بانوراما أحداث ديريك منذ الثاني من نيسان وحتى اليوم

  محمود صفو*

في الثاني من نيسان 2007 حوالي الساعة التاسعة مساء حصل شجار اعتيادي بين بعض الشباب من الأخوة السريان و الكرد في مدينة ديريك باللكمات والعصي و لكن وللأسف الشديد فيما بعد توسعت نوعاً ما حتى تدخل الآخرون من الطرفين حيث اشتدت الواقعة إلى أن وصل باستخدام السكاكين والحجارة بعنف شديد من قبل الطرف السرياني

وكأنهم بذلك أرادوا أن يفرغوا جام غضبهم على هؤلاء الشباب الكرد وضربهم بشكل عشوائى  فالتم العشرات من حولهم وطعنوهم بسكاكينهم بكل همجية ووحشية ونتيجة عملهم الطائش هذا انتقل إلى جوار ربّه الشاب المغدور جوان أحمد محمد وجرح آخرون وفور حدوث ذلك تدخلت السلطات المحلية بكل قواهم وألقي القبض على بعض المتشاجرين من الطرفين وتفاقمت الأزمة أكثر فأكثر عند انتشار نبأ وفاة المغدور جوان وتجمع المئات بل والآلاف من أبناء الشعب الكردي لمرافقة جنازته من المشفى إلى جامع حاج جاسم وطالب الجميع السلطات بالعمل الجاد لإلقاء القبض على الجناة وتقديمهم للمحاكمة أصولاً لينالوا جزاءهم العادل وفور تطور المسألة دعا مدير المنطقة معظم ممثلي الأحزاب الكردية ورجال الدين الكرد ومعظم وجهاء المنطقة من الكرد وطلب منهم جميعاً الحضور إلى الساحة ليكونوا عوناً للسلطات من أجل وضع الحلول المناسبة لهذه المشكلة الاجتماعية التي ما كانت على البال ولا على الخاطر أبداً وبالفعل حضر الجميع خلال فترة قياسية ليقفوا في وجه بعض الشبان الكرد المندفعين الذين حاولوا أن يفعلوا شيئاً لا يليق بأخلاق شعبنا الكردي وبالحكمة التي تحلى بها الخيرون وبتصرفهم العقلاني حاولوا تهدئة الوضع وخصوصاً بعد الكلمة التي ألقاها الشيخ معصوم ديرشوي  أمام الحشد الكبير وطلب من خلال كلمته التهدئة والتعامل مع الحدث بالشكل المناسب وبعده ألقى مدير المنطقة كلمة ناشد فيها الجميع بضبط النفس وأعلن أمام الملأ بأنهم قد ألقوا القبض على بعض المجرمين ولن يهدأ له بال حتى يتم إلقاء القبض على بقية المجرمين وتقديمهم للعدالة عندها تم تهدئة النفوس نوعاً ما وبناء على دعوة والدة المغدور تم تأجيل دفنه إلى يوم الثلاثاء 3/4/2007 الساعة العاشرة صباحاً وتفرق الحشد الكبير ولكن ملامح الغضب كانت تملأ وجوههم وبعد ذلك التقى مدير المنطقة في مكتبه ممثلي القوى السياسية الكردية ووجهاء الكرد وشكرهم على تعاونهم الجاد من أجل إطفاء نار الفتنة بين أبناء المنطقة هذا وطالت الاجتماعات حتى الساعة الثانية والنصف من بعد منتصف الليل وفي اليوم التالي وبحضور الآلاف من أبناء الشعب الكردي الذين استنكروا هذه الجريمة البشعة تم دفن المغدور جوان أحمد في مقبرة المدينة حيث ألقى الشيخ الجليل معصوم ديرشوي مرة أخرى كلمة تاريخية قوية الأثر على النفوس وقال فيها بما معناه( إنني أوجه كلامي هذا بالدرجة الأولى للشباب اليافعين المندفعين وأعرف جيداً أن كلامي هذا سوف لن يعجبكم في الوقت الحالي  وستنتقدونني بشدة ولكنكم بعد عشرة أيام سوف تقولون ما أحسن قوله.

إن شاؤوا أم أبوا نحن شركاء هذا الوطن ولا يستطيع أحد أن يزحزحنا من هنا ولكن في نفس الوقت نحن أيضاً لا نستطيع أن نهحر غيرنا من هذا المكان لنعي هذه الحقيقة التاريخية, إننا وجميع مكونات المنطقة أخوة وعلينا أن نحافظ على هذه الأخوة بشكل حضاري وأن لا نفتح المجال لأي كان أن يصطاد في الماء العكر.

ها نحن ندفن شهيدنا هذا الذي قتل نتيجة شجار غير مبرر بعيد كل البعد عن أي صراع سياسي أو ديني أو قومي وإن هذا الإجرامي المرفوض من قبل جميع الشرائع والأديان السماوية ندينه وندعو السلطات المحلية على بذل كل الجهود لإلقاء القبض على الجناة وتقديمهم إلى العدالة لينالوا قصاصهم العادل ونطالب منكم جميعاً ضبط النفس والعمل على تهدئة الوضع ولنعود إلى حياتنا الطبيعية لنترك القانون أن يجرأ مجراه لنساعد كلنا معاً السلطات المحلية في عملهم من أجل إحقاق الحق وزهق الباطل).


