كردستان ويقظة الوعي

أكرم الملا

«داعش» الارهابي للإقليم والاستيلاء على شنكال كانت لها تداعياتها ونتائجها القاسية على الإقليم من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية، وحتى السياسية، وتمدد داعش بغزوه الإرهابي حتى مناطق أخرى في زمار ومخمور وسهل نينوى وتشرد عشرات الآلاف من أبناء شعبنا الكوردي وعلى الأخص الإخوة الايزديين وأبناء الطائفة المسيحية والتركمان والكاكائيين، ولكن سرعان ما قامت قوات البيشمركة البطلة باحتواء الصدمة العسكرية، إن صح التعبير، وبدأت بالهجوم البري المعاكس على قوات التنظيم المجرم وبمساعدة الطيران الاميركي الذي تدخل لقصف المواقع والآليات التابعة لـ«داعش»
وبالنتيجة تم تحرير الكثير من المناطق والمدن والبلدات التي كانت «داعش» قد استولت عليها، وماتزال قوات البيشمركة تتقدم بثقة مطلقة لتحرير باقي أراض وردستان من براثن هذا التنظيم المجرم. إن هذا الغزو الحاقد التكفيري على اقليم كوردستان لم يكن إلا نتيجة مخطط مبرمج وبدقة مخابراتية إقليمية يقصد بها النيل من الاقليم وتجربته الديمقراطية ونموه الاقتصادي الملحوظ ومن ثم القضاء على طموحات أبناء شعبنا الكوردي في تأمين حقوقه القومية المشروعة. لكن الأحداث وما جرى في سياقها، يقودنا إلى استنتاجات واقعية قد لا تروق للبعض، ولكن من الحرص على المصلحة القراءة الصحيحة والحيادية وانطلاقا العامة والابتعاد عن العاطفة المشحونة، تقودنا إلى الغوص في أسباب ظهور شيء من دلائل المفاجأة غير المتوقعة لدى أشقائنا في جنوب كوردستان، وهذا أدى بدوره الى ظهور ارتباك ملحوظ في الساعات الاولى وحتى الأيام الاولى من الهجوم البربري لدى شرائح المجتمع في الإقليم ومن ضمنها النخبة السياسية، وهذا يدل على الشعور المتواضع بالخطر الداهم بكوردستان وشعبها.
 
هذا الشعور الذي تشكل وللأسف نتيجة الطفرة الاقتصادية وتوفر في أسباب المعيشة المترفة في جنوب كوردستان، والتفكير تمحور أغلب الأحيان حول كيفية التصرف بهذه الوفرة المالية مما جعل الناس بمنأى الى حد ما عن التفكير بأن كوردستان هي محط أنظار الأعداء، وما أكثرهم، الذين ينتظرون الوقت المناسب للانقضاض  عليها والتهامها، إن تراجع الشعور بمسؤولية اليقظة، والتسيب النسبي الذي أصاب الوعي القومي الكوردستاني، والميوعة النسبية 
الظاهرة للعيان لدى الشريحة الشبابية في جنوب كوردستان،  خلق لديهم شعور العيش المرفه في دولة آمنة ومستقلة لا يحدق بها أي خطر أو يتربص بها أي عدو، وهذا هو المصاب الجلل الذي يؤدي الى تراجع الاحساس بالمسؤولية الوطنية إلى مراتب أقل أهمية لدى هذه الشريحة الواعدة والتي يجب أن تكون أصلا في بناء كوردستان المستقبل وحمايتها.
وأساسا  أن هذا التسيب لم يصب الشباب وحدهم، بل تعدى إلى النخبة السياسية في الاقليم والكثير من المؤسسات الرسمية، حيث ظهرت وللأسف تربة خصبة لنمو جراثيم الطابور الخامس الذي كان له دور محدود ولكن أكيد في محاولة خلق الشعور بالإحباط وبث الرعب والخوف، أثناء غزو الدواعش، لدى أبناء شعب كوردستان وبكل مكوناته. إن هجوم الوحش التكفيري، وانطلاقا من المقولة الشهيرة «رب ضارة نافعة» كان سببا في اطلاق جرس الانذار بالأخطار المحدقة بجنوب كوردستان، حيث أعادت هذه الغزوة التكفيرية الكثيرين من أبناء كوردستان الى رشدهم والى ضرورة مراجعة ولو نسبية لمسائل التربية السليمة والقويمة في مدرسة الكوردايتي والتمسك المستميت بنهج البارزاني الخالد الذي يدعو الى الاحتفاظ بروح البيشمركايتي التي لا تقبل الإفراط بالوطن والأرض. إن إعادة تقويم للأوضاع التي حصلت وبمنتهى المسؤولية القومية ليست انتقاصا من الهيبة القومية، بل على العكس ستكون سببا في بناء جيل جديد مشحون بروح الكوردايتي ليكون سياجاً منيعاً في مواجهةأعداء الكورد وكوردستان.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يبدو التدوين، في زمن باتت الضوضاء تتكاثر فيه، وتتراكم الأقنعة فوق الوجوه- لا كحرفة أو هواية- بل كحالة أخلاقية، كصرخة كائن حرّ قرّر أن يكون شاهداً لا شريكاً في المذبحة. التدوين هنا ليس مجرد حبرٍ يسيل، بل ضمير يوجّه نفسه ضد القبح، حتى وإن كان القبح قريباً، حميماً، أو نابعاً من ذات يُفترض أنها شقيقة. لقد كنتُ- وما…

عبد الجابر حبيب ـ ذاكرة التهميش ومسار التغيير بعد عقدين من اندلاع الأزمة السورية، وتحوّلها من انتفاضة مطلبية إلى صراع إقليمي ودولي، ما زال السوريون يتأرجحون بين الحلم بوطن حر تعددي عادل، وبين واقع تمزقه الانقسامات، وتثقله التدخلات الأجنبية والمصالح المتضاربة. سوريا اليوم لم تعد كما كانت، لكن السؤال يبقى: إلى أين تسير؟ وهل ثمة أمل في التحول نحو…

حوران حم في زوايا الحديث السوري اليومي، في المنشورات السريعة على مواقع التواصل، في تصريحات بعض “القيادات” ومواقف فصائل تدّعي تمثيل الثورة أو الدولة، يتسلل الخطاب الطائفي كسمّ بطيء، يتغلغل في الروح قبل أن يظهر في العلن. لم تعد العبارات الجارحة التي تطال الطوائف والأقليات، والمناطق، والمذاهب، تُقال همساً أو تُلقى في لحظة غضب، بل باتت تُصرّح جهاراً، وتُرفع على…

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…