ديركا حمكو تعيش ساعات عصيبة

 

عدنان بشير الرسول

 

لقد ساد جو من القلق والتوتر على أجواء مدينة ديريك خلال مساء ونهار يوم الثلاثاء المصادف 2- 3/4/2007 وعم جو من الحذر والترقب لما ستؤول إليه الأحوال بعد الشجار الجماعي الذي حصل بين مجموعة من الشبان وراح ضحيتها المغدور جوان أحمد وجرح شابين كرديين آخرين هما جمال نعمت و هفال عزالدين في حين لم يصب أحد من الطرف الأخر في المشاجرة وهم من السريان .

 

وقد توحدت جهود الجهات الحكومية مع الشرائح والقطاعات /الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية / الكردية  للعمل على تهدئة النفوس وتفريق المتظاهرين من الفتيان والفتيات الكرديات محاولين إبقاء الحدث في إطاره الضيق كجريمة جنائية يجب ألقاء القبض على الجناة الفاعلين والمشاركين معهم وإنزال العقاب العادل بحقهم وعدم تحويلها إلى ذريعة لإشعال نار الفتنة الطائفية في هذه المنطقة التي يتعايش فيها سائر الأقوام والطوائف الدينية بوئام وسلام متجاورين متحابين منذ مئات السنين دون أن يعكر صفوها صغائر الأمور فحالات الشجار تحصل في الكثير من المناطق وبين الكثير من الشرائح حتى ضمن الأسرة الواحدة على اختلاف انتماءاتها نتيجة الوعي المتدني والحساسيات وردود الأفعال الغاضبة  .
صحيح أن مدينة ديريك عاشت ساعات من الهيجان الجماهيري كردود فعل غاضبة على  تلك الجريمة الجنائية المدانة بكل المقاييس .آملين أن يتم تحديد الجناة والفاعلين وتقديمهم لمحاكمة عادلة لكي يتم تهدئة النفوس ويستقر بال ذوي الضحايا لتلافي اللجوء إلى حالات الثأر الشخصية التي عفا عليها الزمن .كما يتطلب من الطرفين عدم اللجوء إلى التضخيم الإعلامي والاستغاثات الغير مبررة، وتجنب المبالغة في السرد، وأتباع الموضوعية في التحليل والمعالجة والوقوف بشكل جدي على الأخطاء والثغرات ومعالجتها بروية وتأن ٍ وتسوية الخلافات الحاصلة بأساليب حضارية ضمن الأطر القانونية بعيداً عن العنف وتغليب العقل على العاطفة لتكون الأمور تحت السيطرة .

وعدم دفع الأمور نحو الصراعات المذهبية والقومية والدينية والتي لا يخرج منها  منتصر على الإطلاق .

كما أثبتت تجارب الدول والشعوب  المجاورة الدامية والتي وضعتهم في دوامة يصعب الخروج منها .

وقد بالغ البعض من المتظاهرين بردود أفعالهم الغاضبة جادة الصواب ومارسوا تصرفات غير مسؤولة عندما لجأ البعض منهم إلى رمي الحجارة على قسم من البيوت السكنية  والسيارات وأصابت بعضها بخسائر مادية ككسر بلور النوافذ  والأبواب ،واللجوء إلى المبالغة والافتقار إلى الدقة والموضوعية في تناول الخبر وتحليلها في المواقع  الأنترنيتية ومع ذلك فلا بد لنا أن نسجل النقاط الايجابية التالية التي نراها من وجهة نظرنا قد ساهمت في التقليل من الأخطاء والممارسات الخاطئة وساعدت على تحجيم الحدث وبقائه تحت السيطرة إلى حد كبير
1- المساهمة الفاعلة لرجال الدين المسيحيين (الذين أدانوا واستنكروا بشدة هذا العمل المدان أخلاقياً ودينياً واجتماعياً مؤكدين حرصهم على أن تأخذ العدالة مجراها وان ينالوا العقاب العادل الذي يستحقونه .

