أردوغان الكُردي وpkk التُركي

 ابراهيم محمود  

 

في تصريحات الكثير من الساسة الأتراك، خصوصاً
في الآونة الأخيرة، لا يمكن للمرء المعني بما يجري طبعاً، أن يتجاهل ذلك ” الحرص
” الذي يظهِرونه تجاه مأساة الشعب السوري، والكرد ” أخوة الترك
” إنما بالطريقة التركية، هم في الواجهة راهناً، ولأردوغان رئيس
الجمهورية التركية الجديد النموذج الأبرز في ذلك، كما هو متضَّح في خطابه ” الجماهيري
” الذي ألقاه في عينتاب جنوب شرق تركيا في 7 تشرين الثاني 2014، عندما أفصح
عن هذا ” النبل ” في الشعور الإنساني اللافت، و” التصفيقات
كانت تتتالى، وهو محاط بالحرس الخاص، وتراءى في نبرته كما لو أنه ليس متعاطفاً مع
أهله ” في كوباني فحسب، وإنما يعيش مأساتهم ويعمل كل ما في
وسعه لإيجاد حل لهذه المأساة بالمقابل.
السيد أردوغان، وبصفته رئيس الحكومة المنتخب،
متعال على الحزبية والتحزبية، وهذا أول رد 
جميل ” على ” صنيع ” نسبة كبيرة من
الكرد في تركيا ليحقق فوزه المعروف مؤخراً، وإزاء ذلك لا يكون لمسلكه أو لأي
تصريحه من تصريحاته أي منحى ضيق يخص جماعة معينة، إنما هو ” للجميع
“، أكثر من ذلك، حين يسمي ” كوباني ” باسمها، والأكراد مُسمُّون
عنده، وكأني به يعرّف بنفسه كردياً أكثر من كونه تركياً، وهذا هو الحد
الأقصى من  التعريف بالذات في انتمائها
” الوطني “، لتكون مفردة ” التركي ” مجرد مجاز وليس حقيقة على
الأرض أو داخل المؤسسة أو لدى الأجهزة الأمنية وقطاعات الجيش التركي ..الخ، وأن
الذي ينغّص عليه وعلى عموم الأتراك ممن عوّدوا وأحيطوا علماً ويُتبهَّون حتى
اللحظة على أن هناك خطراً وحيداً يتهدد وحدة الأراضي التركية ، يتمثل في : pkk ، كما لو أن الأخير بدوره يكون
تركياً في طريقة التعريف، ليكون في مقدور أردوغان تجييش وعي جماهيري  شعبوي، تركي وكردي وغيرهما حوله. أليست السياسة
أمثولة الفردي الأقصى في حيازة الآخرين وتمثيلهم وكأنهم هم من يطالبون بذلك ؟ 
سوى أن المعضل في خلاصة ” الترك
وتركستان
” كما هو الممكن استقراؤه وتبينه يعايَن في ما أدلى به السيد
أردوغان في التاريخ المذكور: 
استمرار السياسة التركية على النهج الأحادي
الطرف، إذ إن اللين المحسوس في الملامح واللغة، لا يخفي نوع المؤسسة التي تكون
وراءه أو حتى وهي تتقدمه ” تصوروا، بالمفهوم المسرحي، كيف كان يتكلم أردوغان
وبحماس جلي، وفي الخلف مشاهد العنف الفعلية لجنود أردوغان والمعنيين بأمنه التركي
الحدودي في التعامل مع أهل كوباني ومن أرادوا التوجه إليها، وأكثر من ذلك: مشهد
عشرات الدبابات التركية الرابضة على المرتفعات المطلة على كوباني كما لو أن هذه
مستهدفة وليس غزاتها” الدواعش ” تصوروا فقط ! “. 
