توفيق عبد المجيد
يلاحظ المتمعن في الأنظمة الداخلية لجميع الأحزاب الكردية دون استثناء أنها تقوم نظرياً على مبدأ المركزية الديمقراطية ، وتعتمد أسلوب النقد والنقد الذاتي البناء في تقويم مسيرتها النضالية ، وتؤمن بالديمقراطية حلاً أمثل للمسألة الكردية في سوريا دون أن تنتبه إلى إشكالية الخلط بين القضية القومية أو القضية الديمقراطية التي من أولى أسسها قبول الآخر واحترام رأيه لأنها ثقافة الإنسان المتحضر التي تختزل في منظومة من القيم والأخلاق والسلوك والتربية ، ولكنها – أي الديمقراطية – مازالت جنينية في معظم أحزابنا الكردية وبقيت الممارسات الديمقراطية في هذه الأحزاب سطحية ولم تتجذر بعد ، ووقعت الأحزاب الكردية أو كادت تقع في مطب الشمولية التي تحاربها ليلاً نهاراً وبلا هوادة .
كما بقي سلوكها الممارساتي اليومي يقتصر على اللون التقليدي الواحد الذي يرفض التعدد والتنوع واختلاف الآراء ، والآراء الحرة ، ورفض محاولات إلقاء الحجارة في مياه البرك الراكدة لتبقى على ركودها ساكنة في عالم المتغيرات اليومية الكثيرة ، رافضة وبقوة وعناد منطق أن المياه الآسنة أو حتى العذبة منها في برك الركود تلك قد تجف يوماً ما .
ما دفعني إلى هذه المقدمة المختصرة والمقتضبة ، والتي تعمدت أن تكون مختصرة ، هو الزوبعة التي أثارها البعض على مجموعة من المقالات والمقابلات التلفزيونية للدكتور عبد الحكيم بشار الذي يصرح علناً بأنه عضو مكتب سياسي في الحزب الكردي الفلاني ، ففي مقاله الموسوم (الحركة الكردية وظاهرة تقليد السلطة ( البعث ) والذي نشر في عدد من المواقع الانترنيتية يلامس الدكتور في طروحاته تخوم الحقيقية دون أن يعطي لنفسه الحق في أن يمتلكها كاملة (ما سأعرضه من موضوعات أعتقد أنها أقرب ما تكون إلى الحقيقة دون الادعاء بامتلاك كامل الحقيقة ) كما يصرح بأن المقال عبارة عن وجهة نظر يتمنى الوقوف عليها وإبداء الآراء حولها بموضوعية وبعيداً عن ردات الفعل ( أتمنى الوقوف عليه والتعامل معه بإيجابية وموضوعية بعيدة عن ردة الفعل … لعل الحوار والإشارة إلى السلبيات بموضوعية وإن كان إحراجاً للبعض فليس الهدف هو إحراجهم وإنما لتذكيرهم ببعض القضايا لأنه في المحصلة كلنا معنيون ومسؤولون بهذا الشكل أو ذاك عن واقع الحركة ) .
وفي مقاله الثاني ( الحركة الوطنية الكردية وضرورة حل الشيفرة النضالية ) يتطرق الدكتور إلى الأزمة الحقيقية التي تعانيها معظم الأحزاب الكردية في هيكليتها التنظيمية وفي إخفاقها في تحقيق الإصلاحات الجوهرية والغموض الذي يكتنف حقيقة الأهداف والمطالب الكردية ( الحركة الكردية تعيش أزمة حقيقية سواء لجهة بنيتها وهيكليتها أو لجهة فشلها في تحقيق أي إصلاحات جوهرية وجدية تتناسب مع المرحلة ) ثم يحدد الدكتور الحقوق السياسية التي تطالب بها الحركة الكردية ، وطريقة التعامل مع السلطة والمعارضة التي يقسمها إلى داخلية وخارجية ، كما يعتبر الموقف من الشعب الكردي وقضيته الوطنية محور التعامل مع المعارضة .
