ضوءٌ على حدث

 

 

عنايت ديكو

 

حزب الوحدة وليس غيره ، هو ليس بإستثناء عندما يتعرض الى الإنشقاق والإنزلاقات والصراعات !! فحاله حال كل الأحزاب والمنظمات الكوردية والكوردستانية الأخرى . فقبله انشطرت الكثير من الأحزاب الكوردية السورية والكوردستانية الى نحلٍ وملل وأحزاب وجماعات وتيارات . فما هو الضير وما هو الغير إنساني والغير عقلاني في إعلان فريق من حزب الوحدة تشكيل حزبٍ خاص بهم والدفاع عن ما يؤمنون به من نظريات وفلسفات ؟. فلو درسنا الأسباب التي عصفت وتعصف بالأحزاب الكوردية جميعاً وخاصة حزب الوحدة اليوم سنرى بأن الأسباب والحجج التي دفعت الى ما آلت اليها الأوضاع هي ليست فقط زعاماتية أو سكرتارياتية أو شخصانية أو إنتهازية كما يحلو للبعض من أصدقائنا في حزب الوحدة إطلاقها على السيد ” كاميران حج عبدو ” وفريقه الحزبي الجديد . فالحجج التي يتغنى بها البعض من أخوتنا في حزب الوحدة هي غير كافيه لإتهام الطرف الآخر بالنزعاتية والزعاماتية الحزبية .

 