أحسن أردوغان تعبيراً إذ إشار إلى كوباني
” ساقطة لامحالة : بمعنى احتلالها بأيدي الغزاة الإرهابيين “، لأن عملية
سقوط كوباني مقرّرة منذ زمان طويل ” منذ أكثر من شهر “، بما أن الذين
أرادوا تهديد الكرد في عقر دارهم، قبل سنتين ونصف من معبر ” سري كانيه
” بدعم من تركيا، حيث كان من نتائج هذا الغزو ” تمثل في حملة أسماء
إسلامية، تطوروا ليكونوا دواعشيين بأكثر من معنى “، هروب السكان بعشرات
الألوف، ولتكون سري كانيه مدخلاً لاجتياح كل المدن الكردية، وحين أفشلِت الخطة كان
البحث عن معبر آخر، عن نقطة ارتكاز جغرافية تستجيب لمخطط سالف وبطريقة أخرى ”
معدلة ” ومكلَّفين ومدربين ومثابين طبعاً لأجل ذلك وباسم آخر: الدواعش
، لأن ما يلي فعل ” السقوط ” المرتقب هو الانتقال إلى الخطة الأخرى:
تمييع المكان وأهله، واتخاذه نقطة انطلاق إلى أبعد من ذلك، والمفارقة التي تشير
إلى ” التناقضات ” التي لا تحتاج إلى فطنة معينة، تتمثل في تصريحات
الساسة الأتراك الذين كانوا يعبّرون حتى الأمس القريب بأنهم لن يسمحوا بـ”
سقوط ” كوباني، و” داود أوغلو ” في الواجهة، وكأن الإشارة هذه كانت
تعني للغزاة في أن يستمروا في غزوهم، ليظهر الساسة الأتراك وكأنهم لم يفلحوا في
صدهم، بما أن دولاً وقوى أخرى لم تتمكن في توقيف زحفهم هنا وهناك. 
أحسن أردوغان تعبيراً ” من العيار
الثقيل ” عندما وحَّد بين كل من داعش وpkk،
باعتبارهما إرهابيين، والتحسين يخص الإفصاح عن ” المستور “، ليستدعي لنا
أمرين اثنين : 
الأول هو استمرار السياسة التركية تجاه حزب
العمال الكردستاني pkk
، بوصفه إرهابياً، وتركيا لما تزل تلقى دعماً من الدول الكبرى في هذا السياق”
الإرهاب الذي يبعبع العالم “، رغم كل مساعي الحزب/ التنظيم هذا إلى التخلي عن
المواجهة المسلحة، وليكون هذا الربط سبيلاً قويماً لاستنفار الترك أنفسهم، ومعهم
مؤيدوه من الكرد أنفسهم، والأخطر هو التالي: ما زال الأمس أمساً، حيث الذاكرة
الدامية تقاوم الواقع المستجد، وما في ذلك من عملية خلط أوراق وتأكيد على الإرادة
السلطوية المترَّكة، والأمر الثاني: لزوم مقاومة هذا الخطر وقد صار خطرين، وما في
ذلك من لفت أنظار حلفاء تركيا ” في الناتو ” وآخرين من محاربي ” الإرهاب
” إلى الواقع المعقد والصعب الذي تعيشه تركيا. 
لكن، ليت السيد أردوغان يتعامل مع pkk بوصفه إرهابياً مثلما يتعامل
مع داعش الإرهابي من جهته ” كشاهد أحدث، محاولة إدخال مجموعتين دواعشيتين إلى
كوباني، عند قرية عتمانكي، كما جاء ذلك في تصريح لشاهد عيان، وعبر قناة روداو
بتاريخ 7تشرين الأول 2014 “، ليت السيد أردوغان يقدم الدعم اللازم لمقاتلي
الكرد ممن يحاربون داعش الإرهابي كما هو ميسَّر للأخير. 
إنه افتراض من نوع آخر لتحري لامنطقية
المصرَّح به، وليس الذهاب مع أردوغان ورجال ساسته الأتراك على إبراز إرهابية pkk، لأن داعش الذي تلمس حاضنة
مغذية له في تركيا وحتى اللحظة، لا ينتمي إلى أي دولة، وله صلة بأي دولة تؤمّن له
ما يحتاج، ولينقلب عليها لحظة التمكن، وفي الوقت ذاته، ليكون في مقدور ممثلي pkk وامتداده في سوريا وغيرها pyd ، تبيُّن هذا البعد الحيوي
والخطير في سياسة الدولة التركية وغيرها، وأن هذه الصفة” الإرهاب ”
ستستمر في صلاحيتها طالما الاسم باق ” أليس ذلك مذكّراً إياناً بشروط فرّضت
على السيد صالح مسلم ” الپَيَداوي ” من قبل رجالات أمن الأتراك: إثبات فك ارتباط pyd ، مع pkk،
وكذلك مع النظام السوري، ومن ثم الدخول في دائرة المعارضة السورية المعترَف بها
دولياً وتركياً ضمناً ؟ “، ليكون ذلك تأكيداً أوفى على أن الساسة الأتراك
أكثر من غيرهم لن يوقفهم شيء عن التزامهم بنهجهم ” الصراطي ” في التشديد
على الكرد الذي يسعون إلى الخروج على أي توجه رسمي تركي، وهذا يتجاوب مع توجهات كل
دول المنطقة السياسية والأمنية تلك التي تقاسمت كردستان . 