أما في حديثه الأول مع فضائية ANN يوم 9/4/2006 وفي برنامج ( الطاولة المستديرة ) فقد كان السؤال الأول الذي وجه إليه ، حول الحوار بين مختلف مكونات المجتمع السوري لإظهار الحقائق وطرح الحلول حيث جعل الدكتور غياب الحوار الديمقراطي هو السبب الرئيسي للمعاناة والأزمة الخانقة التي تعصف بالبلاد ، والروح الاستحواذية الاستئثارية لدى حزب البعث على كل مفاصل الحياة ، وكان السؤال الثاني حول الحلول المقترحة عبر الطاولة المستديرة حيث ركز الدكتور على ضرورة تخلي السلطة ( عن سياسة الحزب الواحد الذي يقود المجتمع والدولة والإقرار بالتعددية السياسية والقومية ، وإلغاء الأحكام العرفية وحالة الطوارئ بعد أن انتفت مبررات استمراريتها ، وإلغاء المحاكم الاستثنائية ، وإطلاق سراح السجناء السياسيين ، وسن قانون عصري للأحزاب ، وأيضاً للصحافة ، والكف عن سياسة الإقصاء المتبعة السائدة منذ عقود ، والانطلاق من أن المجتمع السوري هو مجتمع متعدد القوميات والأديان والثقافات ) كما ركز على قضية الشعب الكردي وضرورة حلها من منطلق أنها قضية شعب وأرض ، والكرد يشكلون القومية الثانية في البلاد مع التركيز على معاناة الشعب الكردي المزدوجة .
وفي رده على السؤال الثالث حول أسس الحوار أبرز الدكتور ثلاثة شروط لابد منها في أي حوار مثل ضرورة أن ينطلق الحوار من أرضية وطنية وبإرادة وطنية ، ثم أن يؤمن المتحاورون بالتغيير الديمقراطي السلمي ، ويكون هدف الحوار المحوري إقامة مجتمع مدني علماني ديمقراطي تعددي مؤسساتي يسعى لتحقيق المساواة الفعلية بين جميع مكونات المجتمع السوري .
وفي استضافته الثانية يوم 15/4/2006 من قبل نفس الفضائية وعن سؤال المحاور حول التغيير ، ذكر الدكتور ثلاثة أنماط من التغيير مثل التغيير من الخارج وبإرادة خارجية ، والتغيير العنفي ، ثم التغيير الديمقراطي السلمي المتدرج ، ولعل مرد الزوبعة الكلامية حول مقالات الدكتور ومقابلاته التي كانت بمثابة بقعة ضوء على مساجات رمادية ، يكمن في مفردة التغيير التي هي هاجس أغلب قيادات الأحزاب الكردية لأنها تخشى أن يطالها التغيير وهي المطالبة به دوماً وفي كل مناسبة دون أن تكون على استعداد لدفع الضريبة لأنها لا تؤمن كثيراً بمقولة أن أدوات النضال القديمة ليس في مكنتها أن تنتج وسائل وأساليب نضالية حديثة تنسجم مع روح العصر ومنطقه واستحقاقاته ، ناسية أو متناسية أن من يطالب الغير بالتغيير يجب أن يتغير هو في البداية لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، ولا يخفى على أحد منا نهج وممارسات القيادات الكردية في الماضي في التعامل مع التغيير وكيف كانت تغيّر بعض القياديين أو ترفع الآخرين إلى موقع القيادة ، واعتبرت أن الكاتب قد دخل في المحظور ووصل إلى الخطوط الحمر لأنه رفع البطاقة الحمراء في وجهها وهدد العروش الحصينة بدكها بالمعاول والمطارق ولم تكلف نفسها عناء الرد وبموضوعية واتزان على هذه المقالات الجريئة والجديدة على المسرح الكردي مندفعة وبعنف من حبها لهذه المراكز القيادية وتشبثها بها بالأسنان والأظافر وكأنها ملك لها ، وكأنه قدر لها أن تكون في القيادات من المهد إلى اللحد ، وكان القضية الكردية عبارة عن مزارع وعقارات وأملاك خاصة بها ، وازدادت تمسكاً بهذا المنصب كلما شعرت بالخطر بل ساهمت في كثير من الانهيارات والانشقاقات التي أصابت جسم أحزابها ، وكان المهم عندها أن يضاف سكرتير جديد إلى القائمة الطويلة .
لكن الردود الإيجابية كانت في مجملها من أصدقاء الحركة الكردية وقواعد الأحزاب التي شعرت هي الأخرى بهذا الركود والجمود واستشعرت بضرورة التغيير ولا جدوى هذه الهياكل القديمة ، فليكن هدف الجميع التغيير ولا شيء سوى التغيير لنستطيع السير في ركاب موجة التغيير العالمية مؤمنين أننا نعيش في زمن الكلمة الصادقة التي تتفوق على السلاح في التغيير عندما يكون هدفها البناء لا الهدم .