نارين عمر
كوباني, أيّتها النّهاية التي يريدُ لها الآخر أن تكون بدون بداية!
كوني على ثقةٍ أنّكِ ستكونين نهايةً لهموم الكردِ وآلامهم التي تُقاسُ بهموم وآلام البشريّةِ جمعاء, وبداية لعهدٍ جديد لهم طال العهدُ أم قصر. صحيح أنّ ثمنَ النّهاية كبير جدّاً, قد يكون بكبر هذه الهموم والآلام, ولكنّ نتائج البداية ستكون مثمرة كبطن أمّهاتِ الكردِ, كقلب آبائهم. ولأنّ لكلّ بداية نهاية فلا بدّ أن تكونَ البداية قويّة المنشأ, متينة الأساس مهما كانت أحداث ووقائع النّهاية, لا بدّ أن تنجز ما عجزت عن إنجازه الدّهور والعقود.
كوباني, أيّتها الصّراط المستقيمُ الذي يريدُ له البعض أن يسنّن ببعض التعرّجات والالتواءات! نحن واثقون أنّكِ ستظلّين هذا الصّراط المستقيم الذي سينقل الكرد إلى برّ الأمان, وستكونين كجسر الخلاص الذي يرسى عليه الكرد إلى حيث شاطئ الأمان والطّمأنينة.
أنت أيّتها الابنة الوفيّة! ستكونين المهد الوثير لأخواتك الأخريات. سوف تهدهدين أوجاع “عفرين”, وتضمدين جراح “سري كانيه”, وتواسين “دربيسيه” و”عامودا بافي محمد”, وتتقاسمين آهات “قامشلو”و”تربسبيه”, وتتحوّلين إلى نسائم عطر في سماء “الحسكة” الموبوءِ بالفساد والدّمار. سوف تناصرين “ديركا حمكو” في غزلها لضفائر السّلام والأمان في أرض الكرد وفي سمائهم, وتمسحين دموع “كركي لكي”, لذلك نراك بداية مغايرة لنهاية مختلفة.
والسّؤال الذي يطرح نفسه: ماذا يجب على الكرد فعله لتكون “كوباني” بداية النّهاية, والصّراط المستقيمَ؟ ماذا عليهم أن ينجزوه مع صيرورةِ “كوباني” إلى مفتاح الّلغز, ومفكّ المعضلة؟
لا شكّ أنّ إجابة السّؤال تكمنُ في فكر كلّ كرديّ يجري في دمه عشق الوطن, ويسري في خلايا حسّه حبّ التّراب, وفي نفسه تمرح عواطف الشّعب المجبولة بندى طبيعة كردستان.
جواب هذا السّؤال سهلٌ عند هؤلاء الذين يرون في “كوباني” بداية نهوض الكرد, بداية توحّدهم واتحادهم في الفكر والشّعور, وفي المصير والماهيّة.
الّلغز لن يظلّ لغزاً إذا وجد الفكر الثّاقب والذهن السّليم, الخالي من شوائب الفرقة والضّغينة. المعضلة لن تبقى كما هي إذا وجدت نفسها وجهاً لوجهٍ أمام عواطف صائبة, خالية من أشواك الصّحراء.
لندعَ جانباً أرطال عتابنا ولومنا على بعضنا البعض, لندع أحمال غضبنا وكرهنا لبعضنا البعض, لننسَ مَنْ كان سبب ومسبّب مأساة “كوباني”, ولنتفقَ معاً على أن نتفق من أجلها, من أجل أخواتها الأخريات الّلواتي يستصرخن ضمير الكرد, كلّ الكرد من دون استثناء لئلا يؤول حالها إلى ما آلتْ إليه “كوباني”, ومن قبلها “سري كانيه”, وإن كانت مأساة الأخيرة أخفّ ثقلاً من الأولى.
لنترك أقاويلنا الطّائرة مع “طواحين الهواء”, ولندخل معاً إلى ميدان العمل والكفاح, وهناك لنقرن القول بالفعل, ولنقم بواجبنا تجاه “كوباني” وأخواتها, وفيما بعد لنقل ما نشاء, ولنهتف ما يحلو لنا من الأناشيد, ولننسج ما يحلو لنا من البطولات.