(وفي الناس المحبة ، وعلى الأرض السلام )

توفيق عبد المجيد

تحدث الشجارات في كل مكان وزمان ، وفي جميع الدول ، المتخلفة منها والمتقدمة ، النامية منها والمتطورة ، في السنغال ، أفقر الدول في القارة الإفريقية ، وفي سويسرا ، أرقى الدول في القارة الأوربية ، ثم تنتهي هذه الشجارات بتدخل الجهات المسؤولة لوضع حد لها سواء في مراكز الشرطة ، أو في المحاكم إذا استدعى الأمر .
لكن ما يحصل في بلادنا مخالف لكل ما هو متعارف عليه ، في دول العالم ، بسبب تدخل أكثر من جهة في الحادث ، وتجاذبها مجرياته بغية حرفه عن الحقيقة ، وتجييره لغرض ما قد لا يخدم بالدرجة الأولى الحادث ومن ثم الوصول إلى الحقيقة ، ومعاقبة الفاعلين بموجب القوانين النافذة ، وإعطاء الفرصة للقضاء لكي يقوم بدوره بعيداً عن الإملاءات ، وفرض الإرادات ، والتدخلات المغرضة ، ليصنفوا هذا الحادث العادي في وقوعه ، ضمن تصنيفات بعيدة كل البعد عن الواقع ، ويدخلوه في متاهات وأنفاق لا تخدم الوحدة الوطنية ، وأواصر التآخي ، والعيش المشترك بين جميع مكونات البلد على مدى عقود من الزمن .
لقد وقعت يوم الاثنين الماضي مشاجرة بين بعض الشباب ، وسرعان ما أخذت هذه المشاجرة منحى خاصاً وخطيراً لأن طرفيها ينتميان إلى مكونين مختلفين في مدينة ديريك ، المكون الكردي الذي كان أحد شبانه ضحية لهذه المشاجرة ، والمكون السرياني الذي اعتدى مجموعة من شبانه على أكثر من شاب كردي ، وأسفرت النتيجة عن قتيل وجرحى من الطرف الكردي المعتدى عليه .
إن ما حصل يدعو للأسف ، سيما وأن المدينة مشهورة بمكوناتها القومية والدينية المختلفة ، ولم تقع فيها أية حوداث تتعدى نطاق المألوف والمتعارف عليه ، وهذا هو مبعث القلق والتساؤل المشروع عن المغزى والهدف من وراء وقوع هذا الحادث ، في هذا الوقت بالذات الذي لا مصلحة  في وقوعه لأي من الطرفين ، ولا حتى للدولة .
لقد قال الحكماء قديماً : (إن الطبيعة لا تحب الفراغ) و (الأرض الخصبة إذا خلت من البذور المفيدة ، فإن الشوائب والحشائش الضارة سرعان ما تنبت فيها) ، ولذلك فقد سارع الخيرون والحكماء من هذا الشعب ، إلى تطويق الحادث ، ووأده وهو في المهد ، لكي لا ينتشر لهيبه فيحرق دون رحمة ودون تمييز ، وكانت الحركة الكردية بجميع فصائلها جنباً إلى جنب مع الإخوة في المنظمة الديمقراطية الآثورية ، والعديدين من أبناء هذا الشعب عرباً وكرداً وسريان  في موقع الحدث ، لتهدئة الجميع ، تجنباً لخطر يحدق بالجميع ، وأصدرت بياناً أدانت فيه تلك الجريمة ، واعتبرتها (جريمة فردية ، لا ذيول لها ، وليس لها أي تبعات أو دوافع سياسية أو قومية أو دينية ، ولا تخرج عن إطار الجريمة الاعتيادية التي تحصل كنتيجة لخلاف شخصي أو ما شابه ذلك في مجتمعنا( وأكدت على (العيش المشترك والتآخي بين كافة مكونات المجتمع السوري من عرب وكرد وآشوريين (سريان) المغروس في التاريخ والحاضر) .
ختاماً أقول : لنسمو جميعاً على الجراح ، ونزرع المحبة في الناس ، ونتحلى بروح التسامح والعفو عند المقدرة ، ونؤكد على روابط الأخوة ، والعيش المشترك بين جميع مكونات هذا الشعب ، لنعيش في وطن يسع الجميع ، لا نفرق بين عربي وأعجمي ، ولا بين مسلم ومسيحي ، أوعربي وكردي ، ويكون مقياس التفاضل في هذا الوطن بين مواطنيه ، ما يقدمونه لهذا الوطن ، كما نقول لكل من ساهم بجهد إيجابي لتطويق هذا الحادث ومحاصرته ، ولجمه لكي لا يخرج عن إطاره الجنائي ، لكم تحياتنا ، ونتمنى من الجميع أن لا يتدخلوا في الحادث لصالح زيد أو عمرو ، ويتركوا الأمر للقضاء لكي  يأخذ مجراه بعيداً عن الوساطات والتدخلات .

القامشلي في 5-4-2007

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين لا يجوز الخلط بين اجندات الأحزاب والقضية الكردية كلما تاخرنا نحن الكرد السورييون في انجاز الخطوات صوب تحقيق الاجماع ، وتوفير شروط عقد المؤتمر الكردي السوري المنشود للخروج بمشروعنا السياسي بجانبيه القومي والوطني ، وانتخاب فريق كفوء يتصدى للتحديات الراهنة باسم الغالبية الساحقة واولها اعلان مطالب الكرد السوريين للإدارة الجديدة بدمشق ، ولسائر الأطراف الوطنية والخارجية ، لإزالة…

شكري شيخ نبي في حقبة الإمبراطورية العثمانية، التي استمرت لأربعة قرون في حكم الشرق الأوسط وأقاليم أخرى من العالم، والتي كانت قائمة على مبدأ الخلافة الإسلامية، كانت الإمبراطورية تسيطر على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والبحر المتوسط ومضيق جبل طارق، بالإضافة إلى جزء من البحر الأسود، ومضيقي الدردنيل والبوسفور. فقد كانت الإمبراطورية العثمانية تتحكم في الطرق والممرات البحرية للتجارة العالمية،…

إبراهيم اليوسف التأسيس والبدايات تأسس “حزب البعث العربي الاشتراكي” في أربعينيات القرن الماضي بدعوى الانطلاق من فكرة قومية تستهدف توحيد “الأمة العربية” في كيان سياسي واجتماعي واحد،وإذا كان لم شعار أبناء أي شعب حقاً طبيعياً، إلا أن هذا الشعار جد فضفاض، لأن الدول التي تسمى ب” العالم العربي” تأسست في أكثرها- مشرقاً ومغرباً- على حساب خرائط شعوب أخرى كانت متعايشة…

تمرُ علينا اليوم، الذكرى السنوية الحادية عشرة لاختطاف الناشط المدني، أمير حامد من قبل آسايش حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، ولا يزال مصيره مجهولاً منذ لحظة اختطافه إلى تاريخ كتابة هذا البيان. وفي الوقت الذي يحتاج فيه الشعب الكوردي في سوريا إلى الوحدة، لمواجهة التحديات المصيرية بما يخدم قضيته في سوريا المستقبل، إضافة إلى أمير حامد، لا يزال مصير العديد من…