صدقوني يا أصدقائي ويا أخوتي وأخواتي في حزب الوحدة وفي كلا الطرفين ، بأن مشاكلكم هي ليست مشاكل اليوم وهي ليست شخصانية ورئاساتية وإنتهازية كما تزعمون . بل هناك نار وصراعات عمرها سنينٌ وسنين كانت نائمة تحت الرماد الى أن وجدت المنفذ وخرجت وطفت على السطح كنتيجة حتمية لصراعاتكم الداخلية . فمهما حاولنا حرف الأنظار عن حقيقة الصراع وأسبابه وماهيته ، لن نستطيع لهي وإقناع المشاهد الكوردي بالكلمات المبهمة والمعسولة والقول بأن حقيقة الصراع هو شخصاني وزعاماتي فقط .
فما دامت هناك حركة وحراك وعمل حزبي وتنظيمي ؟ فمن الطبيعي أن يتعرض الحزب في منعطفٍ من منعطفاته النضالية الى النقد والى الإنشقاق والى التكتل والتيارات ، خاصة اذا كانت هذه التيارات تتعامل مع بعضها البعض ضمن الحزب الواحد وفيما بينها على أساس ” التوازن الهش ” كما قلنا بأن حزب ” الوحدة هنا ليس بإستثناء ” .
فمن حق أية مجموعة متجانسة أو متناسقة فكرياً وروحياً وإرادوياً وتربطها المصالح المشتركة أن تعبر عن ذاتها ومكنوناتها بالشكل الذي تريد وأن تشكل أحزاباً وجمعيات ونوادٍ وتحالفات وووالخ . هذا من حيث المبدأ. لكن أن نأتي ونختزل الصراعات الحزبية والإنشقاق وأن نضع له زمان ومكان للتعامل معه ميكانيكياً فهذا برأيي تقليل من شأن الصراعات الفكرية والحزبية الضرورية والمرافقة للتطور الحزبي والتنظيمي . (( هنا طبعا لا أدافع ولن أدافع عن الإنشقاق الذي حصل في حزب الوحدة مطلقا وبتاتاً )) . أقول هنا بأن الحزب الذي لا يشهد صراعات مرنة بين فرقائه ولم يستطع تسخير هذه التناقضات والصراعات لأجل تطوره السياسي والتنظيمي هو بالمطلق حزبٌ راديكالي وشمولي ومتطرف صرف ومتزمت وهرمي بإمتياز ، وكل شيء فيه مرتبط بالزعيم والقائد (( تجربة الأحزاب الشيوعية خير دليل )) . فمن الطبيعي أن نرى خروج مجموعات من الأحزاب أو حصول إنشقاقات هنا أو هناك عندما تتضارب المصالح السياسية والفكرية ضمن الجسم الواحد، مثال على ذلك ، (( فكمْ من الإنشقاقات شاهدناها حدثت في الأحزاب الاوروبية العريقة ؟)) . فعندما نتكلم عن التناقضات والصراعات في أي حزبٍ في العالم ونقف على جوهر الصراع فيه ، نرى بأن السبب الرئيسي لتشكل الصراعات والتناقضات الداخلية وتفاقمها هو أن هذا الحزب لا يستطيع خلق أرضية للإنسجام والتوازن بين فرقائه وتياراته الحزبية المختلفة ، مما يؤدي في الأخير الى النفور والتباعد والإنشقاق ، وهذه ليست بجريمة كما يصورونها البعض من الأخوة والموضوع ليس مقتصراً على السيدين ” كاميران حاج عبدو والشيخ آلي ” . فعندما نغلق باب التناقضات وننفي وجودها ونحاول الوقوف بقوة القوة ونخلق الذرائع لعدم الغوص في أسباب الصراع وماهيته والقول بأن الإنشقاقات والإختلافات ممنوعة في الحزب ، هذا بحد ذاته عامل أساسي وحاسم في تشكيل النزاعات والصراعات والتناقضات والتيارات والجماعات ضمن الحزب الواحد، وحين تأتي الفرصة السانحة ستطفو هذه التناقضات المتراكمة مباشرة على السطح وستعبر هذه التيارات الحزبية المختلفة عن تطلعاتها وآرائها وبأساليبها الخاصة والمختلفة في النضال ؟ فالتعامل بالقوة مع أي إنشقاق سيؤدي في الأخير الى استنزاف القوى الفكرية والحزبية والتنظيمية للطرفين .
وعلى جانبٍ آخر … هذه هي طبيعة أحزاب الحركة الكوردية السورية وتطورها التنظيمي منذ تكوينها . فتراها تنشق عن نفسها وتعلن الحداد والعداء للطرف المنشق الجديد ويتهمه بشتى صنوف الاتهامات والعمالة وغيرها ، وبعد شهرين أو ثلاثة يصبح هذا الحزب المنشق رقماً إضافياً على لائحة أحزابنا الكوردية ويتعامل الحزب الأم مع أولاده وأحفاده بكل ودٍ وتفاهم وتعاون ويدخل معه في جبهات وتحالفات .
