ابراهيم محمود
ما كان لي أن أكتب هذا المقال، وأي مقال على شاكلته، إلا لأن شعوراً بواجب الانتماء الكردي، وليس الولاء العقيدي لهذه الجهة الكردية أو تلك، رغم أن كل جهة تتصرف تقديراً منها أنها تمثّل الانتماء ذاك، ولم يأت العنوان جزافاً، إنه هو الآخر يستجيب لهذا الشعور الضاغط إزاء واقع ضاغط يتحدى الجميع، ويقصي كل طرف عن شعور وثاب وهو اعتباره يوسف والذين يخاصمونه أو يعادونه ثم يدفعونه صوب البئر، هم أخوته ” الأعداء ” ، ولعل ذلك ينطبق على ypg” قوات الحماية الشعبية “، لحظة النظر في تلك التصرفات التي تبرز فيها على الأرض: أرضها وأرض سواها، ومع الآخرين: الكرد في المجمل، فلا غريب هنا، ولا عداء هنا، سوى أن تقديراً بخصومة قائمة وفاعلة من موقع السيطرة على الأرض وإدارة الأمور، وانطلاقاً من ذاكرة عقيدية، يقلب الأمور رأساً على عقب، مما يعني التضييق على التاريخ نفسه والذي يراد له ناطقاً باسم الجميع وليس طابو لأحد .
كتابتي لهذا المقال تجاوبت مع شعور واع ” كما أرى ” بفداحة ما يجري كردياً- كردياً، وهذا ما يؤسَف له، رغم أن العبارة استُهلِكت كثيراً، لأن ثمة تاريخاً هو الأكبر حضوراً بإيلامه جهة حلبات ” الأخوة الأعداء ” وهم كرد كرد…
لا أحد يستطيع أن ينكر أن لقوات الحماية الشعبية تلك السيطرة المرئية والمقدَّرة على الأرض، وأغلبيتها من الكرد، ولها فعاليتها في إدارة الأمور: ما يقارب الوضع المؤسساتي وتفعيل القرارات التي ترتبط بها وتخص المجتمع في المجالات كافة وفي الواجهة: التحدي اللافت للذين يستهدفون الكرد في مناطقهم، وثمة بطولات مسجَّلة، ثمة أسماء” وما أكثرها ” أصبحت رموزاً في البطولة ورد كيد الأعداء إلى نحورهم ” دواعشيين وخلافهم “، وثم دماء أريقت حباً بالمكان والكردايتي بالذات، تسمّي أبطالاً لا يمكن نسيانهم، أعني بإيجاز: الاعتراف بحقيقة من يسيطر على المكان وتمثيل الكردية بالذات .
سوى أن للمسألة طابعاً آخر، لحظة تصور قوات الحماية الشعبية وهي كردية في غالبها، أن كل ما تصدره من قرارات وما يرتبط بها من أعمال هو المرغوب كردياً عموماً، شعوراً منها أنها تقوم بدور يوسف والموقف من أخوته الكرد والبئر الغائرة والمتحركة، رغم أن النهاية ليست كذلك.
ولعلي في متابعة ما يجري على الأرض صوتاً وصورة، تجاه عمليات تقلل من فاعلية مغزى وجود قوات الحماية الشعبية، لها صلة بطبيعة المهام الموكلة بها والمنفذة منها، كما الحال في مفهوم ” التجنيد الإجباري ” وفي الاعتبار الأول ما أثير ويثار عن الفتيات اللواتي تقل أعمارهن عن الثمانية عشر عاماً ومقابلهن من الشباب والتأثير السلبي للعملية برمتها، كما كتب في ذلك العديد من الأخوة الكتاب الكرد وببراعة وحرص كرديين بجلاء، حيث يتدخل فيها ساسة وكتاب كرد معروفون، وتلك المشادات الكلامية اللافتة، لا بل إن ذلك قد تجاوز حدود الكرد المرسومة أنفسهم، لعلي هنا أجدني في حيرة مما يجري، حرصاً على مضمون العبارة- اللوغو” قوات الحماية الشعبية “، إذ إن المسألة لا تخرج عن تقدير قائم وخاص لقوات الحماية الشعبية ولها علامة فارقة حزبية وعقيدية ضمناً كردياً، وهو أنها تتصرف شعوراً منها بواجب الكردايتي وأنها تمثّل الصواب في كل ما تقوم به، إنما لا تخفي في مسلكها الواقعي شعوراً آخر وهو أنها في كل ما تقوم بها أو تصدره من قرار إنما تجسّد حقيقة تاريخية وهي الرد على كل من انتقدها وينتقدها وسينتقدها، بما أنها في دور يوسف والبئر والذي يستمر تلبية لشعور نفسي مؤلم: قهري ورد فعله.
