صلاح بدرالدين
نشر موقع – كلنا شركاء – بحثا من خمسة حلقات للصديق الدكتور كمال اللبواني بعنوان الكرد ” قومية في زمن العولمة ” ومن أجل الفائدة العامة واغناء هذا الموضوع الحيوي الذي يعني كل السوريين باعتبار القضية الكردية هي قضية عربية أيضا كما قالها المناضل الوطني الراحل الدكتور جمال الأتاسي قبل عقود فانني سأحاول تعقب بعض الآراء والمواقف الخاطئة الواردة في النص وتصحيح بعض المعلومات التاريخية حول الكرد السوريين وقضيتهم .
كرد سوريا الذين تعرضوا كشعب الى التوزيع بين عدة دول سايكس – بيكوية وبينها سوريا منذ بداية القرن العشرين وانفراط الإمبراطورية العثمانية وعانوا من الحرمان من الحقوق الأساسية التي تنص عليها شرعة حقوق الانسان وميثاق الأمم المتحدة
وتعرضوا للقمع والاقصاء تحت ظل الحكومات السورية المتعاقبة وخصوصا نظام البعث وبالأخص في عهدي الأسد الأب والابن والذين تنفسوا الصعداء بعد اندلاع الثورة السورية أملا في تحقيق التغيير الديموقراطي والانفراج وحل قضيتهم بالحوار والتوافق نراهم وبحسب اللبواني وبقدرة قادر تحولوا من ضحايا الى جلادين ومن مضطهدين ( بفتح الهاء ) الى معتدين وهم 15% من سكان البلاد ومهددين للغالبية العربية وخاصة في الجزيرة السورية .
كان الأولى بالكاتب أن يعرفنا الى أولئك – الأكراد – الذين أقصوا أو طردوا الآخرين هل المقصود كل الشعب الكردي أم حزبا أم فئة أم مجموعة واذا كان ذلك صحيحا هل – المعتدون – هؤلاء يمثلون الكرد وحركتهم الوطنية ؟ ثم هل فعلا أن الكرد عملوا ( على تنامي روح العداء ) بينهم وبين العرب بالجزيرة وغيرها أم أن النظام الشوفيني هو من أثار الفتنة بين مكونات الشعب السوري على مبدأ – فرق تسد – وهو من سعر العنصرية والتمييز القومي وكانت ومازالت وظيفة الحركة الوطنية الكردية إطفاء الحريق والدعوة الى التفاهم الكردي العربي والصداقة والتضامن المشترك ألم يتوغل النظام في استهدف الكرد وتحريض أعضاء حزب البعث وبعض العشائر العربية ؟ أو ليس النظام مسؤولا عن اشعال سينما عامودا في عام 1960 واحراق حوالي 400 تلميذ كردي ؟ أليس هو المسؤول وعبر مسؤول الأمن العسكري آنذاك – محمد منصورة – عن احراق 60 كرديا في سجن الحسكة ؟ أليس النظام هو من قام باثارة الفتنة العنصرية بالقامشلي عام 2004 ؟
ثم ماذا يعني وضع النظام مخططا عنصريا لحرمان عشرات آلاف الكرد بالجزيرة من حق المواطنة ثم جلب مواطنين عرب من محافظات أخرى لاحلالهم مكان الكرد المحرومين وعلى أرض آبائهم وأجدادهم وتشييد سبعة وثلاثين قرية أو مزرعة نموذجية وفي الأراضي الخصبة ( وجزء من قريتي جمعاية التي نشأت فيها من ضمنها تحت اسم الفرسان ) ومحمية بالسلاح لهم في وسط الغالبية الكردية ؟ وأمام أنظارهم ثم يفاجئنا السيد اللبواني بالقول : (أن معظم سكان الغمر – الوافدين – العرب سكنوا في أراضي غير مملوكة وغير مستثمرة !!) يعني بحسب ادعائه سكنوا الصحراء والمنطقة كلها خضراء وماطرة وهي فعلا غير مملوكة بموجب مراسيم جمهورية حرمت مالكيها الكرد وصدرت ضمن مخطط – الحزام العربي – العنصري السيء الصيت قبل وصول الوافدين بمدة قليلة .
بكل أسف يقف الكاتب الى جانب سياسات نظام الأسد العنصرية تجاه الكرد من دون أن يعلن عندما يبرىء السلطة من وضع ذلك المخطط ويعتبر حرمان الكرد من حق المواطنة وملكية الأرض بمثابة (تنازع العرب والكرد على هوية الأرض) أي أن سلطة النظام محايدة ولاصلة لها بماجرى في حدود دولة قائمة لها قوانينها ومخابراتها وميليشياتها الحزبية المسلحة .
يقول الكاتب أنه (سبق وحذرت من استخدام الأحزاب الكردية المسلحة كشبيحة للدفاع عن النظام … ومن استخدام القضية الكردية المحقة كبوابة لتقسيم سوريا) وهنا يظهر كيف أن الكاتب عاد عن اتهامه الجماعي للكرد الى تشخيص أحزابه كشبيحة للنظام وهو أمر سياسي يمكن مناقشته حيث جماعات الشبيحة والإرهابيين رغم أكثريته العربية لاقومية معينة لها ثم أن الذين يقصدهم الكاتب مازالوا جزء من مشروع النظام الذي لاأعتقد أنه يتضمن إقامة دولة كردية وليسوا ضمن صفوف المنضوين في المشروع الوطني الكردي الذي هو جزء لايتجزء من المشروع الوطني والثورة السورية .
