في توصيف «الخط الثالث»

صلاح بدرالدين
   بدأنا نسمع على هامش مسار الثورة السورية وبين الحين والآخر أصوات تدعو الى – الطريق الثالث – بين النظام والجماعات الإرهابية صادرة في معظمها من – هيئة التنسيق – وباقي فئات ( المعارضة الرسمية المدجنة التي تتحرك وفق تعليمات السلطات والتي عقدت العديد من المؤتمرات في دمشق وريفها وهي تنطلق من فكرة عدم الاعتراف بوجود ثورة شعبية ضد الاستبداد منذ ثلاثة أعوام ونصف بل مجاميع إرهابية خارجة على القانون الى جانب رفع شعارات السلمية واصلاح النظام وليس اسقاطه أو تغييره .
  والمثال الأبرز عندما تداعى في نيسان 2011 نحو مئة شخصية سورية بدمشق لتقديم طريق ثالث يمثل على حد قولها خيارا وسطا بين النظام والثورة التي تطالب برحيله وتقود انتفاضة شعبية غير مسبوقة وكان واضحا أن أجهزة السلطة تقف من وراء مثل هذه الاجتماعات التي تتالت بهدف زعزعة الثقة بالثورة وتأليب الرأي العام عليها واثارة الفرقة والانقسام في الصف الشعبي والتوصل الى تحقيق الهدف الأساسي في استراتيجية نظام الاستبداد وهو حشر الثورة السورية بين خيارين إما النظام أو القبول بنشاط الجماعات التكفيرية كجبهة النصرة ومن ثم داعش ومثيلاتهما .
  تكاد تنحصر الدعوة الى الطريق الثالث في سوريا بالأحزاب والجماعات الموالية للسلطة والمنخرطة في مشروعها وذلك كمساهمة لدعم استراتيجيتها المرسومة بخصوص مسألة الخيارين التي ذكرناها آنفا والهادفة الى تجاهل الثورة والدعوة هذه تستند في الظروف الراهنة لبلادنا الى أساس هش وتتعامى عن رؤية حركة التاريخ وفي القلب منها إرادة الشعب السوري التواق الى الحرية والخلاص والتغيير الديموقراطي ويرنو الى سوريا تعددية تشاركية جديدة .
  ومن ضمن تلك الأطراف الموالية تزعم جماعات – ب ك ك – السورية أنها تسير في – الطريق الثالث – وتؤسس له علما أنه جزء من مشروع محور دمشق – طهران ويواجه الثورة والحراك الشبابي الكردي الثوري منذ ثلاثة أعوام وانتقل الآلاف من مسلحيها منذ عام 2011 الى المناطق الكردية السورية تحت نظر واسناد ذلك المحور وبترتيبات خاصة بينها عملية التسليم والاستلام وقد بات معروفا لدى المتابعين كيف أن المقبور اللواء – آصف شوكت – الذي تولى خطة جلب تلك الجماعات خاطب مسؤول – ب ك ك – في اللقاء الذي تم بمدينة السليمانية بالقول : ( نحن في خندق واحد وعدونا مشترك والرئيس يرحب بكم ويقول أنتم أحرار في رفع شعاراتكم وأعلامكم واتخاذ ماترونه مناسبا في مناطقكم ) .
  في حقيقة الأمر واذا وضعنا جانبا مخطط السلطة المشار اليه ليس هناك في الحالة السورية الراهنة – طريق ثالث – بين الثورة والنظام فاما أن تكون هنا أوهناك أما الادعاء بالحياد وتعريفه الواقعي حرمان الثورة من طاقات معينة فيعني عمليا الوقوف مع النظام الذي يسعى ليل نهار تحييد الطوائف والفئات والجماعات ومايهمه كماذكرنا كأولوية عدم الانضمام الى الثورة وليس مطلوبا أيضا بإلحاح الانتساب الى مسلحيه وشبيحته .
 ليس هناك طريق ثالث حتى في الدول المتقدمة المستقرة فكيف ببلد يترنح مثل بلادنا بل هناك خيارات اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية قد تلجأ اليها منظمات وقوى وتيارات  تختلف عن السائد المعاش الذي ليس بالضرورة أن يكون قدرا غير قابل للتبديل وهنا يجب أن لاننسى المحاولات الجارية قديما وحديثا مثلا لايجاد صيغة وسطية بين الاشتراكية والرأسمالية والتي جانبها الاخفاق ولم تنجح في رسم طريق ثالث واضح المعالم نظريا وعلى أرض الواقع .
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس قُتل محمد سعيد رمضان البوطي لأنه لم ينتمِ إلى أحد، ولأن عقله كان عصيًا على الاصطفاف، ولأن كلمته كانت أعمق من أن تُحتمل. ولذلك، فإنني لا أستعيد البوطي اليوم بوصفه شيخًا أو عالمًا فقط، بل شاهدًا شهيدًا، ضميرًا نادرًا قُطع صوته في لحظة كانت البلاد أحوج ما تكون إلى صوت عقلٍ يعلو فوق الضجيج، مع…

صديق ملا   إن قراءة سريعة ومتفحصة للتاريخ المعاصر في الشرق الأوسط يستنتج : أن هذا الشرق مقبل على تحولات كبرى ، فالدول التي أنتجتها إتفاقية (سايكس_بيكو)ستتفكك لا محالة ليس فقط بتأثير النظام العالمي الجديد ، بل بتأثير يقظة الوعي القومي للشعوب المستعمَرة أيضا… فالتطورات التي حدثت بعد ثورات الربيع العربي ابتداءاً بتونس ومصر وليبيا وأخيراً سورية قد أرعبت الدول…

خالد بهلوي   تُعَدّ العلاقات الاجتماعية جزءًا أساسيًا من حياة الإنسان، إذ تلعب دورًا جوهريًا في بناء شخصيته وتشكيل نظرته إلى الحياة. فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي لا يستطيع العيش بمعزل عن الآخرين، مما يجعل هذه العلاقات ضرورية لتحقيق التوازن النفسي والعاطفي. ورغم دورها الإيجابي، فإن للعلاقات الاجتماعية جوانب سلبية قد تؤثر على الأفراد والمجتمعات بطرق مختلفة. في سوريا، تتميز…

عُقد يوم الثلاثاء الموافق ٢٢ نيسان ٢٠٢٥ لقاءٌ مشترك بين المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا برئاسة سكرتيره الدكتور صلاح درويش، ووفد من المكتب التنفيذي لحركة الإصلاح الكردي – سوريا برئاسة المنسق العام الأستاذ فيصل يوسف، وذلك في مقر الحزب بمدينة القامشلي. تناول اللقاء عدداً من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وكان أبرزها: ١. مناقشة آخر المستجدات على الساحة…