انطلق منه هو ان نمشي على طريق أفضل وأصح وانجح. اما اذا قارننا الاعلام الكردي مع اعلام دول الجوار فهم ليسوا الافضل، بل نستطيع ان نقول ان أعلامنا الكردي قد قطع شوطا لابأس به  للسير نحو الافضل لاسيما من حيث التقنية .
اعتقد انه من حقنا ومن واجبنا القومي ان نقترح أفكارنا وارائنا على شعبنا صاحب المصلحة الحقيقية، ونجعلة حرا طليقا لاختيار الأفضل والاصح.
لذلك لابد لي من سرد بعض الملاحظات على الاعلام الكردي فقط لغاية التطوير والاصلاح في العمل الاعلامي وليس العكس.
راينا في البث المباشر لبعض القنوات التلفزيونية للحدث  و لمدة من   خمسة عشر الى عشرين دقيقة من الجبهات القتالية الامامية والتي تبتعد مسافة حتى متر من العدو البربري الوحشي. هذا يشكل خطرا كبيرا في كشف مكان الحدث  واحداثياته عن طريق جهاز GBS من قبل العدو واحتمال قيامه  بضربة صاروخية كارثية.
نرى مثلا مراسل احدى القنوات باللباس المدني الذي يستخدمه الناس العاديين في أسواق المدينة والمنتزهات عوضا عن لبسه اللباس الميداني الخاص بالمراسلين في أوقات الحرب الموجود في جميع أنحاء العالم.
غالبيةالمراسلين ان لم نقل جميعهم تم نزولهم الى ساحات القتال لنقل الحدث دون ان يأخذوا تدريبا خاصا بأوقات الحروب  ليتعلموا إنجاز المهمة بشل أكاديمي وبالسرعة الممكنة ،كذلك صحة الاختيار لموقع الحدث والأشخاص الذين يمكن التواصل معهم والاستفادة من معلوماتهم لصنع خبر دقيق ذات مصداقية تامة.
مثال آخر على الاداء الخاطئ هو البث المباشر لتحرك قوات البيشمركة من جنوبي كردستان عبر تركيا الى كوباني قلعة الصمود والتصدي. هذا ايضا يضع تلك القوى تحت خطر الأعداء وهجومهم .
بعض القنوات الإعلامية تقوم بنشر خبر بالاستناد الى مصدر مجهول او شخص لايرغب في ذكر اسمه في الاعلام. وفي اليوم الثاني او احيانا بعد عدة ساعات تقوم نفس القناة وحتى احيانا نفس الإعلامي بنشر عكس الخبر تماماً او رفض صحته. هذا ودون ان يحث بمسؤوليته الشخصية في صنعه للخبر وعدم نشره قبل التأكد التام من دقة معلوماته. 
بعض المراسلين ينسون تماماً او يتناسون ان صح التعبير انهم جزء لايتجزأ من الأمن القومي الكردستاني، فيقومون بأداء واجبهم الإعلامي بأساليب خاطئة نابعة من البروباغاندا او من الفساد النفسي والذهني لديهم، ويحرفون الحقائق لغاية في نفوسهم المريضة والمتصوفة مما يساهمون في خلق توتر وخلل في الأمن القومي الكردي والكردستاني ويفتحون الباب على مصراعيه للحرب الإعلامية.
هذا ناهيكم عن الاستخدام الخاطئ والغير لائق لوسائط التواصل الاجتماعي مثل الفايسبوك والتويتر، والذي بات يحتل مكاناً شاسعا في العالم اجمع وفي مناطقنا ايضا. وفي هذا الإطار أستطيع ان أقول ان العالم جميعا وليس فقط الكرد يتجهون باتجاه الاعلام الفردي او التفرد وذلك من خلال التلفونات الخلوية حيث نرى احيانا في البيت الواحد عشرة اشخاص قاعدين وكل واحد منهم متفرد بتلفونه ،يكتب، ينشر، يصور،ويتفرج على مقاطع فيديو. وهذا ايضا يشكل خطر على الاعلام الجماهيري ويخلق أمراضا اجتماعية من بينها العزلة والكآبة النفسية.
لكن تعلمنا في السياسة انه ليس المهم فهم الأشياء، بل الاهم هو تغييرها. فمن خلال الملاحظات المتواضعة اعلاه أستطيع ان أقول انني وحسب رأي وتحليلي الخاص قد شخصت المشكلة ، لكن الأهم هو المعالجة  التي تكمن في:
بناءء مجلس إعلامي كردستاني موسساتي، يخصص له ميزانية محددة، ويضع له أسس دستورية وقانونية من قبل الحقوقيين والخبراء في شؤون وضع الدساتير، ومن ثم اعدادالكوادر العلمية من خلال الاستفادة من الخبرات الأوربية او من خلال البعثات الخارجية والدورات التعليمية والمهنية الخاصة. والقيام باجتماعات دورية للتشاور وأخذ الآراء والانتقادات البناءة بهدف التطوير وكسب التقنية والمعرفة، شريطة ان يصبح ذلك المجلس مظلة مدنية بعيدة عن سيطرة الأيديولوجيات والاشخاص والحكومات ويشمل في عضويته على جميع أطياف المجتمع الكردستاني بمختلف شرائحه. 
وليؤمن جميعهم في القول والعمل ان الاعلام هو العين الثالثة في المجتمع وهو السلطة الرابعة التي تعمل فقط من اجل إيصال الحقيقة للجماهير من خلال الدقة في العمل والمصداقية في النشر ودون انحياز.
لللاعلام جناحان، جناح العلم والمعرفة وجناح الفن والتقنية في الاداء. بدون تواجد هذين الجناحين يصبح الاعلام كطير يحاول الطيران بحناح واحد وبالتالي يسقط من العلي ويتعرض الى الجروح العميقة ان لم نقل الموت.
 وعدم توافر هذين الجناحين  في الاعلام الكردي والكردستاني يعرض شعبنا الى الكوارث في المستقبل والمزيد من التشرزم .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…

د. محمود عباس صرخة في وجه التكفير والخراب والإرهاب. من يهاجم المكون الدرزي في السويداء؟ من يحاصر مدنها، ويهدد شيوخها، ويحرّض على أبنائها بذريعة كلمة قيلت أو لم تُقَل؟ من نصب نفسه حاميًا للرسول الكريم وكأن الإسلام ملكيته الخاصة، وكأن نبي الرحمة جاء لقوم دون قوم، ولدين دون آخر، متناسين أن محمدًا عليه السلام نبي الإنسانية كلها، لا نبي التنظيمات…

بوتان زيباري في رياح السياسة العاتية التي تعصف بأطلال الدولة السورية، يبدو أن الاتفاق الموقّع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام (هتش) لم يكن سوى وميض برقٍ في سماءٍ ما لبثت أن اكتظت بالغيوم. فها هو مؤتمر قَامشلو الأخير، بلغة ملامحه المضمرة وتصريحاته الصامتة أكثر من الصاخبة، يكشف عن مكامن توتّرٍ خفيٍّ يوشك أن يطفو على سطح…

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…