إعلام غربي كردستان بين تضليل وتجهيل

عارف آشيتي

لم ينعم الكرد بالتقدم البشري منذ ضعفِ وثم زوالِ إماراتهم وإلى اليوم. هذا الحرمان الممتد جذوره عبر عشرات العقود من الزمن رسخ ذهنية من الصعب التخلص منها. وهذه مصيبة تكاد تقضي على الوجود الكردي في غضون العقود القادمة، ليصبح مصيرهم –في أفضل الأحوال- كمصير هنود الحمر في الأميركيتين.
نهوض شعب أو أمة يعتمد على مثقفيها وقياديها. كلما كانت هاتين الفئتين واعية كان نهوض الشعب والأمة محققة، وبالعكس. وشعب كردستان الغربية لا تنقصه الثقافة وكذلك القيادة، وعليه، بطريقة حسابية، لهذا الشعب المستقبل المشرق، والنهضة البناءة.

 لكن الواقع لا يشير إلى ذلك البتة، فالمثقف والقيادي ينحيان منحى يكاد يكون شاذا من شواذ هذه القاعدة، وهو كذلك. وهذا الشاذ الكردي له ما يبرره، ولكن بشروط. منها إذا كانت الفئة المثقفة والقيادية محصورة في الزاوية، لا حول لهما ولا قوة. من طرف آخر هذا الشرط محقق ضمن حالات معينة ومحدودة. فواقع الداخل الكردي يبرر، إلى حد ما، هذا الشاذ؛ ولكن ليس كليا. حيث أدبياتهما الإرشادية والتثقيفية والتنبيهية تتناول جانبا يكاد يكون وحيدا، لولا قلة من أولئك المثقفين، وعلى درجة عالية، من الوعي والفهم والإحاطة لأكدنا أن الغشاوة عامة من دون استثناء. وهذه القلة ليس بوسعها إزالة الغشاوة عن بصائر السواد الأعظم من هاتين الفئتين. علاوة أنها أي القلة الواعية، نتاجها التوعوي قليل قدر قلتها.

فالإعلام في هذا الجزء، وفي هذا الظرف بالذات، يفصح عن عجائب مخالفة للعقل والمنطق، وحتى الفطرة. وما يحصل الآن لكوباني المنكوبة، تكاد المقالات والأنباء والأخبار وغيرها من هذا القبيل عنها، كرديا، واحدة. تدأب على مهاجمة جزء كبير من حراكها السياسي، وكذلك تهاجم مقتسميها. هجوما لا يقشع الغشاوة عن البصائر، بل يزيد من ثخانتها وتلبد الذهن والفكر. فالمقالات الواردة بهذا الخصوص تعمق الطعن في حراكها كأن هذا الحراك واعٍ تماما وقادر. أما مهاجمتها لمقتسميها توحي وكأن هذا المقتسم صديق يُرجى منه المساعدة، وليس العكس.

كان علينا في أيام الهدوء تهيئة أنفسنا، وإزالة النواقص منها وتدريبها على مواجهة المرتقب. طالما لنا الرغبة في حكم أنفسنا بأنفسنا، إذن نحن في حرب مستمرة. والجبهة شغالة بيننا وبين مقتسمينا. إلا أننا فرطنا بوقت الهدوء، ولم نتهيأ لما أخفاه لنا القادم. فإقليمنا أراد أن ينتقل بنا إلى مستوى دول الخليج وهو لم يزل لديه البنود والمواثيق والعهود العالقة. فزاد من عدد الأثرياء، وتزعم شريحة كبيرة من قيادينا ليكون ولي كردستان الكبرى. فارتضى بمن أطاعه كما كان الحال لدى الأنظمة الشمولية التي ثلمت سيفها؛ وبانت كذب مزاعمها؛ وادعاءاتها؛ بانهيار الاتحاد السوفيتي. وانشغل بحزب مأمور، يذيق الكرد أشد الإيذاء، وسوى نفسه به. ولم يكتفِ بهذا فحسب، بل جرّ معه معظم الأحزاب الكردية في غرب كردستان ليحذو حذوه في التعامل مع هذا التنظيم المأمور. والحالة هذه كيف لا يكون لنا مصير هنود الحمر في الأميركيتين!
——————————————-
عارف آشيتي ashityarif@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…