يعتبر تكوين و تطوير فكر النظام السوري التسلطي من افرازات الثورة الاشتراكية و أفكار الحزب الشيوعي السوفيتي فمع وصول تلك الأفكار إلى سوريا تم تبنيها على الصعيد الفكري وتطبيق مضمونه على الصعيد السياسي دون ترجمة حقيقية بما ينسجم مع الواقع ومصالح الشعب، فلم يستغل أفكار تلك المرحلة رغم وجود مؤيدين لها على
الساحة السياسية في خدمة المجتمع ، بل وضعت بتصرف حزب وفئة محددة بمعنى لم تكن وليدة لحاجة وطنية لقيادة الدولة والنهوض بها وتأمين احتياجات المواطن ومستلزمات العيش الكريم و الوقوف في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية المتمثلة في عملية التنمية، لذلك شكل النظام وعبر مراحله التاريخية حاجة للظروف الدولية التي سادت المنطقة
ومع التغيرات التي حصلت في العقدين الأخيرين بدأت الدول تعمل على تفهمها وتغير الأسس التي قامت عليها وأصبحت تواكب تلك التطورات لكي تعيش ضمن المنظومة العالمية والتي ازدادت ترابطاً وتشابكاً اثر الثورة المعلوماتية بحيث أصبحت الدولة لاتملك السيادة الكاملة على أراضيها وتغيرت المفاهيم بين القوى العظمة
والدول التي تتحكم بها أنظمة استبدادية وتحولت إلى عقد جديد بين الشعوب و تلك الدول في علاقة جديدة بين الداخل والخارج والمصالح المتشابكة مع وجود هاجس
الخوف والتعامل مع الخارج والخوف على التسمية التي تطلق من الأنظمة الاستبدادية على القوى التي تتعامل مع الخارج وقيدت جميع التحركات تحت يافطة
الخيانة ، وفرضت على المجتمع نظام المراوحة في المكان و الرهان على عامل الزمن لكسب أوراق جديدة تلبي احتياجات بقاءه.
لقد استطاع النظام في سوريا أن يكتسب موقعاً سياسياً في المنطقة من خلال تمسكه بأوراق إقليمية هامة على الصعيد الفلسطيني والكردي في تركيا والعراقي والوجود السوري في لبنان وعلاقتها مع إيران ، والتي لا تعترف باسرائيل دولة في المنطقة ، ومع تغيرات التي جرت قبيل و بعد هجمات /11/ أيلول وما أعقبتها من تداعيات سياسية فقدا لنظام أوراقـــــه الإقـــــليمية وأصبحت أمريكا جارة لسورية من الجهة الشرقية ، وانتهجت أمريكا سياسة جديدة مضمونها حملات وقائية ضد أنظمة تحمي منظمات إرهابية حسب التسمية الأمريكية، وأصبح بقاء النظام مرهوناً بعوامل جديدة تفرضه الإدارة الأمريكية فيما يخص الملفات الساخنة في المنطقة والتي تهم الإدارة الأمريكية وتحافظ على مصالحها وبدأ الدعم الأمريكي والأوربي للنظام السوري يتناقص وازدادت الضغوطات السياسية والاقتصادية على سوريا فازدادت العزلة وتعمقت الأزمة، ولكن بقي النظام مكابراً على فشله واستمر على ممارسة نهجه دون أي اهتمام بالمتغيرات الدولية، و لم يكن هناك تحول في سياسة النظام تجاه الشعب الذي هو مصدر الشرعية في أي بلد وتم تجاهله في مرحلة دقيقة تمر بها سوريا وكانت لديه فرص عديدة وثمينة يمكن استغلالها في خدمة الشعب .
و بعد تسلم الرئيس بشار الأسد قيادة الدولة كانت هناك محاولة الرجوع إلى الشعب من خلال إعطاءها دور وان كان على نطاق ضيق وتجسد ذلك في خطاب القسم وما نتج بعد ذلك من حراك سياسي وسلسلة من النشطات السياسية والثقافية على مستوى الوطن ولكن سرعان ما تم تهديد وسجن كل رأي يخالف سياسية النظام ، فعاد النظام إلى مكانه وفقد البوصلة الزمنية وأصبح يعيش في الزمن الماضي ، فلم يكن لديه القدرة على امتلاك مشروع عصري يتم من خلاله اللحاق بالزمن الجديد ، فكانت المحاولة يائسة وميتة منذ الولادة بسبب عدم وجود آلـــــية حقيقية لتفعيل المجتمع لكي تعبر بشكل صريح وتكون قادرة على رسم سياسة الدولة ، فالمادة الثامنة من الدستور السوري والتي تعطي حق القيادة لحزب البعث هو استهتار بقدرات الآخرين و ينتمي إلى زمن الأحزاب الطليعية ومن ابتكارات الحرب الباردة والتي ساندها المعسكر الاشتراكي للوقوف في وجه امتداد المعسكر الرأسمالي حيث تقسم المناطق من خلال نظم تابعة لها و يعلم الجميع أن الاشتراكيين أصحاب النظرية تخلو عن هذه الشعارات ومع مرور الوقت تكيفت مع الواقع الجديد عبر عملية انتقادية للأخطاء وإعادة بناء أسس الدول الحديثة وإعطاء الشعب دوره الحقيقي .
يعلم النظام السوري أن اللحاق بالزمن الجديد سوف يفقده كل مكاسبه وستكون هناك محاسبة جدية لكل من هدر طاقات هذا البلد في أهوائه وسوف يسأل عن خيرات البلد التي بيعت في الأسواق العالمية بثمن بخس ، كما أن المراوحة في زمن أصبح وتيرة السرعة كالبرق والأحداث تتغير في كل لحظة هو بمثابة موت بطيء والانتظار على أن التغير قد يأتي في صالحه هو صراع خاسر .