الصفقة التركية- الداعشية

 ابراهيم محمود

  
قد نوافق القائل الذاهب إلى أن تركيا تحفظت
على الدخول في مشاركة دول التحالف ضد داعش، بذريعة وجود رهائن قنصليتها في الموصل
منذ 10 حزيران 2014، والحرص على حياتهم، كما تردد ذلك على ألسنة كبار ساستها
” أردوغان- داود أوغلو .”، سوى أن المتسرَّب إلى الصحافة العالمية منذ
يومين، هو التالي: إطلاق سراح 180 من المتطرفين ” وهم دواعش في المجمل ”
كانوا محتجزين لدى النظام التركي مقابل إطلاق رهائن تركيا أولئك لدى داعش، ولا أحد
يعلم أي صفقة أخرى سيُكشَف عنها بعد أيام معدودات، سوى أن الدارس لتاريخ الساسة
الأتراك هو وجود صفقات معمولة في ” السر ” أكثر من تلك التي تسمى علناً،
سوى أن الأهم من هذه وتلك،
 وفي ضوء هذا التاريخ المتعدي لظهور ما يسمى
بـ” الجمهورية التركية ” هو الحديث عن أن أسرى الترك لدى داعش وبالعكس،
ليس أكثر من لعبة لدى دولة تركيا وثمة قوى دولية لها مصلحة في ذلك ” لا
أبرّىء أميركا منها “، وداعش التنظيم السياسي في نسخته القاعدية الإرهابية
الأحدث، وثمة قوى دولية لها مصلحة في نشوئه وانتشاره إلى أجل غير مسمى، وثمة قوى
دولية لها مصلحة في ذلك ” لا أستطيع أن أمنع نفسي من اعتبار أميركا ذات ضلع
فيما تقدم ومصلحة، لمن يمد ببصره في الجهات الأربع “. 
تركيا التي ينبري الكثير من المثقفين
والمتثقفين والمحسوبين على الإعلام العربي في موقع الدفاع عن تركيا إزاء: فصل
المقال فيما بين تركيا وداعش من اتصال، ليس حباً بتركيا ولا كراهية لداعش، وإنما
لأنهم يرون مصلحة لهم ولمن يعتبرون أنفسهم ممثلين لهم في محيطهم، فيتحقق رضى تركيا
وداعش بنسب متفاوتة، ويبقى الكرد أكثر من غيرهم الضحايا المطلوبين على مذبح
شهواتهم التأريخية ومن معهم في جوار جوارهم. 
 تركيا هذه لا تدخر جهداً في شحذ الهمم لتكون
بوجهين: حداثوي أوربي: أمعط، وأصولي، سلفي، يصعب قياس طول النص الآخر من اللحية
وعرضه وسماكته والمخبَّأ فيها، إذ تسعى جاهدة إلى تحويل الصراع الذي تعيشه مع
ماضيها: لتأكيد علامتها الامبراطورية وهي منتهية صلاحيتها بأكثر من معنى، وحاضرها،
لتأكيد وحدة تركيا المترَّكة، وهي تعيش تصدعات ” هل نستعين بما قالته المرأة
لزوجها عن : هنوها: متاعها ؟ “، ومستقبلها: لإبراز قدرتها على البقاء قوة
مرهوبة الجانب، وهي تعيش نخراً وربما حِداداً تدريجياً على ما كان وخوف ما هو قائم
ورعب ما سيحدث، تحويل الصراع المتعدد الأبعاد خارجاً لتستطيع تنفساً يمكنها من النظر
والتقاط الأنفاس قدر استطاعتها، وتجد دائماً زبائن لها، أو عملاء، بقدر ما تتعدى
نطاق التردد عند اللزوم لتكون زبوناً أو عميلاً ذا قوة استرضائية محتسبة للذين
يمكّنونها من البقاء وضمان مصلحتها، عبر الناتو وغيره، ولعل المتمثل في المشهد
الداعشي ” والمشهد بمعناه الحداثي يضمر أكثر مما يظهر ” يستجيب لأكثر من
داعي مصلحة تركياً وهي ” تحتضن ” المعارضة السورية، وهي تميط اللثام عن
