أكراد «روداو» وأكراد «روناهي»

 

ابراهيم محمود

 

في الربط بين أكراد ” روداو ” وأكراد ” روناهي ” القناتين التلفزيونيتين الكرديتين، يسهل التعرف إلى المؤلم في الجاري كردياً، جهة المعطيات التي تجعل الكرد أكراداً، ولهذا كان العنوان. إذ يخضع أكراد القناتين امتداداً للواقع ” الأكرادي ” لتأثير أي ذبذبة، شأن المخطط الدماغي، أو قياس الضغط. إن اهتزاز أو سقوط شعرة في الرأس ” الكردي ” الذي بات أقرب إلى الصلع، جرّاء نخره الإيديولوجي، وهو ما يتخوف منه في أن يستحيل أقرع، سرعان ما تتلون به حتى النشرة الجوية الكردية، إنها أخبار الطقس التي لا تثبت، تأكيداً على أن الطقس الكردي متفاعل مع الطقس ” الجوي ” وما ” يفقسه ” من رياح خماسين وغيرها.

 

حرصاً على ” الكرد ” وتجنباً لعدو ” الأكراد ” طبعاً ” أم أعدائهم ؟”  لن أسمي الحامل الإيديولوجي في كل منهما، ونوع ” القوى ” المتحكمة والفاعلة على الأرض في مواجهة العدوان الداعشي وغير الداعشي المشترك في الجهات الكردية، وأنا أتابع الاستبسال الكردي، وقافلة الشهداء الكرد هنا وهناك، حرصاً على كل ذلك، أتوقف عند بعض النقاط التي تواجهنا بأكراد القناتين:
أكراد الصباح غيرهم أكراد الظهر، غيرهم أكراد المساء، غيرهم أكراد الساعة الخبرية الأخيرة ليلاً، وكلهم في الهم كرد واقعاً، ولكن الواقع الكردي يكذّب ما يتردد: من سمع ليس كمن رأى، فيكون الكردي المركز على روداو غيره المركز على روناهي، غيرهما المركز على الاثنتين، ليس من ناحية الاختلاف، وإنما في الدمغة ” الاتهامية ” التي تحمّله وزراً يضيّق عليه سبلاً كثيرة، وأعتقدنا  قد سمعنا ورأينا، وليتنا أعدِمنا البصر والبصيرة لنعيش تلك الكردية بعيداً بعيداً عن هذا التصريف البورصوي للكلمة” الأكراد “،
هم، هم، هم أنفسهم، ولكن التحميل الإيديولوجي يغيّر، إلى درجة مريعة، في طبيعة المكان وتسمياته، والسكان وأنشطتهم، الجنود والمعنيين بهم، كما لو أن الأرض أكثر من بعد” أكثر من أرض “، أن بشر روداو غير غير روناهي، والعكس صحيح، والتاريخ المدوّن بسلسلة رواته في أي منهما، غيره مع السلسة الأخرى، سواء في زاوية النظر، أو نسَب كل راوية، وعقيدته وعقدته، ومن يكون ظهيره ومديره…الخ.
ليس هناك البيشمركة، ولا ypg، أو ypj، إنما هناك الكرد واقعاً: هناك المقاتلون الكرد، المقاومة الكردية، ولكن إرادة الإيديولوجية الكردية لها هواها النافذ في التسميات، ليجد الأعداء في ذلك بغيتهم.
في روناهي ثمة لون واحد للمعطى الخبري وضبط التلقي من المقابلات في مستويات مختلفة، حيث البوصلة العقيدية تحيل الجغرافيا السياسية الكردية إلى اتجاه واحد، إذ لامجال للحديث عن الأخطاء الحاصلة الفاصلة، فالظروف ” الإسعافية ” حاضرة، والعدو أو إيجاد العدو أو ابتداعه من أبسط المحاولات، لتبرير أي خطأ، جهة الضحايا، أو تسلل الأعداء، كما لو المزيد من ضخ الشعارات يعدم الرؤية، وحيث يعلم المعني بالأحداث طبيعة البطولات الكردية هنا، وروعتها، سوى أن تجاهل الأخطاء ذات الصلة بالأرض، وكيفية إدارة الأحداث، يقلل من قيمة المعطى الخبري، وتحديداً، حين يتم التشديد على أن هناك ” قوات كردية ” واحدة ذات الصبغة الإيديولوجية الملحوظة، وفي حالات نادرة يتم التذكير بالتنوع، كما لو أن الأرض المرئية، وتنوع المقاتلين وكلهم كرد” في كوباني كمثال حي “، لا قيمة لشهادتها .
في روداو التي تفصح في الكثير من الأحيان عن هذا التنوع، وهذا مما يسجَّل لها، سوى أن ثمة حاجة إلى أكثر من المزيد للانفتاح على ” الآخر ” الكردي، في التخلص من الوازع الإيديولوجي التحزبي، فالبيشمركة ذات العراقة كردية ولا تحمل دمغة حزبية، وأي حديث عن النّسَب الحزبية في تقاسمها، إيقاع بالأطراف جميعاً، إلى جانب لزوم التدقيق في الأخبار التي تغطي تتالي الأحداث:
مثال على ذلك، وفي تاريخ 15-1-2015، تم التأكيد ” كوبانياً ” وعبر الاتصال المباشر على أن ” المحرَّر ” من سيطرة داعش هو” 85 بالمائة “، وإثرها مباشرة، ورد رقم آخر” 75 ” بالمائة، وفي ” 16-1-2015 “، قلت النسبة، رغم أن الأخبار تقول بتقدم القوات الكردية، أو أن هذه النسبة ” 85 ” من المدينة تحت سيطرة القوات الكردية ومنذ أكثر من أسبوع، وهذا يقلل من فاعلية الأخبار الواردة، ويتطلب المرئي أكثر من ضبط وانفتاح على الجاري.
بين القصف الجوي ” bumbebarankirin”، والقصف المدفعي ” topbarankirin”، ورشْق الرصاص ” gulebarankirin “، أي عامودياً وأفقياً، يعيش الكرد إحداثيات المجابهة الكردية مع أعداء مرئيين وغير مرئيين، ومأساة الكرد إزاء المترتب على الطاولات من قبل القوى المتحكمة بالأرض في وهم القصف والنقاط المرصودة كثيراً، وبين هذه وتلك، يتم تقاسم الكرد في عواطفهم ومشاعرهم، يبقى الكرد ” العِيال الصُغيّرين ” في عهدة ذوي النفوذ، وتلك إرادة القوة وسياستها دولياً، سوى أن ما يجعل ” العيال الصغيرين ” داخل البيت الكردي المتصدع ومنهم وفيهم، أو إزاء تقاسم الكرد باعتبارهم أكراداً، لتكون عبارة ” من سمع ليس كمن رأى ” تلفزيونياً، خلاف عبارة ” من رأى وسمع على الأرض ” خلاف عبارة مماثلة تلفزيونياً، والأدق من هذه وتلك هو أن المرء المرء لا يحتاج إلى وصفة وتدريب على كيفية تطبيق هذه العبارة أساساً، لأن المرئي والمسموع في القناتين، مع التقدير لبطولات الكرد ونبل دماء الضحايا والشهداء، يحرصان على إبقاء الكرد أكراداً، وحين يكون الكردي المشاهد لروداو غير كردي روناهي، وبالعكس، حتى لو كان يتحرى المختلف، تحت وطأة المهماز الإيديولوجي الكردي، والمساومات التي تتم كردياً، حيث إن أي خلل يعم بعاقبته الكردَ دون تمييز.
آتي في النهاية على إيراد هذين المثالين :
في مهرجان ” كَلاويج ” الذي يقام سنوياً في مدينة ” السليمانية ” في الثلث الأخير من شهر “11 ” من كل عام،سنة2013 “، وفي إدارة إحدى الجلسات الصباحية، استهل الباحث العربي العراقي المعروف ” د. عبدالله ابراهيم ” كلمته بالتحية، واستخدام كلمة ” الأكراد “، فجاء الرد مباشرة” من الصالة ” هكذا: الكرد.. الكرد، وفي الحال اعتمد د. ابراهيم هذه المفردة مسترسلاً في الحديث المطلوب، ولعله في قرارة نفسه كان على علم بالفارق بين المفردتين، سوى أن حُكم الأولى هو الأصح، ليس لأنه الأكثر دقة، وإنما لأن الواقع يشهد على ذلك، وإن كان هناك في واعية الباحث مفهوم آخر يصله بما هو كردي قومياً، وقد راعى الحضور ليس إلا..
في المثال الثاني: قبل عقد زمني ونصفه، التقيت في دار” الطليعة البيروتية “: بالباحث اللبناني ” د. علي زيعور”، ويعتبَر صاحب أكبر ” موسعة في التحليل النفسي للذات العربية “، من خلال أكثر من عشرة كتب في هذا السياق، ونحن نتجاذب أطراف الأحاديث، طرح علي سؤالاً مرفقاً بابتسامة: ابراهيم، انتو الأكراد ليش ما تتوحدو ” ابراهيم، أنتم الأكراد، لماذا لا تتوحدون ؟ “، بابتسامة مماثلة رددت هكذا: تعلمنا منكن يا دكتور ” تعلمنا منكم يا دكتور “، فاتسعت دائرة ابتسامته.
ولا أدري على م انطوت ابتسامته في الحالة الثانية طبعاً، سوى أنني أدري تماماً، أن ابتسامتي، وأنا أسمِعه جواب سؤاله العرَضي، كانت خلاف ابتسامته، إذ لم أشأ أن أدخل في التفاصيل، وثمة مرارة استشعرتها في حلقي، وهي قائمة حتى اللحظة، ولعلها ستستمر إلى إشعار آخر وآخر وآخر في ضوء المعاش كردياً، أعني أكرادياً .
دهوك-17-1-2015

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…