ومن ثم ألقى خال المغدور كلمة مقتضبة شكر فيها الحضور جميعاً وطالبهم بالتهدئة والابتعاد عن الاستفزاز والتهور, ولكن وللأسف الشديد بعد الانتهاء من مراسم الدفن حاول العشرات من الشبان المندفعين أن يدفعوا المسألة باتجاه خاطئ منافي للقيم والثقافة الكرديين وحاولوا الذهاب إلى بعض أحياء الأخوة المسيحيين للانتقام العشوائي والعفوي من الجدران وبعض زجاج النوافذ والأبواب بالحجارة ليس إلا ولكن سرعان ما طوقت المسألة بتوحيد وتضافر جهود الحركة السياسية الكردية ورجال الدين الإسلامي الكرد والمثقفين الكرد والشباب الواعين وبعض الوجهاء الكرد في المنطقة من جهة والسلطات المحلية بقيادة العميد الركن السيد فايز غازي مدير المنطقة من جهة أخرى وتم ذلك بالكلمة الطيبة أحياناً واستخدام القنابل المسيلة للدموع أحياناً أخرى .
من هنا ندعو الاخوة المسيحيين أن يبتعدوا عن مسألة تضخيم الحدث وتضليله وإطلاق تصريحات هنا وهناك لتأجيج الموقف وندعو الأخوة المسيحيين من رجال الدين والمجلس المللي والمنظمة الديمقراطية الثورية في المنطقة إلى التعاون الجاد وعدم الوقوف إلى جانب الجناة الذين اقترفوا هذه الأعمال الشنيعة التي تخالف كل القيم والأعراف الإنسانية وأن ينالوا جزاءهم العادل ليكونوا عبرة لمن اعتبر ولنضع معاً حداً لكل من تسول له نفسه أن يفتح لنا باباً نحن جميعاً بغنى عن فتحه وبذلك سيشتد التلاحم الأخوي والتاريخي بين جميع مكونات المنطقة بشكل عقلاني وحضاري.
الجدير بالذكر أن جميع الأخوة العرب الموجودون في المنطقة /عدا السلطات/ لم يساهموا ولم يتدخلوا في إزالة تلك البقعة السوداء التي حاولت أن تلوث جو مدينة ديريك لا سلباً ولا إيجاباً.

ديريك: 4/4/2007 
*  عضو المكتب السياسي للحزب اليساري الكردي في سوريا

   

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   في دهاليز السلطة، حيث تتهامس الأقدار وتتصارع الإرادات، تُحاك خيوط اللعبة السياسية ببراعة الحكّاء الذي يعيد سرد المأساة ذاتها بلغة جديدة. تُشبه تركيا اليوم مسرحًا تراجيديًا تُعاد كتابة فصوله بأقلام القوة الغاشمة، حيث تُختزل الديمقراطية إلى مجرد ظلٍّ يلوح في خطابٍ مُزيّف، بينما تُحضَر في الخفاء عُدّة القمع بأدواتٍ قانونيةٍ مُتقَنة. إنها سردية قديمة جديدة، تتناسخ…

خالد بهلوي بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى وإرساء أسس بناء الاشتراكية وظهور المعسكر الاشتراكي كقوة اقتصادية وعسكرية تنافس الدول الرأسمالية ومعسكر الحلف الأطلسي، انعكس هذا التوازن على العديد من الدول، فحصلت على استقلالها، ومن بينها الدول العربية. كما خلقت هذه التحولات قاعدة جماهيرية تنادي بضرورة الاشتراكية، وأصبحت بعض هذه الدول، وحتى الأحزاب القومية التي تشكلت فيها، تدّعي…

شكري بكر لا يزال موقف حزب العمال الكوردستاني غير واضح تماما من فحوى نداء أوجلان في تسليم السلاح وحل نفسه. هنا سؤال يطرح نفسه: هل رسالة أوجلان وجهها لحزب الاتحاد الديمقراطي في تسليم السلاح وحل نفسه؟الصفقات التي يقوم بها الـ PYD مع الشرع هنا وهناك دلالة للسير بهذا الاتجاه.أعتقد أن الـ PYD سيسلم سلاحه وحل نفسه عبر الإقدام على عقد…

صلاح بدرالدين   زكي الارسوزي من مواليد – اللاذقية – انتقل الى الاسكندرون لفترة طويلة ، ثم عاد يمتهن التدريس في دير الزور وحلب وغيرهما ، وله الدور الأبرز في انبثاق حزب البعث ، ومعلم الرواد الأوائل في هذا الحزب ، وقد طبع كتابه الموسوم ( الجمهورية المثلى ) في دار اليقظة العربية عام ١٩٦٥ ، وتضمن آراء ، وأفكار…