وجهها الإنساني في إيواء الكرد وهي ذات دور ملحوظ فيما آل إليه أمرهم، وبوجه هو
ذاته قناع ” وما أكثر أقنعة الساسة الأتراك ! “، ولهذا ما أسهل القول
وأصدقه استناداً إلى إحداثيات السياسة التركية: لم يكن هناك من صفقة حرْفياً بالذات،
وإنما تلاقي مصالح مشتركة، لأن ثمة طرفين بينهما عملياً غاية التفاوت لحظة
المقارنة : تركيا كدولة، وداعش كتنظيم، سوى أن تاريخ تركيا كدولة أفصح عبر أنشطة
دولية، كانت تتصرف إيديولوجياً تجاه الكرد منذ أكثر من قرن، متبعة سلوك المجموعة
الإرهابية ” إرهاب دولة يعني تجريد الدولة من مفهومها الاجتماسي “، وأن
داعش في المدد المقدَّم له، والتغطية العملية واقعاً له، يضعه دفعة واحدة في نطاق
أكثر من دولة ” يا لتبادل الأدوار هنا ؟! “، وهذا التفاوت يحول دون الربط
بينهما مباشرة من قبل أي كان . لهذا أقول: ثمة ” فبركة ” قائمة قبل ظهور
اسم داعش والاحتفاء بولادته في الفسحة التركية أكثر، وتدريبه كما يجب ” ومدخل
سرى كانيه قبل سنتين وأكثر ” شاهد مبكّر على ذلك كنقطة انطلاق، وما يجري على
مشارف حدود كردستان العراق وكوباني يمثل اكتمال الدائرة تقديرياً، فبركة ليست
فبركة في الواقع، إنما ممارسات سياسية وأمنية معتمدة تاريخياً، إذ كل طرف داخل في
اللعبة ما عليه القيام به، وكيف تكون خطوط اتصاله بالآخر، ويتهجى اسمه أو يناور
لإبعاد الشبهة . 
وما يجب استدراكه هو أن بعض هؤلاء الرهائن،
وكذلك المحتجزين ينتمون إلى أكثر من دولة، فعلينا إذاً أن نستدعي اللعبة برائحتها
الموبوءة، ومن يمارس دور السمسار، ودور المعتّم الإعلامي، ودور محرّر ” الشيك
” المادي والمعنوي، وحتى  الآن يتم
تحرير هذا الشيك المسموم على ظهور الضحايا من الكرد غالباً وآخرين، والناظر في
كوباني ومحيط كوباني، وحركية اللاعب التركي، وأقنعة ساسته هنا وهناك، لا بد أنه
يرى دماء مراقة” تتكلم كردي ” ومؤامرات تحمل أكثر من إمضاءة
تركية – داعشية، والحبل على الجرّار ..! 
  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…

صالح جانكو حينما يتوهم القائمون على سلطة الأمر الواقع المؤقتة بأنهم قد شكلوا دولة من خلال هذه الهيكلية الكرتونية، بل الكاريكاتورية المضحكة المبكية المتمثلة في تلك الحكومة التي تم تفصيلها وفقاً لرغبة وتوجهات ( رئيس الدولة المؤقت للمرحلة الانتقالية)وعلى مقاسه والذي احتكر كل المناصب والسلطات و الوزارات السيادية لنفسه ولجماعته من هيئة تحرير الشام ، أما باقي الوزارات تم تسليمها…

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…

ريزان شيخموس بعد سقوط نظام بشار الأسد، تدخل سوريا فصلًا جديدًا من تاريخها المعاصر، عنوانه الانتقال نحو دولة عادلة تتّسع لكلّ مكوّناتها، وتؤسّس لعقد اجتماعي جديد يعكس تطلعات السوريين وآلامهم وتضحياتهم. ومع تشكيل إدارة انتقالية، يُفتح الباب أمام كتابة دستور يُعبّر عن التعدد القومي والديني والثقافي في سوريا، ويضمن مشاركة الجميع في صياغة مستقبل البلاد، لا كضيوف على مائدة الوطن،…