وكوباني باعتبارها عقدة الساسة الأتراك
وأردوغان في المتن، وباعتبارها محاطة بذئاب داعش الذين تم تدريبهم بقواعد السياسة
الأمنية التركية وغيرها في الجوار، هي ” الجزة الذهبية ” المبحوث عنها،
إذ تفرَّغ، وإذ تُنتظَر لحظة الحسم : سقوطها، لتكون منطقة الحظر العازلة، وليكون
لدينا ضرب عصفورين بحجر واحد: إسقاط كوباني المسماة مقاطعة كردية، وتهديد البقية،
وإيجاد موطىء قدم لتركيا في سوريا، وتركيا تنتظر مجدداً الضوء الأخضر للتحرك،
لتدفَع الفاتورة من ” الخارج : الناتوي وسواه ” بعملية عسكرية برّية،
بما أن القصف الجوي لا يجدي نفعاً ” وهو الذي صرّح به أردوغان أيضاً في خطابه
السالف الذكر . 
ولعل سحق الدواعش، أو إلحاق الهزيمة بهم،
يعني هزيمة السياسة التركية الأكثر قبحاً وتقيحاً من الداخل، والمتقومنين العرب،
في أمكنة مختلفة، وهم يتابعون معركة داعش ” القومية الطابع تقديراً ” مع
الانفصاليين الكرد في كوباني التي صدَّعت رؤوس كثيرين منهم، فنجد أنفسنا بالتالي
أمام مجابهة من نوع آخر، تكون كوباني هي الحلبة، لكن الحلبة أوسع من مضمارها
المعلوم وعلى مستوى دولي هنا، وتحديداً، لأن قصف ” التحالف ” في الحد
الأدنى، وهو يترجم في الحال ما هو منتظَر: لحظة سقوط كوباني .. 
لست في الدفاع عن pkk،
كما يمكن أن يوحي مقالي بذلك، إنما في محاولة مقاربة ذهنية سياسية وسلطوية تركية،
تتمثل في مسعى السيد أردوغان وهو يختار ” بقعة ” جغرافية أكثر
قابلية ليقول ما تحضَّر له ” عينتابياً “، تظهِر، وباضطراد، مخاوفها
تجاه الكرد أكثر من أي طرف آخر، حيث لا يكون داعش إلا في مقام العصا الضاربة
تركياً، وأن يظهر السيد أردوغان أقرب إلى الكثير من الكرد إلى الكرد أنفسهم، وpkk، الخطر المهدّد للكرد والذي
يبدو أن الكثير من الكرد لا يعلمون بأمره، لهي المفارقة الكبرى في سلسلة المفارقات
التي لا تستطيع السياسة التركية ” مفارقتها ” أي التخلي عنها، ولو أن pkk انتهى أمره كلياً، لكان هناك
بحث عن ” مبتدَع ” جديد، يحمل بصمة كردية، لأن ليس كالكرد من
يشكلون تهديداً لوحدة ” الوطن التركي “، وما يجب على ممثلي pkk وامتداداته هو الوقوف بالمزيد
من المرونة والتمحص عند هذه النقطة التي لا تسمى كما يجب في تركيا وخارجها، من
خلال جملة الأنشطة التي تعنيهم، وفي إطار ما هو كردي يخدم الكرد جميعاً واقعاً،
ولعل الذي حققته كوباني الإحداثية الجغرافية التي لم تكن في محل معتبَر من الإعلام
الجغرافي، وقد اكتسبت صيتاً إعلامياً، وهي تترجم بطولات المدافعين عنها، وبسلاحهم
البسيط من جهة، وتمكنت من لم شمل كردي بأكثر من معنى من جهة أخرى، هو كاف أيضاً،
ليستجيب ساسة الكرد لخاصية قوتهم الكردية في العموم، وكوباني التي دخلت التاريخ
تنتظر من كردها المشتتين وهم متعاضدون لئلا تخرج من الجغرافيا، ولا أظن أن كرديا
واحداً بالفعل، يتمنى ذلك. 
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…