من يدفع فاتورة تقزيم دور الحزب على الساحة السورية؟

د. علي ميراني

البارتي كان وسيبقى اكبر من كونه حزبا، هو بالاحرى حركة بحد ذاتها، الحلقات المحيطة به اكبر باضعاف مضاعفة من عدد المنتمين له، قد يكون ذلك بسبب ارتكاز الحزب على قاعدة فكرية راسخة في المجتمع الكردي السوري متأتية من التجارب النضالية الكردستانية وفي مقدمتها التجربة البارزانية الاكثر بروزا من بين مثيلاتها في الجوار الكردستاني.
ما يحدث الان يعري السياسة الخاطئة التي انتهجها من كانوا يرسمون سياسات الحزب منذ امد، اي حتى قبل توحيده مع الاطراف الاخرى، وبمجرد ظهور اي واحد منهم على الاعلام كان يطنب في دور المجلس الوطني (وانا هنا لست ضد فكرة وجود المجلس) ويسبغ عليه هالة من القدسية، لدرجة كان ينسى انه ينتمي الى تنظيم سياسي بعينه، ظنا منهم ان المجلس سيكون اداة لترسيخ اهداف الشعب في الساحة النضالية السورية.
لم يقتصر دور هؤلاء على تسويق المجلس داخليا، بل تعدى تسويقه اقليميا ودوليا، ولولا هؤلاء ما كان بامكان المجلس المفكك اصلا ان يحوز كل هذا الدعم الكردستاني، وجعله شريكا في المعادلة الكردية السورية، كما حدث مؤخرا في مدينة دهوك، عندما عقدت اتفاقية دهوك المعروفة بين الفرقاء الكرد السوريين.
ماذا حدث الان؟ حدث يا مرحوم الوالدين ان المجلس الوطني يعلن وبكل صراحة انه غير مأمور من اي جهة، وان البارتي ليس اكثر من حزب من احزاب المجلس، قيمته من قيمة اي حزب لا يتعدى عدد افراده اكثر من خمسين شخص، و البارتي في مأزق كبير لايعرف الفكاك منه، فهو من جهة سوق للمجلس منذ تأسيسه وطالب بان يكون الشريك الفعلي في قيادة المرحلة، ومن جهة اخرى يرى كيف ان احزاب المجلس التي لو اجتمعت كلها في حزب واحد لن تكون بحجمه، تسحب البساط من تحت رجله بكل مهارة وخبث، عبر عدم السماح بتمثيله باربعة مقاعد بالرغم من وعود سابقة كانت قد اعطيت بهذا الخصوص.
ان المستفيد الوحيد مما يجري للحزب بالتأكيد هي الجهة المنافسة له، فلسان حالهم يقول، انظروا كيف ان المجلس الوطني غير قادر على حسم امره واختيار عددا من الاعضاء لتمثيلهم في المرجعية السياسية المتفق عليه، وهذا بالطبع من حقهم، وامر يثبته الواقع بكل اسف.
تماسك المجلس الوطني بالرغم من تفككه الواضح، كما كان يدعي من خلق المجلس من العدم، كانت الحسنة الوحيدة لهؤلاء والذين كانوا يروجون للمجلس بصورة محمومة اينما حلوا، اما الان فلم يعد شيء كما كان مثل الاول، وحتى المجلس قلب ظهر المجن للبارتي وقزم من دوره، بل ضرب جهوده عرض الحائط، واعلن للجهة المقابلة انه وقت الجد سيتحالف معه، ويترك البارتي في العراء الموحش يقاسي الوحدة وتكرار قراراته الفاشلة.
لا يمكن فهم ما ارمي اليه، على انه بث لليأس والشكوك حول دور الحزب وقدراته على اجتياز الازمة التي يعاني منها ابدا، لان ذلك ليس من اهدافي، وقد اكون الاقرب الى فهم الطبيعة الجدلية التي تحكم الحزب وجماهيره واكثر باشواط من اي منتقد فاشل، كل مبلغ وجوده في الحزب لا يتعدى المدة القريبة، وجد البارتي مطية لتحقيق مآربه لا اكثر.
في الحقيقة ما جرى للحزب من طرف المجلس الوطني الكردي على اثر العمل على تطبيق بنود اتفاق دهوك، امر بالغ الخطورة، وعلى بعضهم ان يدفع فاتورة الاخطاء التي اوقع الحزب فيها، وكفى استهتارا بالبارتي الذي فقد ثلاثة ارباع شعبيته، لا لشيء سوى لوجود اشخاص في غير محلهم الطبيعي، وحرمان من هو أكفأ في رسم سياسات حزب.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…