لا مناص من تنفيذ اتفاقية دهوك

م. رشيد 18-11-2014

    إنجاز وحدة الصف والخطاب الكورديين مطلب قومي ووطني دائماً وأبداً لتهيئة العامل الذاتي للحركة الكوردية وتقويته, وبذات الوقت حاجة وضرورة لتفعيل دوره وتحسين أدائه، لاسيما عند اشتداد الأزمات والمرور بالمنعطفات, لتوفير الاستحقاقات ومواجهة التحديات.
لقد أدخلت رياح الربيع العربي من أجل الاصلاح والتغيير (والتحولات التي لازمتها والظروف التي أنتجتها) بلدان المنطقة في مرحلة مفصلية من تاريخها, وجعلتها مقبلة على تغيرات جدية وملموسة في الخارطة السياسية على أنقاض سايكس بيكو المنتهية صلاحيتها، تنفيذاً لاستراتيجية مراكز القرار الدولية الجديدة، التي وضعتها بعد تبلور أحادية القطبية في العالم،
واستكمالاً لما بدأت به في كوسوفو وأفغانستان والعراق بعد تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك، ولكن بتكتيكات مختلفة في الشكل والأسلوب، كي تحافظ على أمن دولها القومي وتؤمن مصالحها الحيوية بشكل دائم ومستمر, وهي بلا شك تعني الكورد كغيرهم وتحدد مصيرهم، لأنهم جزء أساسي وعريق من المنطقة أرضاً وشعباً، كما أنها فرصة ثمينة لبلوغ تطلعاتهم وتحقيق طموحاتهم.
     فمع تطّور الأحداث وتغّير الأوضاع, وتمايز الاتجاهات والمسارات للأطراف الداخلة في الصراع، وانكشاف حقيقة نوايا وأجندات كل منها, لاسيما بعض القوى الإقليمية، التي تنتهج الشمولية والتطرف والتمييز والشوفينية في منظوماتها الفكرية والدينية والمذهبية والعرقية, وتمارسها إدارياَ وتشريعياً وتطبيقياً، والتي تتفق جميعها على محاربة الكورد وتطلعاتهم نحو العيش بحرية وسلام, بكل السبل والوسائل المتاحة لها، وعلى كافة الأصعدة السياسية الاقتصادية والثقافية …، وتمارس ضدهم القتل والتدمير والتهجير لاستنزاف مقدراتهم ومقوماتهم عبر المجاميع الإرهابية التي تصنعها وتدعمها وتوجهها وفق أجنداتها كتنظيم الدولة الاسلامية داعش وأخواتها, والتي استهدفت الفدرالية في إقليم كوردستان العراق والإدارة الذاتية في كوباني بسوريا عن سابق اصرار وتصميم وبصورة مباشرة ، إلا أنّ المقاومة الباسلة التي أبداها المقاتلون الكورد الأشاوس في الدفاع عنها، والمؤازرة الدولية الخيّرة بقيادة أمريكا وحلفائها التي حسمت الموقف سريعاًّ بتدخلها العسكري حين قصفت جحافل الإرهابيين المتوحشين ودحرتها، فأحبطت هجماتهم البربرية ونسفت مشاريعهم العدوانية، كما أن تزويد قوات الـ pêmerge والـ YPG الكوردية بالعتاد والذخيرة من قبل الحلفاء وإصرارهم على حماية المناطق الكوردية وتحرير المحتلة منها من جلولاء مروراً بشنكال إلى كوباني، متجاوزين الشروط والحدود ومتحدين الضوابط والردود، أصابت الغزاة الصدمة والخيبة من أمرهم وجعلتهم في تخبط وحيرة في كيدهم.
    وهذا ما استدعى الكورد إلى اليقظة والحيطة لاستثمار الظروف المواتية ليحتلوا مكانهم المناسب كشركاء حقيقيين في الحلف الدولي المكافح للإرهاب، وليثبتوا جدارتهم وفاعليتهم في بناء الشرق الأوسط الجديد الخالي من الإرهاب والاستبداد والفساد، والذي سيوفر لهم مستلزمات الصمود ومقومات الوجود أسوة بباقي الشعوب كما تقره الأعراف والمواثيق والعهود، ولهذا كانت اتفاقية دهوك الموقعة بين TEV-DEM وENKS برعاية السيد مسعود البارزاني رئيس أقليم كوردستان العراق، وهي رسالة تاريخية ينبغي قراءة نصها وفهم فحواها جيداً، ولاخيار أمام طرفي الاتفاق سوى الالتزام الصارم بتنفيذها نصاً وروحاً وفي المهلة المحددة، لأنها تجسد إرادة التوافق بين القوى الكوردستانية الكبرى (كخطوة أولية ستتبعها عقد مؤتمر قومي كوردي لكافة أجزاء كوردستان لتشكيل مرجعية كوردية عامة وشاملة)، وتلقى المباركة والتشجيع من الأصدقاء والحلفاء، على اعتبارها البداية الصحيحة والسليمة للكورد في إطار استراتيجية صناع القرار المعلنة والمتبعة على أرض الواقع.
   وما الاختلافات في وجهات النظر والاحتجاجات تجاه الاتفاقية التي تظهر في وسائل الإعلام إلا عبارة عن فقاعات أعلامية وتصريحات خلبية تحريضية (عرضية زائلة) لا تؤثر في جوهر القضية ولاتخلّ في الشرعية والصلاحية، وكافة محاولات الجهات المتضررة منها والمعارضة لها بهدف تأجيلها أوإلغائها ستبوء بالفشل بسبب توفر الإرادة والقرار بايجادها والعزم والحزم على تنفيذها (لدى المعنيين بها)، كما أن الظروف الحالية مختلفة عن سابقاتها، فالقضية الكوردية موضع اهتمام الرأي العام العالمي جميعاً، واليوم وبكامل شؤونها وشجونها على الطاولة الدولية للبحث والمناقشة والحل..
    ولا يخفى عن العالم الحر والمتمدن إثبات الكورد على جدارتهم في إدارة مناطقهم (حينما يمنحون فرصة لذلك كإقليم كوردستان العراق الفدرالي) على أنها تجارب عملية حية وناجحة، ورائدة في تطبيقها الأسس الديموقراطية والتعددية، ومبنية على التسامح والتعايش والتكافؤ بين جميع مكوناتها، وقادرة على النمو والتطور، كما أكدوا على نبذهم العنف ومحاربة الارهاب، وتوقهم للتحرر والتطور، وتفهمهم لمتطلبات العصر ومواكبة تغيراته، ورغبتهم ليكونوا عاملاً مهماً لتحقيق التوازن والاستقرار والسلام في المنطقة.
————–  انتهت  —————-

