المحامي مصطفى أوسو
يكثر الحديث في الفترة الأخيرة، عن مبادرة المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، السيد ستافان دي مستورا، لايجاد مخرج سياسي للأزمة السورية المستعصية والمتفاقمة، منذ منصف أذار 2011 والتي تأتي في إطار سلسلة من المبادرات المشابهة، عربياً وإقليمياً ودولياً، دون أن تحقق أهدفها والنتائج المرجوة منها، ليبقى الشعب السوري طوال المرحلة الماضية، يدفع ضريبة أحداثها المأساوية ويكتوي بلهيب نيرانها ويئن تحت وطأة وحشيتها ونتائجها الكارثية، نتيجة إصرار نظام المجرم بشار الأسد، المضي في التعامل معها بالعنف والقوة المفرطة، وتردد المجتمع الدولي في معالجتها ووضع حد لها، ما يؤدي إلى المزيد من القتل والتهجير والتشريد والتدمير.
المبادرة المذكورة بالاستناداً إلى اللقاءات والاجتماعات التشاورية التي يجريها دي مستورا، مع مختلف الأطراف والجهات المعنية بها، تتضمن: تجميد العمليات القتالية بين النظام والمعارضة المعتدلة، على أن تبدأ من حلب ويتم تعميمها على مناطق أخرى في حال النجاح، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وزرع بذور عملية سياسية، بالترافق والتوازي مع سلسلة من الإجراءات الكفيلة بإدارة المناطق وفق أسس اللامركزية الإدارية وتعزيزها، إضافة إلى اتخاذ بعض الإجراءات المؤدية إلى زرع وبناء الثقة بين الطرفين، مثل: إطلاق سراح المعتقلين أو حسن معاملتهم وإعادة الخدمات العامة وعودة النازحين والمرور الحر للمنظمات الإنسانية.
ورغم عدم اكتمالها، إلا إن هذه المبادرة، هي حصيلة قراءة دقيقة للواقع السوري، وخبرة كبيرة اكتسبها صاحبها من التعامل مع هكذا ملفات في الدول التي كانت تتشابه أوضاعها مع الوضع السوري، من حيث التنوع القومي والديني والطائفي والمذهبي، وأيضاً من حيث طبيعة الأنظمة القمعية والاستبدادية والديكتاتورية، الحاكمة فيها، مثل يوغوسلافيا السابقة والعراق، ومن واقع التطورات التي تمر بها الأزمة السورية، والدرجة الكبيرة والخطيرة، التي وصلت إليها من التشابك والتداخل والتعقيد، ما يجعل – وفق تصور دي مستورا – من الصعوبة بمكان حلها عسكرياً وسياسياً بشكل مباشر ودفعة واحدة.
ما يميز هذه المبادرة، ويجعلها ذات أهمية، هي إنها تربط العملية السياسية والتفاوضية بين النظام والمعارضة بمدى ما يتم تحقيقه على الأرض من تطور ونجاح، وعدم تجاهل الأسس التي قامت عليها المبادرات السياسية السابقة وما نتج عنها، وخاصة البيان الصادر عن مؤتمر جنيف 1 للسلام، والقرارات الدولية المتعلقة بالوضع السوري.
مهما كانت مضامين المبادرات السياسية الجديدة المطروحة جيدة، فإن التجارب المريرة مع النظام في سياق المبادرات المماثلة السابقة في عهدي مبعوثي الأمم المتحدة السابقين كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، تؤكد عدم جديتة في التوصل إلى حل سياسي لهذه الأزمة، هو يعمل على استغلالها للمناورة وكسب المزيد من الفرص للانقضاض على الثورة السورية، ومحاولة إنهائها، وإدامة بقاءه في السلطة، فهو يسعى بكل السبل، وكما عمل في مفاوضات جنيف 2 إلى اختزال هذه المبادرة أيضاً، بمحاربة الإرهاب، وهذا بالضبط يفسر إصراره على ضرورة تنفيذ قراري مجلس الأمن الدولي ( 2170 و 2178 ) المتعلقين بمحاربة الإرهاب.
وما يزيد المخاوف أكثر وأكثر، أن يؤدي تطبيق المبادرة في سوريا، إلى تكرار ما حدث في البوسنة والهرسك، عندما تم إنشاء المناطق الأمنة لحماية عدد من المدن البوسنية من اجتياحات الصرب، وكانت مدينة سربرينيتسا من ضمنها، حيث تم تجريد تلك المناطق من كل وسائل الدفاع عن نفسها، فما كانت من القوات الصربية إلا أن أغارت على مواقع البوسنيين مرتكبين مجازر عدة، ومنها مجزرة سربرينيتسا التي راح ضحينها نحو ثمانية آلاف شخص، خاصة إذا علمنا إن تطبيقها وتنفيذها لن يأتي وفق قرار صادر من مجلس الأمن الدولي، سواء كان تحت الفصل السادس أو السابع، بسبب اعتراض موسكو على هذا الأمر، خشية تكرار ما حدث سابقاً من تدخل عسكري دولي في كوسوفو.
لابد من التأكيد هنا، على إنه لا بد لأي مبادرة سياسية مطروحة لمعالجة الأزمة السورية، ومنها مبادرة السيد دي مستورا، من توفر أسس ومقومات النجاح، ومن أهمها: الأخذ بعين الاعتبار إرادة الشعب السوري الثائر من أجل الحرية والديمقراطية، والاستناد إلى القرارات الدولية ذات الصلة، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الإجراءات التي تكفل تطبيقها وتنفيذها، مثل: إقامة مناطق آمنة خالية من وجود النظام فيها، وفرض حظر للقصف الجوي، وتوفير الحمابية الكاملة للمدنيين وضمان وصول المساعدات الإغاثية والطبية اللازمة لكافة المناطق المحاصرة، والإفراج عن المعتقلين والكشف عن مصير السجون السرية التي أقامها النظام.