يوجه الكاتب اتهامه للغرب بالوقوف الى جانب الانفصال الكردي والسؤال هنا من من الكرد يرغب بالانفصال حتى يقف الغرب معه ؟ أليست مصالح الغرب حتى اللحظة مع النظام العربي الرسمي ونفطه وإسرائيل ومؤخرا مع ايران وتاريخيا مع تركيا ؟ أليس الكرد وطوال التاريخ من ضحايا مشاريع الغرب واتفاقياته مع أنظمة المنطقة المقسمة للكرد ووطنهم من السنتو الى سعد أباد والناتو واتفاقية الجزائر ؟ .
من سرعة تقلبات الكاتب في المواقف والآراء في بحثه ضيع على نفسه وعلى القراء فهم مايريد أن يستخلص من نتائج بخصوص الكرد السوريين وقضيتهم مرة يشير اليهم كعامل فرقة وانقسام ثم يهادنهم ومرة ينتقل باتهاماته الى أحزابهم ومرة يتهجم على الحركة القومية العربية ثم يتحول من دون أن يدري الى يمين المرحوم ميشيل عفلق وبعد ذلك الى ليبرالي ثم أصولي إسلامي متزمت .
ومن الأخطاء الفادحة التي وقع فيها الكاتب مقارنته غير الواقعية بين الحالة الكردية السورية أو العامة من جهة وبين التجربة الفدرالية الأمريكية وكذلك الاتحاد الأوربي ففي الأولى اتحاد بين ولايات بغض النظر عن أعراقها وأجناسها وفي الثانية بين دول مستقلة أما القضية الكردية فهي قضية شعب قسم وجزىء وتوزع بين دول أربع من دون ارادته .
والخطأ الآخر هو اقراره بأن المسألة القومية قد انتهت وفات أوانها حتى أن عنوان بحثه يخفي موقفا استباقيا استفزازيا للكرد علما أن حق تقرير مصير الشعوب مازال من أقدس المبادئ وأرفعها قد يجوز أن هذا المبدأ قد تطور ويواجه ديناميكية جديدة خاصة وأن الشعوب مازالت موجودة فهي ستقرر مصيرها القومي والسياسي والاقتصادي والمسألة القومية ملتهبة في جميع القارات حتى في أوروبا المتقدمة مثل – اسكوتلندا – واسبانيا وفرنسا وبلجيكا وقبل ذلك في دول البلقان والاتحاد السوفيتي السابق وفي تيمور الشرقية وجنوب السودان وفي فلسطين من دون أن ننس الأمازيغ في الشمال الافريقي .
نعم حل المسألة القومية ومن ضمنها الكردية لن تحل على غرار ماحصل في القرن التاسع عشر وحتى شعارات وأهداف حركات التحرر القومي الراهنة لاتتطابق مع ماظهر قبل قرن وبالنسبة للمسألة الكردية قد أتفق مع الكاتب في بعض الجوانب وليس كلها وأرى أن مصير الكرد السوريين مرتبط بمصائر المكونات الأخرى وخاصة الشريك العربي الأغلب وستحل قضيته ضمن التفاهم الكردي العربي ومن خلال الحل الوطني الديموقراطي وعلى مبدأ حق تقرير المصير أي بإرادة الكرد الحرة في اختيار الصيغة الأنسب وفي اطار سوريا الواحدة .
أما ماذهب اليه الكاتب من خلط الحركة الكردية بالحزب الشيوعي السوري وخالد بكداش وتعريفه كلمة (البارتي) بالحزب الشيوعي فأمر مضحك ذكرني بماجرى معي لدى مثولي أمام نائب عام محكمة أمن الدولة العليا بدمشق السيد علي عبدو الظاهر عام 1969 عندما قال في معرض الاتهام : أنت عضو بالبارتي الذي يعني (القومية الكردية) ثم صححت له بالقول البارتي كلمة لاتينية تعني الحزب فنهرني طبعا على معروفي تماما مثل نفيه وجود لغة كردية تاريخية مما ينم عن جهل الكاتب لتاريخ الكرد كشعب الذي يبدأ منذ ماقبل الميلاد بمئات السنين منذ ملحمة كاوا الحداد ( 400 ق م ) والتي تعتبر اليوم الجديد – نوروز – والعيد القومي لكافة كرد العالم وجاء على ذكر الكرد المؤرخ اليوناني قائد حملة العشرة آلاف ميل أو مقاتل في – أناباس – ومن الواضح وحتى لايتهمنا أحد بالانحياز نقول أن تاريخ الشعوب جميعها لايخلو من المبالغات والأساطير ولكن علينا التعامل مع وصلنا من الأسلاف كتابيا أو شفاهيا أو حتى عبر الفولكلور والأمثال الشعبية .
بالرغم من كل المآخذ على ماكتبه الصديق اللبواني الا أنني سعيد بتناوله هذا الموضوع الهام وذلك كمحاولة لفتج أبواب الحوار على مصراعية ومواصلة النقاش حتى التوصل الى قواسم مشتركة تعزز عيشنا المشترك واتحادنا أمام التحديات ضمن المشروع الوطني العام .