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   منذ 2011، فتحت تركيا أبوابها للسوريين، ليس دعماً لهم، بل لاستغلال نزوحهم، على أكثر من صعيد، متوهمةً أن سقوط النظام لن يطول. استقبلت الأيدي العاملة، بأجور جد زهيدة، و استغلتهم عبر أساليب مشينة، واستفادت من ضخّ المساعدات الدولية الممنوحة للسوريين، بينما اضطر رجال الأعمال إلى نقل مصانعهم إلى هناك، لاستمرار معيشتهم وديمومة حياتهم، ما عزّز الاقتصاد…

في إطار الاهتمام العالمي بالقضية الكردية عامّةً، وفي سوريا على وجه الخصوص، بعد الأحداث الدامية في 12 آذار 2004م، ازداد اهتمام العواصم الأوروبية بقضيتنا الكردية؛ فأوفدتْ مندوبين عنها إلى الجزيرة من قبل الاتحاد الأوروبي والقارة الأمريكية (كندا)، وذلك للوقوف على الحقائق كما هي في أرض الواقع؛ بغية الوصول إلى رسم تصوّرٍ واضحٍ ومباشرٍ لوضع الشعب الكردي في سوريا ومعاناته الاجتماعية…

ماهين شيخاني كان يكبرنا سناً ومحل احترام وتقدير لدينا جميعاً وفي المؤتمر (……) كان بيني وبينه وسادة، لمحته ينظر لوجوه المؤتمرين، هامسته : هل أكملت جدول الانتخاب ..؟. أجاب: مازال قائمتي بحاجة الى بعض المرشحين ..؟!. وضعت ورقتي المليئة بالأسماء التي انتخبتهم حسب قناعتي بهم على الوسادة أمامه، تفضل ..؟. نظر أليَّ باستغراب، رغم ثقته بي ووضع…

صلاح بدرالدين   منذ عدة أعوام ولم تنفك وسائل اعلام أحزاب طرفي ( الاستعصاء ) – ب ي د و انكسي – تنشر تباعا عن تدخل وسطاء دوليين لتقريب الطرفين عن بعضهما البعض ، والاشراف على ابرام اتفاقية كردية – كردية ، وانهاء عقود من حالة الانقسام في الصف الكردي السوري !!، من دون توضيح أسس ، وبنود ذلك الاتفاق…