لا أرى أن ثمة تفسيراً آخر يمكننا من تحرّي هذا التشدد في العلاقة، إذ إنني على بينة تامة أن لدى قوات الحماية الشعبية، ومن خلال الصلاحيات التي تعنيها وحدودها راهناً، ما يمكنها أن تذلل أي خلاف: أن لديها من قوات الحماية الشعبية: مقاتلين أشداء، ومقاتلات مقدامات في مواجهة أعداء الكرد، ما يغنيها عن كل ما يجري ويفعّل هذه التوترات لا بل ويضفي على الجاري ما يقلّل من قيمة العبارة: قوات الحماية الشعبية، أقولها، وأنا على يقين تام أن ثمة من يسهل له القول: بأن حقيقة قوات الحماية الشعبية، هو ما تقوم به جهة توفير أرضية للتوترات والتصعيد في المواقف فتكون الكردايتي هي المضحى بها، كما هو الممكن تلمسه هنا وهناك. وهو تخريج آخر لما يجري على الأرض، يمثل وجهاً من وجوه الحقيقة التي يستحيل نكرانها.
إنني في الوقت الذي أقدّر الدور الأثير لقوات الحماية الشعبية ” YPG “، وخاصية الكردية ذات الصيت فيها، أرى أنها تستطيع خفض نسبة التوتر هذا، وعدم إفساح المجال لشعور كردي هو الآخر له تقدير آخر لما يجري، وأنهم ليسوا ” أخوة أعداء ” بالنسبة ليوسف الكردي الذي يسيطر على الكثير من مقدرات الواقع الذي يؤلمنا بقائمة لافتة من ردود الأفعال كتابة وتصرفات عملية وحتى عملية نزوح وهجرة إلى خارج الحدود، لا بل والتكفير أحياناً بكرديتها، في فرصة سانحة للكرد، وهي الامتحان المصيري والمفصلي للكرد، ومن جهة من لديهم القدرة على التصرف أكثر، لأن يؤكدوا أنهم يتنفسون بروح كردية، بعيداً عن عقدة ” يوسف والبئر “، حيث إن ” فرعون ” المرئي والمقروء متعدد في الجوار وبين ظهرنيهم، وأن التاريخ الذي ينظَر فيه الآن باعتباره الأكثر نطقاً بلسان قوات الحماية الشعبية ومن يدير دفتها بأكثر من معنى، يمتد إلى المستقبل، ولا يبقى رهينة جهة معينة.
حباً بالكردايتي، حباً بقوات الحماية الشعبية في الاسم الفعلي، وحرصاً على روح العبارة، وخوفاً على الآتي والمهدد للجميع، أشدد على ما ثبَّته من ملاحظات والتي تتلخص في عدم شعور هذه القوات بأنها تمثّل الحقيقة الفعلية الوحيدة ويبقى الآخرون على خطأ، وأمامها ما يمكنها من أن تبصر ” أمامها ” وتضمن سيرورة تاريخ أمضى في الكردايتي وتقديراً من الكرد وغير الكرد.
لعل الخوف كل الخوف هو أن يصار إلى إدراج كل ما كتبته في خانة ” أخوة يوسف “، وما يعنيه من حصول وشيك لعهد يأتي به على الكرد جميعاً بقحطه وعنفه، وحينها لا تكون الحصانة لأحد، وهو الدرس الأكثر بلاغة لتاريخ جدير بأن يُحتكم إليه، وأرى مجدداً أن قوات الحماية الشعبية تقدّره إن أرادت !