على حد قولهم- مقال بعنوان صوت العقل ويوم أسود ومشئوم – منشور في موقع  http://malkieh.reefnet.gov.sy/ وكذلك عدم فتح المحلات التجارية أو الخروج من البيوت لتخطي ساعات ( فورة الدم) كما يقال وعدم الرد على البعض من المسيئين.
وكذلك المواقف والتوجيهات الصائبة للسادة علماء الدين الإسلامي وخاصة الأستاذ معصوم الديرشوي الذي كان لمداخلته الرائعة التي ألقاها بعد الانتهاء من عملية دفن المرحوم جوان أحمد أكبر الأثر على تهدئة النفوس والخواطر، وكذلك تصديه في العديد من المواقع للمتظاهرين ومطالبتهم بالهدوء والتروي والانصراف كل إلى حال سبيله .
2- التعامل الايجابي للمسؤولين المحليين وخاصة السيد مدير المنطقة العميد (فائز غازي) الذي فرض احترامه لا مخافته على الجميع وتصرف بحكمة وبروح عالية من المسؤولية المناط  به حيث التقى بالعديد من الفعاليات الاجتماعية والدينية وممثلي مجموع الأحزاب الكردية في مكتبه لعدة مرات متتالية ناهيك عن حضوره احتفالات شعبنا بعيده القومي نيروز وتقديمه التهاني عند المنصات الأربعة للشعب الكردي بالعيد وحضوره الميداني وبدون مرافقة مع أعضاء اللجنة الأمنية في المنطقة مراسيم الدفن وإعطاء الأوامر لقوات حفظ النظام بالابتعاد عن الجماهير وعدم الاصطدام معها .
3- مبادرة مجموع الأحزاب الكردية المتواجدين في المنطقة لأخذ دورها وتوجيه الحشود الجماهيرية الغاضبة للتروي وضبط النفس والتهدئة وكذلك حضور وفد كبير من القيادات السياسية من تلك الأحزاب  ومن أعلى المستويات وبنفس اليوم وإلقاء عدة كلمات في مجلس العزاء تضمنت توجيه الجماهير للتحلي بأقصى درجات اليقظة والحذر وتوجيه قواعدها بالتصرف بمسؤولية والابتعاد عن الأخطاء التي قد تودي بهم إلى مواقع لا تحمد عقباها
4- إقدام أغلبية أبناء الشعب الكردي على ممارسة أعمال ومواقف جليلة كتشكيل دروع بشرية حول كنيسة العذراء التاريخية التي تقع في العمق الكردي والتي لم يكن حولها أي من الحراس أو القوات الحكومية لعدم المساس  بها وكذلك سائر الكنائس الدينية الأخرى، وبيوت القساوسة ورجال الدين وبعض الممتلكات الخاصة الموجودة في الطرقات والأزقة  وكذلك المبادرة لانتزاع العصي والحجارة من أيد بعض الجهلاء والمستهترين من المتظاهرين وحثهم على الانصراف وعدم ارتكاب أعمال منافية للقيم الاجتماعية والأخلاقية والقانونية .
ومن الجدير بالذكر ورغم ما جرى من جريمة جزائية وردود أفعال غريزية غاضبة، وعفوية غير مسؤولة، لكن ما يمكننا قوله لقد جرى كل ذلك دون أن يراق قطرة دم واحدة ولم يلجأ أحد من المتظاهرين إلى الحرق والتدمير بأي من الممتلكات الخاصة أو العامة.
وكانت الأمطار الممزوجة بالبّرد كفيلة بوضع نهاية لتلك الساعات العصيبة التي عشناها سوية آملين أن تكون خاتمة المصائب على منطقتنا المعروفة بالاستقرار والتفاهم والود والاحترام المتبادل فجميعنا شركاء في هذا الوطن /وسنبقى متضامنين متراصين للعيش سوية سعداء ببناء وتطوير الأرض  والإنسان .

ديركا حمكو – سوريا

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…

أزاد فتحي خليل*   لم تكن الثورة السورية مجرّد احتجاج شعبي ضد استبداد عمره عقود، بل كانت انفجاراً سياسياً واجتماعياً لأمة ظلت مقموعة تحت قبضة حكم الفرد الواحد منذ ولادة الدولة الحديثة. فمنذ تأسيس الجمهورية السورية بعد الاستقلال عام 1946، سُلب القرار من يد الشعب وتحوّلت الدولة إلى حلبة صراع بين الانقلابات والنخب العسكرية، قبل أن يستقر الحكم بيد…