أولويات السياسة الدولية ومحاربة الارهاب

افتتاحية الوحـدة *
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتأسيس منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي واقتسام مناطق النفوذ وإلتفات الدول المتضررة إلى إعادة البناء وتقوية الذات في ظل استمرار حربٍ باردة بين معسكرين عالميين ، شهد النصف الثاني من القرن الماضي تطوراً علمياً هائلاً في كافة المجالات ، ومن أبرزها في مجال انتاج الطاقة وبرامج التسلح وانتاج وتطوير الصناعات العسكرية ، حيث في بعض جوانبها خدمت مصالح جهاتٍ بعينها دون أن تخدم البشرية ، وكذلك بقيت هناك بؤر توتر استمرت فيها النزاعات واستنزفت طاقات شعوبها ، كما بقي العديد من قضايا الانسان والشعوب ( الفقر والمجاعة والأوبئة ، الأمن الغذائي ، الطبيعة والمناخ والبيئة ، الصحة والتعليم والعمل ، المرأة والطفولة ، الحرية والكرامة ، حق تقرير المصير … الخ ) دون حلّ ، وبقيت هناك أزمات لم تخمد تحت الرماد .
ومع بدايات القرن الحالي أصبح تضارب مصالح الدول الكبرى أكثر حديةً ، وتعددت أوجه الصراع بينها دون أي اكتراث بمصالح ومستقبل الشعوب المغبونة والتي ترزح تحت نير أنظمةٍ استبدادية بغيضة ، فبرزت ردّات فعل مشوهة من حركات دينية متطرفة وحركات مسلحة أججت دائرة العنف التي تتوسع وتهدد كيان وحياة شعوبٍ عديدة ، إلى جانب إنطلاق حركات جماهيرية مدنية في بعض الدول لم تستطع بعد أن تُحدث التغيير الديمقراطي المنشود ، إضافةً إلى أن مجتمعات عديدة لم تعتقْ بعد من موروثها الثقافي المتخلف أو تتحرر من آثار وأفكار الايديولوجيات المتزمتة المتناحرة .
إذاً باتت اللوحة السياسية والنفعية الدولية والاقليمية أكثر تعقيداً وتشابكاً وصارت تلقي بظلالها على قضايا وأزمات مختلفة وعديدة ، وأحدثت خللاً في أولويات المجتمع الدولي التي من المفترض أن تتبوأها قضايا حقوق الإنسان والشعوب. ففي منطقة الشرق الأوسط ، حيث أصبح الملف النووي الإيراني وإلى حدٍ ما ملف الغاز إلى جانب حماية إسرائيل ومصادر النفط وطرق نقله والاحتفاظ بمناطق النفود من أساسيات اهتمام السياسة الدولية إضافةً إلى ما استجد في ملف الإرهاب والتنظيمات التكفيرية المتوحشة .
وبما أن منطقتنا تزخر بالتناقضات السياسية والاجتماعية والعرقية والدينية وغيرها ، ولا زال التخلف والجهل والموروث الثقافي السلبي يعشعش في مجتمعاتنا التي استحكمت بمصيرها أنظمة بالية ، أصبحنا اليوم ومنذ عقود نواجه البؤس والمآسي والويلات ونكتوي بنارها .
النظام الأمني الاستبدادي في سوريا فعل ما فعل ببلدنا وارتكب الفظائع بحق شعبنا وأوصد كل الأبواب أمام أي حلٍ سياسي وطني ، مرتهناً إلى محور إقليمي دولي ومسلماً إياه قراره، والمعارضة بدورها انزلقت إلى العمل المسلح وارتهنت هي الأخرى إلى الخارج ، متشتتةً أيضاً بين أجندات متفاوتة لمحور إقليمي دولي آخر ، أي أن الوضع السوري يترنح بين محورين متناقضين، بينهما الكثير من التنافر والمسائل العالقة الكافية لعرقلة أي محاولة لإيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية ، وبسبب عدم نضج التفاهم على المصالح بين داعمي أطراف الصراع في سوريا، فقد فشلت اجتماعات جنيف، ولاتزال محاولات المبعوث الدولي الجديد السيد دي ميستورا تلقى الكثير من العراقيل ومهددة بالإخفاق، خاصةً وأن خطر تنظيم داعش يهدد الجميع، وأن ضرورات محاربته وتطويقه أصبحت في المقام الأول لدى المجتمع الدولي . وبما أن الحرب على داعش ستطول والحروب الداخلية في سوريا متقدة ولا حل سياسي في الأفق ، لابد للجهود أن تنصب على المسائل الانسانية في الداخل والخارج ( حماية المدنيين ، فتح ممرات آمنة ، إطلاق سراح المعتقلين ، تأمين الإغاثة والطبابة ، التربية والتعليم ، تحسين أوضاع اللاجئين … الخ ) .
ففي الواقع السوري المؤلم والمزري ، حيث لايزال النظام متشبثاً بالسلطة وهو ماضٍ في نهجه الدموي التدميري ، وغلبَ طابع الإسلام السياسي المتشدد على معظم الفصائل المسلحة، وهي تنتهك حقوق الإنسان دون أي وازع ديني أو أخلاقي ، وتُسيطر داعش وأخواتها على مساحات واسعة من سوريا والعراق، وهي تشن حرباً ممنهجة على كوباني منذ أكثر من شهرين دون تمكنه من إخضاعها لسيطرته بسبب المقاومة البطولية لقوات حماية الشعب مدعومة من قوات البيشمركة ومؤازرة من أبنائها ومساندة التحالف الدولي …. في هذا الواقع المرير كان لابد للكُرد في سوريا أن يلتفتوا إلى وضعهم ويرفعوا شعار ” وحـدة الصف الكردي في سوريا ” كهدف استراتيجي ، ضمن برامج وطنية وديمقراطية إنسانية تحملها بالأساس حركتهم السياسية ، خاصةً وأن مصيرَهم بات يواجه خطرٍاً وتحدياً كبيرين.
لذا فإن الامتحان الأكبر أمام الكُرد في سوريا هو تنفيذ اتفاقية دهوك التي كانت تتويجاً لجهود كردية وكردستانية مضنية واستجابة لمتطلبات سياسية وعسكرية راهنة ، ويبقى الأمل معقوداً بالاعتماد على الذات وترتيب البيت الداخلي أولاً وعلى دعم القوى الكردستانية والوطنية الديمقراطية السورية وقوى السلم والعدالة الدولية.
* جريدة الوحـدة – العدد / 256 / – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا ( يكيتي )

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…