لماذا لا يتم التعامل مع الحدث بإيجابية .. ولماذا لا نحول هذا التعامل السلبي مع الحدث الى تعامل إيجابي  ..؟ فمن يراقب الوضع ويغوص في الإنترنت وخاصة الفيسبوك سيرى بأن التعامل مع الحدث قائم من قبل فريق السيد ” الشيخ آلي ” لكنه سلبي وسلبي جداً، وهذا ما نراه على صفحات الأصدقاء من حزب الوحدة عند تناولهم لهذه القضية من باب التهكم والتبسيط والإتهام والمسبات الجارحة والدعوة الى جرّ الفريق الآخر الى المحاكم والشرطة الأوروبية وإتهامه أيضاً بإنتحال شخصية السكرتير وصفاته الحزبية وغيرها وووالخ . وكأننا نحن أمام ملعبٍ فيه كبشين كورديين متناطحين سيأخذ أحدهما قوة الآخر وبكل الوسائل وسيرسله الى الجهنم وبأس المصير . وهذا ما نتخوف منه نحن كجمهورٍ كوردي مراقب .
فمن ناحية علينا التعاطي والتعامل مع الحدث بكل واقعية وشفافية وتحليله والوقوف على المراحل الإلتهابية وتسليط الضوء على مكامن الخلل في جسم هذا الحدث ، كون الحدث لم يبقى تحت الطاولة وخرج من الخاص الى العام . ومن حق هذا العام أن يكون رقيباً وضميراً لهذا الحدث وللكثير من الأحداث الأخرى التي تعصف بكوردستان سوريا بشكلٍ عام .
فالسيد ” كاميران حاج عبدو ” كان عليه أن لا ينام على المشاكل الحزبية والتنظيمية والفكرية في حزب الوحدة هو وكل فريقه طيلة الفترة الماضية وكان عليه تقديم الشرح اللازم والمفصل لكل فردٍ حزبي لهذه التناقضات والصراعات وأن يشارك رفاقه في القاعدة والقيادة في إيجاد مخرجٍ أو شكل من أشكال الإستمرارية والديمومة . وكان عليه أيضاً أن يُطلع الجمهور الكوردي العريض على مواطن الخلل والضعف في صراعه مع الفريق الآخر، لكن هذا لم يحدث للاسف ووصلت الأمور والصراعات فيما بينهم الى حائطٍ مسدود وخاصة نحن نمر بمرحلة لا تسمح بالإنشطارات والتشظي والإنشقاقات ، ولربما كانوا الخيرين من إبناء كوردستان سيتدخلون من أجل التقارب وإلتآم الجراح فيما بينهم .
فالإنشقاق مرفوض بالرغم من وجود صالونات التجميل له ، نعم الإنشقاق مرفوض . لكن الشيء الذي حدث بين أفرقاء حزب الوحدة من صراعات وتهم وطرد  (( محمد زرادشت )) مثالاً ، هو ليس وليدة اليوم واللحظة ، فهذا التيار عبّر وبأشكالٍ كثيرة ومختلفة عن صراعه مع فريق السيد ” الشيخ آلي ” وخاصة منذ وفاة زعيمهم ” إسماعيل عمو ” . فالسؤال هنا لماذا يستخدم فريق الدكتور ” كاميران حاج عبدو ” الأوراق القديمة في صراعه مع فريق السيد ” الشيخ آلي ” وفي هذا الوقت بالذات ؟ . ولماذا يستخدم فريق السيد ” الشيخ آلي ” العصى الغليظة والتهم في صراعه المرير والتعامل مع الفريق الآخر بنوعٍ من الازدرائية وتقزيم الحدث قصداً ؟ فمارس السيد ” الشيخ آلي ” هذا الشيء نفسه مع السيد ” نوري بريمو ” أيضاً وها هو اليوم يستخدمه ضد المستنكفين الجدد من رفاقه . كيف سيقنعون هذين الفريقين الجمهور الكوردي السوري بسياساتهم ؟ هذا الجمهور الذي يدفع حياته كل يوم ثمناً ويعيش في ظروفٍ من الجوعٍ والحرمانٍ والهجرة والإعتقالات والقتل والتشرد ؟ ألم يفكروا هؤلاء الأخوة في حزب الوحدة بأننا لسنا من أصحاب الذاكرة المثقوبة وبأن التاريخ لا يرحم أحداً ؟ فكيف سأصدق كل ما يشاع عن الدكتور ” كاميران حج عبدو ” من تهمٍ وإطلاق العبارات النابية بحقه وبحق فريقه وهو الذي مثَّلَ الحزب في كل المحافل الإقليمية والدولية خلال السنوات الماضية ؟ وكيف أستطيع تصديق كل ما يقال عن السيد ” الشيخ آلي ” بأنه ينتهج سياسة المحاور ودخل في الصفقات والمحاور السياسية الإقليمية وهو راسمٌ للحزب وصانعٌ للقرارات الحزبية وسياساته المنفتحة منذ زمنٍ بعيد ؟ علماً بأن كل المنشقين والمستنكفين كانوا يهللون للسيد ” الشيخ آلي ” ويصفقون له دوماً بعد كل مؤتمرٍ أو جلسةٍ أو إجتماع . فلماذا كل هذا الاستهتار بعقل المتلقي الكوردي ؟ فكيف لواحدٍ كان رمزاً للدبلوماسية والحنكة والمرونة أن يصبح بين ليلة وضحاها انتهازيٌ ومارقٌ وغير مرغوبٍ به في الحزب ويركض خلف إسمهِ وخلف الزعامة ومصلحجي رقم واحد وإطلاق العنان لصفارة التهم ونعته بأبشع الصفات ؟ وكيف لواحدٍ كان رمزاً للبراغماتية الكوردية في سوريا مثل السيد ” الشيخ آلي ” أن يتحول بين ليلة وضحاها الى ديكتاتورٍ وكلاسيكي ومحافظ وإتهامه بممارسة سياسة المحاور وما شابه ذلك من تهمٍ وكلامٍ مُتورمْ ومنتفخ ؟.
فبعد أن وقعت الواقعة وحصل ما حصل من إعلان المستنكفين حزباً جديداً لهم وبنفس الأسم والكليشيه والنظام الداخلي وإعلان السيد ” كاميران حج عبدو ” من على المنابر الإعلامية عن تشكيل تنظيم خاص بهم وبأنهم سيسيرون على نهج الراحل ” اسماعيل عمو ” وسيعملون من أجل الشعب الكوردي السوري وإرسال إشارات مبطنة الى الفريق الآخر وإتهام فريق السيد ” الشيخ آلي ” بالخروج عن خط الحزب وأهدافه وعن فلسفة زعيمهم الراحل والدخول في المساومات وسياسة المحاور ، يتحتم على الفريق الأول المتمثل بالسيد ” الشيخ آلي ” التعامل الإيجابي والمرن والواقعي مع الحدث . فاليوم وقبل أن تستفحل هذه التناقضات بين الطرفين وتؤدي الى نتائجٍ كارثية على الصعيد الكوردي السوري ، مطلوبٌ من الطرفين التعامل بإيجابية مع الواقع ومع الأحداث ومع الإعلام على أساس الإحترام المتبادل بين الفريقين وعدم إتهام الآخر بالعمالة وما شابه ذلك من عبارات إستهلاكية جارحة ، بالرغم من صعوبة تطبيق هذه الأخلاقيات والممارسات في الوسط السياسي الكوردي السوري . لأننا نرى ونراقب عبر شبكة التواصل الإجتماعي مدى الإحتقان القائم بين الطرفين وكأن الصراع هنا سيكون صراع الديكة والكباش والثيران الهائجة .!  فلا بد من الطرفين الإحتكام للعقل وإحترام مشاعر هذا الشعب ، وأن يتعامل الطرفان مع الحدث بهدوء وإحترام قرار الطرف الآخر في النضال وعدم الخوض في معاركٍ شخصانية وجانبية نحن بغنىً عنها ستقضي في الأخير على الأخضر واليابس .
في الأخير أريد أن أضيف شيئاً جديداْ الى القاموس الكوردي السوري . هنا في أوربا وأمريكا وفي كل العالم الديمقراطي عندما يترشح المرشحون للحكمدارية ؟ يأتي كلا الطرفان الى المنصة ويُسوِق كلٍ لأفكاره وسياساته وحزبه ومعتقداته وكل فريق هنا يتسلح بالحجج والبراهين والوثائق المطلوبة وبلغة الأرقام ولا يدع المجال للآخر في تسجيل النقاط عليه في طرح رؤيته وفكرته أو سياسته والدفاع عنها ونقض سياسة الفريق الآخر وممارساته الحزبية . ويلجئ الساسة هنا إلى المناظرات التلفزيونية العلنية والمكشوفة وكل فريق منهم يدحض ويُفند سياسات الطرف الآخر بالأدلة والبراهين وبالأرقام كما قلنا وبأسلوبٍ حضاري وراقٍ ومحترم بحيث لا يكون الشعب ضحية سياساتهم ومناظراتهم ودون أن يهين الفريق الأول الطرف الآخر والعكس بالعكس . فلو نريد أن نكون مدنيين وحضاريين في تعاملنا السياسي مع بعضنا البعض ومع هذا الحدث الثقيل ؟ أدعو السيد الأخ ” الشيخ آلي ” والسيد الأخ ” كاميران حج عبدو ” الى مناظرة تلفزيونية علنية ومكشوفة لتكون الحجج والبراهين لكلا الطرفين في متناول الجمهور الكوردي السوري الذي يستاهل كل الخير والوضوحية والشفافية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…